قطر منفتحة على حل للأزمة الخليجية لا يمس السيادة

  • 6/6/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قطر لن تقبل بالوصاية أو بأي حلول تكتيكية أو مرحلية من دول الحصار الدوحة نجحت في تصحيح موقف الرئيس الأمريكي من الأزمة قطر متمسكة بسيادتها واستقلالية قرارها خاصة في السياسة الخارجية أزمة الحصار أضرّت بمجلس التعاون الخليجي وبصورته العالمية ومؤسساته وأهدافه لابد من التوافق على بديهيات التعامل بين الدول ذات السيادة لحل الأزمة     الدوحة -الراية:  أكدت ورقة تقدير موقف صادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن قطر تصرّ على ضرورة إيجاد حلٍ دائم للأزمة الخليجية يستند إلى احترام سيادة الدول وحقّها في اختيار سياساتها التي تحقق مصالحها من دون الإضرار بمصالح الآخرين أو التدخل في شؤونهم الداخلية، ورفض الإملاءات والعمل وفق مبدأ المساواة في السيادة، وحق الجميع في تحقيق الأمن. وخلصت الورقة التي جاءت بعنوان «حصار قطر: سياقات استمرار الأزمة وآفاق حلهّا» إلى أنه «إذا لم يحصل توافق على هذه البديهيات في التعامل بين الدول ذات السيادة فالأرجح أنّ الأزمة ستستمر»، مؤكدة أن الأزمة «أضرّت بمجلس التعاون وبصورته العالمية، كما أضرتّ بمؤسساته وأهدافه، ومن مصلحة الدول الأعضاء في هذا المجلس أن تنتهي هذه الأزمة بتسويةٍ عادلة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة». وأكدت الورقة أنه «بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، وسوء تقديرات السعودية للحرب في اليمن وتورطها مع الإمارات في جرائم حرب فيه، وفشل الرهان على خليفة حفتر في ليبيا، وسجل حقوق الإنسان في السعودية والإمارات، أصبح المجتمع الدولي يميل إلى رؤية حصار قطر بوصفها حلقة في سلسلة مغامرات فاشلة وغير محسوبة للإدارة السعودية الجديدة». مستقبل الأزمة وأشارت الورقة في استشرافها لمستقبل الأزمة الخليجية والحصار الجائر المفروض على دولة قطر إلى أنه «رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الكويت خلال السنوات الثلاث الماضية، لم يحصل تقدمٌ حقيقي على صعيد الحل». وأضافت «برزت خلال عام 2019 أكثر من مناسبة تزايدت فيها الآمال بإمكان حصول اختراق يؤدي إلى إنهاء الأزمة؛ فقد شاركت قطر مرتين على مستوى رئيس مجلس الوزراء في قممٍ عُقدت في السعودية، هي قمم مكة الثلاث في أيار/‏‏ مايو 2019 وقمة مجلس التعاون في الرياض في كانون الأول/‏‏ ديسمبر 2019. مع ذلك لم يحصل اختراق في جدار الأزمة. ولم تلق دعوات قطر لرفع الحصار وتوحيد جهود دول مجلس التعاون في مواجهة وباء كورونا آذاناً مصغية في عواصم دول الحصار». رهان المتغيرات ونوّهت الورقة إلى أنه «في حين تبدو قطر متمسكة بسيادتها واستقلالية قرارها خاصة في السياسة الخارجية، فإن دول الحصار تراهن على متغيرات إقليمية ودولية يمكن أن تؤدي إلى إضعاف موقف قطر ودفعها إلى الرضوخ للمطالب التي أصبحت مثار استغراب المجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة. لكن الأزمة في الولايات المتحدة بسبب تداعيات أزمة كورونا الصحية والاقتصادية، وموجة الغضب التي فجّرها مقتل المواطن الأمريكي من أصل أفريقي، جورج فلويد، وتأثيرات ذلك المحتملة في الانتخابات الأمريكية، يمكن أن تؤدي إلى تغيير في حسابات دول الحصار خلال المرحلة القادمة. لكن قطر تؤكد استعدادها للتسوية، وهذا يعني تقديم تنازلات، ولكنها لن تقبل بالوصاية، أو بأي حل تكتيكي أو مرحلي تلجأ إليه دول الحصار في انتظار ظروف أكثر ملاءَمة لتجديد الحملة عليها. لذلك، فإن قطر تصرّ على ضرورة إيجاد حلٍ دائم يستند إلى احترام سيادة الدول وحقّها في اختيار سياساتها التي تحقق مصالحها من دون الإضرار بمصالح الآخرين أو التدخل في شؤونهم الداخلية، ورفض الإملاءات والعمل وفق مبدأ المساواة في السيادة، وحق الجميع في تحقيق الأمن. إذا لم يحصل توافق على هذه البدهيات في التعامل بين الدول ذات السيادة فالأرجح أنّ الأزمة ستستمر. لقد أضرّت الأزمة بمجلس التعاون وبصورته العالمية، كما أضرّت بمؤسساته وأهدافه، ومن مصلحة الدول الأعضاء في هذا المجلس أن تنتهي هذه الأزمة بتسويةٍ عادلة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة. أزمة مفتعلة واستعرضت الورقة بدايات أزمة الحصار الجائر مشيرة إلى أنه في غياب سبب للأزمة جرى اختلاق سبب عن سبق الإصرار، باختراق وكالة الأنباء القطرية في ٢٤ مايو ونشر تصريحات مختلقة منسوبة إلى صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، واتخاذها ذريعةً لإطلاق الأزمة، وصولاً إلى قطع العلاقات في 5 حزيران/‏‏ يونيو 2017 واتخاذ دول الحصار إجراءات وصفتها الورقة ب «غير المسبوقة» مثل إغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية ومنع مواطنيها من السفر إلى قطر، ومنع المواطنين القطريين من دخول أراضيها، ما يوحي أن الغرض منها كان إحداث حالة من الصدمة والفزع تدفع قطر مباشرة إلى الاستسلام لمطالب دول الحصار. دروس أزمة 2014 وذكرت الورقة أن هذه الأزمة لم تكن الأولى بين قطر وجاراتها الخليجيات؛ إذ سبق للدول الخليجية الثلاث أن سحبت سفراءَها من الدوحة في شباط/‏‏ فبراير 2014. وقد مثل حينها الخلاف على الموقف من الانقلاب العسكري في مصر الذي أطاح نظام الرئيس المنتخب محمد مرسي في 3 تموز/‏‏ يوليو 2013، جوهر أزمة 2014، وسببها المباشر، وهو عملياً امتداد للخلاف الذي اشتعل حول ثورة 25 يناير 2011 في مصر، والموقف من عموم الثورات العربية التي انطلقت من تونس أواخر عام 2010. وأضافت: نجحت الوساطة التي قامت بها الكويت في ذلك الوقت في احتواء الأزمة، وجرى اتفاق الرياض الأول ثم اتفاق الرياض التكميلي بعد مفاوضات استغرقت نحو ثمانية أشهر، مشيرة إلى أنه رغم الاعتقاد بأن صفحة الخلاف طُويت مع الجيران، فإن قطر استفادت من ظروف أزمة 2014 لتعزز اعتمادها على ذاتها؛ فباشرت ببناء احتياطي استراتيجي من المواد الغذائية، وسرّعت العمل في مشروعات البنية التحتية، خاصة منها مشروع المطار الجديد والمرفأ حتى تقلل من اعتمادها على موانئ دبي في حركة الصادرات والواردات، لذلك عندما وقعت أزمة 2017 كانت مشاريع البنية التحتية قد اكتملت، ومن ثم خفّت وطأة الحصار وتداعياته على الاقتصاد والمجتمع القطريّيْن، على نحوٍ ساعد قطر في الدفاع عن استقلالية قرارها الوطني وعدم الرضوخ لضغوط دول الحصار لإجبارها على الاستسلام. العامل الأمريكي في الأزمة أوضحت ورقة المركز العربي أن الرياض رحّبت مع حلفائها الخليجيين بفوز رجل الأعمال دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، ورأت في انتهاء حقبة أوباما والديمقراطيين، فرصة لعودة الشراكة الكاملة مع واشنطن بعد التوترات التي أصابت العلاقة بسبب الربيع العربي والتقارب الأمريكي - الإيراني. وبحلول هذا الوقت، بدأ يتضح، أن أزمة 2014 لم تُحلّ تمامًا، بل جرى نزع فتيلها فحسب، وعلى الرغم مما بدا من عودة العلاقات بين قطر وجيرانها إلى وضعها الطبيعي، فإن جذور أزمة عام 2014 بقيت موجودة، وكذلك النوايا الإماراتية - السعودية تجاه قطر التي ترفض محاولة فرض وصايتهما على سياستها الخارجية، والتي قد تتحول إلى وصاية داخلية أيضًا. وقد اتضح ذلك من خلال قائمةٍ تضمنت 13 مطلبًا تم تقديمها لقطر، بعد فرض الحصار عليها. وقد سمحت التغطية السياسية التي وفرها ترامب لدول الحصار في البداية بالذهاب إلى أبعد مدى ممكن في ضغوطها على قطر، بما في ذلك التفكير في القيام بعمل عسكري ضدها، كما كشف عن ذلك أمير دولة الكويت الذي صرح خلال زيارة قام بها لواشنطن في أيلول/‏‏ سبتمبر 2017 للحصول على دعم أمريكي لمساعي الوساطة التي يقوم بها، بأن الجهود التي بذلها نجحت في تجنب عمل عسكري في الأزمة الخليجية. وبدأت قطر فورًا في العمل لتبديد سوء الفهم مع البيت الأبيض والناجم عن استقاء معلومات من مصدر واحد، كما كثفت العمل في الكونغرس، واستثمرت في الخلاف الذي برز بين الرئيس ترامب ووزارَات الخارجية والدفاع الأمريكيتين بخصوص الأزمة الخليجية؛ ففي حين أيد ترامب مواقف دول الحصار من قطر في بداية الأزمة، حثت الوزارتان على حل الخلاف بالحوار، وعرضتا المساعدة في ذلك. وبالتوازي مع تجاوبها مع الوساطة الكويتية التي انطلقت مع بداية الأزمة، ركزت قطر جهودها على تغيير موقف الرئيس ترامب باعتباره عامل القوة الرئيس الذي تستند إليه دول الحصار في هجومها على قطر. وبدأت في تعزيز موقف وزارَاتَ الخارجية والدفاع في مقابل موقف ترامب؛ فوقعت مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة لمكافحة تمويل الإرهاب في 12 تموز/‏‏ يوليو 2017، وذلك خلال جولة دبلوماسية في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي قام بها وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون. كما نجحت قبل ذلك في إبرام اتفاقية جرى توقيعها في مقر وزارة الدفاع الأمريكية في واشنطن لشراء 36 طائرة إف51- بقيمة ١٢ مليار دولار. موقف ترامب وأشارت الورقة إلى أن قطر انتقلت بعد ذلك إلى التركيز على تغيير موقف ترامب من الأزمة؛ فجرى ترتيب لقاء لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، مع الرئيس ترامب في البيت الأبيض في 19 أيلول/‏‏ سبتمبر 2017، وذلك أثناء مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكان اللقاء الأول بين الرجلين ناجحًا؛ إذ وصف ترامب علاقته بالأمير ب «الصداقة الطويلة». وتكررت بعد ذلك اللقاءات بين ترامب والشيخ تميم، فعُقدت القمة الرسمية الأولى في نيسان/‏‏ أبريل 2018 في البيت الأبيض، وعُقدت الثانية في تموز/‏‏ يوليو 2019، وفيها تكرس التغيير في موقف الرئيس ترامب بوضوح من الأزمة الخليجية، وانعكس ذلك في البيان المشترك الذي صدر عقب محادثات الطرفين في البيت الأبيض؛ إذ أكد الطرفان «أن العلاقة الاستراتيجية والدفاعية الوثيقة تعززت بين البلدين، كما قال الرئيس ترامب في تغريدة له: «بعد عشاء رائع في وزارة الخزانة مساء الاثنين مع أمير دولة قطر، كان لي شرف استقبال الأمير من جديد في البيت الأبيض بعد ظهر الثلاثاء». وتوّجت القمة الأخيرة جهود قطر في تغيير موقف الرئيس الأمريكي الذي تحوّل تدريجيًا من تبنّيه لفكرة أن قطر تدعم الإرهاب - بحسب أكاذيب دول الحصار- وصولاً إلى الاعتراف بها «حليفًا رئيسًا» في تحقيق استقرار المنطقة وأمنها. وفي هذه الأثناء، بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، وسوء تقديرات السعودية للحرب في اليمن وتورّطها مع الإمارات في جرائم حرب فيه، وفشل الرهان على خليفة حفتر في ليبيا، وسجل حقوق الإنسان في السعودية والإمارات، أصبح المجتمع الدولي يميل إلى رؤية حصار قطر بوصفها حلقة في سلسلة مغامرات فاشلة وغير محسوبة للإدارة السعودية الجديدة.

مشاركة :