قدمت كتلة «ائتلاف الكرامة»، الممثلة في البرلمان التونسي بـ19 نائبا، لائحة إلى مكتب البرلمان، تطالب فيها فرنسا بالاعتذار عن الحقبة الاستعمارية في تونس، وتعويض الأضرار التي لحقت بمواطنيها خلال نحو 75 سنة من الاستعمار. وقال بلاغ صادر عن البرلمان التونسي إن المجلس اجتمع مساء أول من أمس للنظر في الصيغة النهائية لمشروع اللائحة، وقرر عقد جلسة برلمانية لبحث هذا الملف بعد غد الثلاثاء. وتهدف هذه اللائحة إلى «مطالبة الدولة الفرنسية بالاعتذار للشعب التونسي عن جرائمها في حقبة الاستعمار المباشر وبعدها». علما بأن تونس لم تطالب رسميا منذ استقلالها عن فرنسا سنة 1956 بأي اعتذار، أو صرف تعويضات لاحتلالها، واستغلال ثرواتها على مدى 75 سنة. وقال سيف الدين مخلوف، صاحب المبادرة، إن كتلته البرلمانية تقدمت بمشروع لائحة للتصويت إلى الجلسة العامة لمطالبة فرنسا بالاعتذار لتونس عن جرائمها زمن الاستعمار. موضحا أنه جرى تقديم مشروع اللائحة منذ 12 من مايو (أيار) الماضي بمناسبة ذكرى معاهدة الحماية الموقعة في نفس اليوم من سنة 1881. والتي دخلت بمقتضاها فرنسا إلى تونس. غير أن مجلس البرلمان لم ينظر فيها إلا أول من أمس، ودعا مخلوف كل نواب البرلمان إلى التصويت لصالحها عند عرضها على الجلسة العامة. في السياق ذاته، استبعدت سهام بن سدرين، الرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة، استجابة فرنسا لهذا المطلب، مؤكدة ضرورة تحويل الملف إلى قضية رأي عام، ومشيرة إلى أن المعاهدات الدولية وقرارات مجلس الأمم المتحدة والدستور التونسي والنصوص القانونية «تفرض على فرنسا التعويض لتونس وشعبها عما لحقها من انتهاكات»، على حد تعبيرها.يذكر أن هيئة الحقيقة والكرامة، الهيئة الدستورية المكلفة ملف العدالة الانتقالية في تونس، سبق أن طالبت عند انتهاء مهامها سنة 2019 فرنسا عبر مذكرة رسمية وجهتها إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالاعتذار عما ارتكبته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وذلك بعد تحديد مسؤولية فرنسا خلال فترة احتلالها لتونس بين 1881 و1956 وما بعدها. كما طالبت فرنسا باتخاذ التدابير اللازمة لجبر الضرر والتعويض المادي للضحايا أفرادا أو جهات، علاوة على تعويض الدولة التونسية بصفتها ضحية استغلال اقتصادي غير عادل، مع المطالبة بإعادة الأرشيف التونسي من 1881 إلى 1963. وإلغاء الدين الخارجي التونسي لأنه «غير شرعي».وتلقت «هيئة الحقيقة والكرامة» آلاف الشكاوى المتعلقة بضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي ارتكبها الجيش الفرنسي خلال فترة الاحتلال وبعدها، بينها 650 شكاية تعود إلى حرب بنزرت التي هزت المدينة سنة 1961، والتي أشارت مذكرة الهيئة الحقيقية والكرامة إلى الرئيس الفرنسي حينها شارل ديغول، بحكم أنه أعطى أوامره بـ«القصف بسرعة وبقوة».يذكر أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قدم خلال زيارته للجزائر في سنة 2017 اعتذارا عن «نظام التعذيب»، الذي أرسته بلاده في البلد المحتل طيلة 132 سنة، قائلا: إن الاستعمار «جزء من التاريخ الفرنسي. إنه جريمة، جريمة ضد الإنسانية، إنه وحشية حقيقية وهو جزء من هذا الماضي الذي يجب أن نواجهه بتقديم الاعتذار لمن ارتكبنا بحقهم هذه الممارسات»، وهو ما قد يفتح أبواب اعتذار فرنسا عن حقبتها الاستعمارية لتونس، بحسب عدد من المراقبين.
مشاركة :