"إخناتون ونفرتيتي الكنعانية" أجمل قصة حب تاريخية

  • 6/6/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

حاولت جاهداً في هذه الدراسة القصيرة المعمقة تسليط الضوء على الرؤيا التاريخية لحقبة سيطرة مصر الفرعونية على بلاد كنعان. تخللتها قصة حب جمعت بين إخناتون الفرعوني ونفرتيتي الكنعانية، في سياق رواية صبحي فحماوي التي استلهمت التاريخ ولم تستنسخه. وقد خالطت في مضمونها الحقائق مع الخيال في إطار رواية أدبية بكل المقاييس الفنية. إنها رواية "إخناتون ونفرتيتي الكنعانية" الحادية عشرة التي صدرت في فبراير/شباط 2020 عن الدار الأهلية للطباعة والنشر- بيروت- عمّان - وهي قصة حب شهيرة للأمير إخناتون، ابن الإمبراطور المصري أمنحتب الثالث، والأميرة الكنعانية إلهام - نيفرتيتي، ابنة رفائيل ملك مملكة مجدو، ولكنهما عند التقائهما وجهاً لوجه، على أبواب معركة مجدو الشهيرة، يتوصلان إلى عقد اتفاق، وخطبة زواج، يقول لها فيه: "نيفرتيتي… ستكونين الزوجة الملكية.. الملكة العظمى. ولن يكون حب كبير كحب كل منا للآخر.. وستبقين جميلة وسعيدة إلى الأبد". هذا النهر الذي يعيد إلينا بينابيع الحياة الكنعانية الفرعونية.. حيث تجري أحداث هذه الرواية بين طيبة عاصمة مصر الفرعونية، وممالك بلاد كنعان. وقد زودت الروافد نهر الرواية الهادر الجاري، بمعطيات الحياة الحافلة بالتنوع والحكايات المسرودة بنكهة التاريخ والأساطير التي ساهمت في تشكيل الوعي الذي حدد ملامح الشخصية الكنعانية. وفي هذه الرواية، يتعايش القارئ مع قصة حب عظيمة وملهبة للمشاعر، حيث الصعود إلى ذروة الحدث ثم الهبوط وتداعياته المؤلمة. نحن نتحدث عن رواية تكشف لنا الكثير من خبايا التاريخ السحيق حينما سيطر المصريون على بلاد كنعان.والرواية تنقل عبر النهر الدفاق نبض الحياة في تلك الحقبة الكنعانية بتفاصيلها الإنسانية بعيداً عن السرد التاريخي، لذلك فقد وظف الكاتب كما سنرى الصور الفنية الجميلة لتقريب المشهد إلى قلوب القراء قبل عقولهم.. حتى يراها العقل الباطن فتتحول لديه إلى مسلمات. وكانت عتبة الرواية معززة بالتلسكوب الصيني الذي سمح لنا العالم الصيني باستخدامه لاسترجاع الماضي من قلب الفضاء بصرياً. من هنا فالروائي صبحي فحماوي استغل هذه الحالة الفيزيائية ليأتي لنا بالدليل البصري على أن أحداث روايته حدثت كما شاهدها الراوي. يقول الراوي المثقف في سياق عملية الولوج من المستقبل إلى الماضي، مروراً بتداعيات الحاضر الذي سادت مفرداته عقله الواعي: "قال لي العالِم الصيني المسؤول؛ إنني بصفتي روائياً معلوماتياً عربياً، أستطيع بهذا المنظار أن أشاهد ما أريد من أحداث الماضي". ولهذا.. ثبّتَ العالِمُ سماعتين على أذنيّ، فكانتا تُسمعاني قرقعة الأسلحة، وأصوات حوافر الخيول المطاردة في ذلك التاريخ السحيق، والصرخات، والآهات، وأحاديث الحب والغرام، وحتى الأحاديث المترجمة بنظام الترجمة الفورية من الكنعانية والهيروغليفية إلى العربية الحديثة. هكذا أفهمنى منظار الزمن، الذي لم أتوقع بأي حال من الأحوال أن أنتقل برمشة عين إلى ذلك العصر الكنعاني الفرعوني المجيد. ومن هنا تبدأ الأحداث تتوالى في سياق قصة عاطفية إنسانية مستلهمة من تاريخ منهوب، في ظل سياسة تضليلية من قبل المؤرخين المعاصرين المجيرين لصالح الرواية الصهيونية المزورة، التي دأب أصحابها بكل ما لديهم من قوة على نفي الآخر، وانتحال تاريخه الكنعاني المجيد وتراثه الفلسطيني الأصيل. الثنائيات التي أتخمت بها رواية فحماوي، كان أهمها ثنائيات: ما بين مركز الفعل والهامش، الخير والشر، الحب والكراهية، سطوة الدين ومؤسسات الدولة واتباع سياسة القطيع، ومن ثم تجيير المواقف، مقابل المواجهة المباشرة والحوار لحسم الواقف؛ ليخرج القارئ الحصيف من خلال هذه الثنائيات بخلاصة تمثل الحقيقة المليئة بالتقاطعات والثنائيات المتنافرة على أرضية فسيفسائية تمثل واقع الحال آنذاك. وتتكرر اليوم وربما مستقبلاً حيث يقف الراوي أمام التلسكوب ليستعيد الماضي التليد والمحجوب عن الأنظار.  وقد جمّل فحماوي روايته بالخيال المجنح على متن لغة سردية مثقفة، رزينة ومستقرة، مفعمة بالصور الفنية واللوحات الجميلة. ملخص السردية؛  تمكن الحب من الجمع بين الأميرة إلهام التي أصبح اسمها فيما بعد “نفرتيتي” ابنة ملك مجدو الكنعاني، رفائيل، والأمير امنحتب الذي سمي فيما بعد بـ "إخناتون" ولي عهد مملكة مصر الفرعونية. وذلك قبل معركة مجدو بثلاث سنوات حينما التقيا على هامش اللقاء الودي الذي جمع بين ملوك الكنعانيين المتذمرين من سلطة مصر وجبروتها ومصادرتها لهيبة ممالكهم وثرواتها، مع ملك مصر امنحتب الثالث، حيث تم تصوير نموذج لذلك في مملكة الخليل الكنعانية. فبينما كان الملك الكنعاني رفائيل يتفاوض مع ملك مصر العظيم أمنحتب الثالث، حول تفاصيل العلاقة المتأزمة بين مصر والممالك الكنعانية، كان الأمير امنحتب – ولم يكن اسمه "إخناتون" بعد - في موقف حالم جمع بينه وبين معشوقته الملهمة التي ظفر بها بالصدفة العجيبة المدهشة، وذلك أثناء محاولته إنقاذ فتاة جميلة من عمق البحيرة العذبة، ليتبين فيما بعد أنها الأميرة الكنعانية إلهام (نفرتيتي فيما بعد زواجها). رغم أنها لم تكن بحاجة لشهامة الأمير كونها سباحة ماهرة، لكنه القدر الذي جمع بينهما على حب “أتون الشمس” قلب الإله الفرعوني رع، فارتبطا بعهد على حلّ النزاع بين ممالكهم سلمياً درءاً لنشوب حرب مدمرة لا تبقي ولا تذر. وبعد ثلاثة أعوام من هذا اللقاء، اشتد تمرد الممالك الكنعانية على مملكة مصر الفرعونية، وبينما الملك امنحوتب الثالث يتلهى بالصيد في البراري مع حاشيته، كانت زوجته الملكة “تيي” تحرض ابنها الأمير أمنحتب (إخناتون - لاحقاً) على مواجهة الممالك المتمردة في مجدو الكنعانية، وتمهيداً لذلك قامت بتعيين أحد أقوى رجال جيشها (حور محب) قائداً للجيش، وأرسلته على رأس حملة يقودها ولي العهد امنحتب (إخناتون- لاحقاً) لمواجهة تلك الممالك الكنعانية التي استعدت لمواجهتهم بقيادة ملك "مجدو" الكنعاني، رفائيل حيث تزعم جيوش الحلفاء، من أمراء الممالك الكنعانية في بلاد الشام والذين سعوا إلى التحرر من ضغوطات المملكة الفرعونية، لإبعاد هيمنتها عليهم. وفي ساحة المعركة وقبل أن يتقابل الجيشان، انتدب الملك رفائيل ابنته الأميرة إلهام لتتقدم الصفوف من أجل ملاقاة خصمها أمنحتب والتفاوض معه إن تيسر لها الأمر كما اتفقا مسبقاً، بالمقابل كان الأمير امنحتب قد تقدم في منطقة النزال إلى مقدمة جيشه، مذهولاً من سوء الحظ الذي وضعه في مواجهة مع حبيبة قلبه وملهمته الأميرة إلهام. من هنا أخذهما حوار القلب قبل حوار العقل. وسارا حسب إيمانهما بالاله المصري “أتون، والإله الكنعاني الواحد الأحد إيل”.  وهكذا انتهت الحرب على وفاق واتفاق قبل أن يتلاحم الجيشان فتعاهدا على المحبة والسلام. وكانت الخاتمة سارة، إذ عقد الأمير امنحتب قرانه على الأميرة الكنعانية إلهام (نفرتيتي). فلحقته الأميرة إلهام بوفد عرس بهيج على ظهر باخرة فرعونية عملاقة كانت قد صنعت في جبيل الكنعانية، لتكون زوجته الفاتنة ووصلت إلى "طيبة" عاصمة مملكة مصر الفرعونية، وهناك تقبلت الملكة الفرعونية الأم ”تيي” الأمر بكل بهجة وفرح. وكان قد أعلن عن وفاة الملك امنحتب الثالث أثناء غياب ولده الأمير أمنحتب في المعركة، فنصب على إثر ذلك ولياً العهد أمنحتب ملكا على البلاد. وأصبح اسمه امنحتب الرابع لكنه فور تعيينه، نودي باسمه الملكي ليكون "إخناتون" وعليه فقد نصّب زوجته الكنعانية وملهمته إلهام، ملكة على مصر، ونوديت باسم "نفرتيتي" أي الجميلة أتت. كان لدى نفرتيتي مشروعٌ ثقافيٌ على أساس ديانة التوحيد الكنعانية (إيل) التي اتفقت بها مع إخناتون على أن يتماثل الدينان التوحيديان “إيل وأتون”، ليكون الإله الحقيقي هو الشمس وقلبها أتون، فسعت وزوجها لتحويل الناس من عبادة "آمون" إلى اله التوحيد "أتون". واسترعى الأمر منهما تهميش سلطة كهنة معبد الكرنك الذي تلقى دعماً معنوياً من قائد الجيش حور محب والملكة الأم "تيي" لذلك آثر إخناتون الابتعاد عن الصراعات العائلية في طيبة، فقام لأجل ذلك بإنشاء عاصمة جديدة وأطلق عليها اسم "أخت أتون" وأنشأ فيها معابد خاصة بآلهة التوحيد التي سميت العاصمة الجديدة باسمها. من هنا دب الصراع  بين أتباع "آمون" في العاصمة طيبة يقوده كهنة الكرنك من جهة، واتباع وكهنة "أتون" في العاصمة الجديدة "أخت أتون" بقيادة الملك إخناتون وزوجته وملهمته الكنعانية "نفرتيتي". وتتعثر مسيرة حياة نيفرتيتي، وذلك بزواج إخناتون من ابنتهما الأميرة "ميريت أتون"، حيث أصيبت نيفرتيتي من جراء ذلك بلوثة عقلية لم ينجُ منها دماغُها، مما اضطرها للخروج من قصرها، بعد العام الثاني عشر لزواجها، من دون تجميل ولا ملابس ملكية، ولم تأخذ معها أي شيء. خرجت من قصرها المنيف، حافية بثوب قديم مهترىء، كي لا يعرفها أحد. وسارت في الطرقات على غير هدى، بلا صديق أو رفيق، واستمرت في سيرها إلى المدى غير المنظور، حتى اختفت عن الأنظار. ولم تظهر بعد ذلك الخروج الأخير”. ونظراً لعدم التفات إخناتون إلى متطلبات الحكم، فلقد سمح لأخيه الأصغر "سمنخ كا رع" الذي ما أن أصبح له في ردهات قصر أمه شعور بكونه ملكاً، حتى دخل كهنة آمون في دماغه، فأعلنوه ملكاً على البلاد منقلباً على أخيه الملك "إخناتون"، وتم الاحتفال بتتويجه تحت ضغط الكهنة الذين كانوا لا يزالون يقاومون لاستعادة سيطرة عقيدة الإله "آمون" على البلاد كافة، فعينوه ملكاً على مصر كلها، حسب العقيدة الآمونية. وبخروج نيفرتيتي من قصرها، ومسيرتها المجنونة، هائمة على وجهها، وهي تغادر القصر الملكي، واختفائها في عالم الغيب، بقيت أربع من بناتها، إضافة إلى أخيهن الأمير الصغير توت عنخ أتون، الذي تخلت عنه وعن زوجها إخناتون نفسه، بعد زواجه من ابنته ميريت أتون، وطلبت من الملك إرسال ابنها إلى حيث تعيش أخواته، ليتربى بينهن، مع وصيفات نيفرتيتي وخادماتها. وهذا جعل أخاه سنمخ كا رع يعيد الهيبة إلى طيبة، من باب السماح بالتعددية الدينية في مصر، فيعود رجال الإقطاع ليتربع كل منهم على مذهب أو دين يعبده، فيجمع حوله أعداداً هائلة من المريدين، ليدفعوا لبيوت العبادة، التي تدرّ ذهباً على كهنتها وإقطاعييها. كما أن القائد حور محب صار يتصرف ضمن مساحة تتجاوز صلاحياته وخاصة أنه أصبح عديل الملك إخناتون بزواجه منذ البداية بشقيقة نفرتيتي الكنعانية ميت نجمت، فيساعد على إضعاف العاصمة الجديدة في خطوة متقدمة لإنهاء عصر "أخت أتون" ذي الطابع الفرعوني الكنعاني المتمازج، ومن ثم تدمير هذه المدينة العظيمة ومحو آثارها عن خارطة الوجود. "مات الملك إخناتون مُحطم القلب.. بعد أن أدرك أنه لم يعد مقبولًا لدى شعبه، وأن شعبه غير جدير به. مات واندثر بلا مراسم جنازة تليق بمقامه، ولا حتى أغاني جنائزية من أشعاره التي هزت الفكر الكوني، وأوصلت السماء بالأرض. مات فعادت مصر إلى الممارسة الدينية الأصولية الآمونية المستبدة تدريجيًا. حتى أنه بعد عدة أعوام، لم يكن حكام الأسرة الثامنة عشرة متفقين على حقوق واضحة للخلافة، فأسسوا أسرة جديدة، وأسَاؤوا لسمْعَة إخناتون وخلفائه من جديد وسعو لطمس آثاره.

مشاركة :