سقوط الإمبراطورية الأمريكية.. «لا أستطيع التنفس»!

  • 6/7/2020
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ليست المرة الأولى التي يُقتل فيها رجل أسود أو أيًّا ما يكون لونه في أمريكا بسبب العنصرية ولن تكون الأخيرة، فالفلسفة والفكر الغربي قائمان على فكرة تميز الرجل الأبيض على جميع الشعوب، وهي فكرة خرجت من رحم الفكرة العامة التي تقول إنهم شعب الله المختار.فالعنصريّة في الغرب فكر وعقيدة، وقد قام الفكر الاستعماري ونما وتطور وهو يرضع من هذا الفكر، وهذا الفكر العنصري أعطى الأمريكيين البيض امتيازات وحقوقا انحصرت بهم فقط دون الأعراق الأخرى وحتى أنه تم استثناء المواطن الأصلي منها، فقد مُنح الأمريكيون ذو الأصول الأوروبيّة امتيازات حصريّة في التّعليم والهجرة وحقوق التّصويت والمواطنة وحيازة الأراضي والإجراءات الجنائيّة طوال التاريخ الأمريكي.وقد شمل التمييز العنصري سكان أمريكا الأصليين وهم الذين يعرفون بالهنود الحمر، فقد تم احتجازهم ووضعهم في مدارس داخلية، ومعسكرات الاعتقال التي غدت تعرف بعد ذلك -كنوع من التخفيف من مصطلح معسكرات الاعتقال- بالمحميات الهندية. وإن كان رسميًا حظر التمييز العنصري الرسميّ بشكلٍ واسعٍ في منتصف القرن العشرين إلا أنه مازال موجودًا في الفكر والعقيدة الغربية، ولا يمكن انتزاعه من العقول والقلوب الغربية، فهو موجود في التوظيف والإسكان والتعليم والإقراض والحكومة وما إلى ذلك.وحتى نكون منصفين، فلنتصفح بعض المراجع التي تتحدث عن تاريخ نشوء الدولة الأمريكية؛ فمثلاً: يقول منير العكش في كتابه (أمريكا والإبادات الجماعية) إنه «في عام 1846 احتلت جيوش الولايات المتحدة كاليفورنيا، وتقول الاحصائيات إن عدد هنود كاليفورنيا في تلك السنة كان أقل من ربع ما كانوا عليه في عام 1769، ومع ذلك فخلال العشرين سنة الأولى من احتلال هذه الولاية أبيد 80% من هذا الربع بسبب نظام السخرة». إن (ثروة الأمم) [وهي نوع من الأنظمة التي تم استحداثها في الولايات المتحدة لتسخير الأعراق من أجل الرجل الأبيض] التي أعطت السلطة السياسية لأصحاب مناجم الذهب والمزارع الأسطورية سرعان ما شرعت تستعبد الهنود الحمر كسلاح غير مباشر لإبادتهم، كما تم قبل ذلك في كولورادو وغيرها من ولايات الذهب. ولأنه لا بد من يد عاملة رخيصة لاستثمار هذه الولاية الغنية فقد نشطت تجارة خطف أطفال الهنود، ولطالما كتبت صحف تلك الفترة عن الشاحنات المحشوة بأطفال الهنود وهي تهوي في الطرقات الريفية الخلفية إلى أسواق العبيد في سكرامنتو وسان فرانسيسكو، ومع نقص عدد النساء في سنوات الاحتلال الأولى فقد زاد الإقبال على خطف الفتيات اللواتي يقدمن خدمة مضاعفة؛ العمل والمتعة. وهذا ما أحال آباء هؤلاء المخطوفين والمخطوفات إلى عناصر شغب تستأهل العقاب، وأدى كذلك إلى هرب معظم الأسر الهندية من منعزلاتها وأماكن سكنها التقليدية.أما شركات الخطف فقد تحولت إلى مليشيات خيرية، إذ صار الخاطفون يقتلون الآباء ويشاركون الدولة في القضاء على عناصر الشغب، بينما يعتبرون خطف اليتامى وبيعهم مهمة إنسانية نبيلة وعملاً أخلاقيًا يتباهون به.ويواصل الكتاب فيقول في مكان آخر «في أوائل 1850 وفي أول جلسة تشريعية لكاليفورنيا سنت الولاية قانون (حماية الهنود) الذي أضفى الشرعية على خطفهم واستعبادهم، واقتضت حماية الهنود بموجب الملحقات التي أضيفت إلى القانون في عام 1860 إجبار أكثر من 10 آلاف هندي على أعمال السخرة».وهذا غيض من فيض، وهناك العديد من الكتب التاريخية التي كتبها أبناء الهنود الحمر التي تبين جزءا كبيرا من الممارسات العنصرية التي قامت عليها الدولة الأمريكية والتي مازالت متغلغلة في وجدانها. وتشير كتب التاريخ -أيضًا- إلى أنه في ربيع عام 1763 كان السير (جيفري أمهيرست) هو القائد العام للقوات البريطانية في أمريكا الشمالية، والتي كانت في حالة حرب مع الهنود الحمر الذين ثاروا ثورة عارمة ضد قوات الاحتلال البريطاني.في ذلك الوقت وبالتحديد في 23 يونيو 1763 بعث الكولونيل (هنري بوكيه) إلى السير (أمهيرست) يخبره بكل الصعوبات والمعوقات والأخطار التي يواجهها في المنطقة الواقعة في غرب ولاية بنسلفانيا الآن، وأخبره أيضًا أن مرض الجدري المعدي قد انتشر بين جنوده، مما أضطره إلى بناء مستشفى لعزل المرضى منهم، حتى لا ينتشر الجدري بين باقي قواته. ولأنه لم تكن هناك وسيلة لطلب العون من بريطانيا العظمى في ذلك الوقت نظرًا إلى بعد المسافة وصعوبة المواصلات، فقد نصح (أمهيرست) الكولونيل (بوكيه) بأن يرسل مخلفات هؤلاء المرضى بالجدري إلى معسكر الأعداء من الهنود الحمر بطريقة أو بأخرى لكي يتخلص منهم، وكان رد (بوكيه) سريعًا حين أخبره في خطاب مؤرخ بتاريخ 13 يوليو 1763 بأنه قد نجح بالفعل في تلويث بطانيات ومناديل اليد بميكروب الجدري من مخلفات الجنود المرضى بهذا المرض، وإسقاطها في معسكرات الهنود الحمر للقضاء عليهم من خلال إصابتهم بمرض الجدري المميت.إذن يجب أن نكون واضحين وموضوعيين، فالقضية لا تتعلق بأوباما أو ترامب أو أي زعيم أمريكي يأتي أو يذهب، فتاريخ الولايات المتحدة مليء بالحوادث العنصرية سواء المتعلقة بالشعب الأصلي أو فيما يتعلق بالأعراق الأخرى غير الجنس الأبيض، فمثلاً عام 1963 غضب السود ضد سيادة البيض بعد عشرات العقود من العزل العنصري فخرجوا في ثورة لم يسبق لها مثيل في قوتها اشترك فيها 250 ألف شخص، منهم نحو 60 ألفًا من البيض متجهة صوب نصب لينكولن التذكاري، فكانت أكبر مظاهرة في تاريخ الحقوق المدنية، وهنالك ألقى مارتن لوثر كينغ أروع خطبه (لدي حلم I have a dream)، التي قال فيها «لدي حلم أنه يوم من الأيام أطفالي الأربعة سيعيشون في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم».وعلى الرغم من أنه في 2 يوليو 1964 فقد وقع الرئيس (ليندون بينز جونسون) قانون الحقوق المدنية معتبرًا أن التمييز على أساس العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو الأصل القومي أمر مخالف للقانون، إلا أن القانون لا يمكن أن يلغي ما هو موجود في العقيدة، لذلك استمر التمييز العنصري في أمريكا فاستمرت الاحتجاجات وأعمال شغب، فمثلاً: في واتس في عام 1965، وفي ديترويت في عام 1967، ثم في عام 1968، ليس ذلك فحسب وخاصة عندما تجدد الغضب في عام 1992 مع قضية (رودني كينغ) الذي تعرض للضرب من قبل أربعة ضباط شرطة من ذوي البشرة البيضاء أمام كاميرا أحد مصوري الفيديو الهواة، بعد القبض عليه بسبب تجاوز السرعة المقررة، وقد انتقل الفيديو ومدته عشرون دقيقة في مختلف أنحاء العالم، لكن بعد عام تم تبرئة الضباط الأربعة. في أواخر عام 2015 قام (دارنيل هانت) من مركز الدراسات الإفريقية الأمريكية في جامعة كاليفورنيا بدراسة اجتماعية أظهرت الدراسة أنه «ثمة رأي أن الرجال السود يشكلون تهديدًا ينبغي ترصده ومراقبته، ولكن في الواقع فإن البيض تكون لهم تجارب مختلفة عن السود لدى الشرطة. ففي مدينة فيرغسون مثلاً بلغت نسبة حالات التفتيش في صفوف السود 92% ووصلت نسبة الاعتقالات في أوساط سائقي السيارات من السود إلى 93%، في عام 2013 وذلك على الرغم من أن الشرطة وجدت أن عدد المخالفات التي ارتكبها البيض (نسبتها 34%) أكثر بكثير من تلك التي ارتكبها السود (نسبتها 22%). وهذا التفاوت في النِّسَب ليس حصريًا على مدينة فيرغسون، بل يتجاوزها إلى مدن أخرى. كما أن عدد حالات تفتيش الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية واللاتينية في شوارع نيويورك أكثر مقارنة بعدد حالات تفتيش الأمريكيين البيض».ليس ذلك فحسب، وإنما حتى عام 1919 كان صيادو التماسيح في أمريكا يستعملون الأطفال السود كطُعم لصيد التماسيح. فقد كانت هذه الطريقة رائجة جدًا في ولاية فلوريدا التي يكثر فيها التماسيح، حيث كان الصيادون البيض يختطفون الأطفال الرضع من أمهاتهم السود المستعبدات، ومن ثم يتم وضع الطفل بالقرب من البحيرات أو المستنقعات مع ربطه بحبل طويل ويترك الطفل ليبكي ساعات طويلة حتى يجلب التماسيح إليه. وما إن يبتلع التمساح الطفل الصغير حتى يتم سحبه من قبل الصياد بواسطة الحبل وقتله بواسطة عتلة أو رمح وسلخ جلده لاحقًا لاستخدامه في صناعة الأحذية والحقائب. وكانت جريدة التايمز الأمريكية سنة 1923م أول من كشف عن هذه الطريقة البشعة في صيد التماسيح والتي أصبحت في ذلك الوقت أشبه بتقليد فلكلوري يتبعه الصيادون البيض في ولاية فلوريدا وتكساس وكان يمارس منذ عام 1870 قبل أن يجرمها الكونجرس الأمريكي وسلطات الولاية عام 1924.هذه هي أمريكا، فهي ليست فلسفة فرد واحد، وإنما فلسفة دولة وفكرة وعقيدة، فيأتي رئيس ويذهب رئيس وتبقى العقيدة والفلسفة هي هي، لا تتغير ولن تتغير، وأكرر لن تتغير لأنها متأصلة في قلوب تلك الشعوب وضاربة جذورها هناك في سويداء القلوب، فلا يغرنكم أن البعض رافض أو يشارك في المسيرات المناهضة لفكرة العنصرية، إلا أن السواد الأعظم تتأصل فيه هذه العقيدة، ولن تتغير أبدًا.ونحن لا نستغرب أن يموت فرد أو مجموعة أفراد من الملونين تحت أقدام البيض وأن يصرخ أحدهم منبهًا «لا أستطيع التنفس»، ولكن الغريب في الموضوع أن هناك الكثير من العرب وفي هذه البقعة التي تسمى الوطن العربي مازال يبرر هذا التصرف، ويعتبره تصرفًا شخصيًا، وربما يلقي تبعاته على الرئيس الأمريكي (ترامب)، ثم يتمدد ويشرب قهوته ويضحك ساخرًا عليه، هؤلاء العرب هم العرب المتأمركون.فهؤلاء المتأمركون يرقصون على طبول الحرية والديمقراطية عندما تدق في الشرق الأوسط والعالم العربي، ولكنهم عندما تطولهم في شوارع نيويورك ولندن وباريس فإنهم يخرسون، فقد تراقصوا عندما اجتاحت القوات الأمريكية الأراضي الأفغانية على اعتبار أن أفغانستان -الآن- ستهب على وجه الحياة، ولكنهم خرسوا عندما نهبت أمريكا ثروات أفغانستان الطبيعية، وكذلك طبلوا للقوات الأمريكية عندما فرشت أطماعها في بغداد، ولكنهم خرسوا عندما تم تسليمها إلى إيران الصفوية، وهكذا يتلونون، والأمثلة على ذلك كثيرة على مدار التاريخ ومن الصعب ذكر كل الأمثلة هنا، واليوم فقد خرسوا تمامًا عن الأوضاع التي تجري في الشوارع الأمريكية ومدنها وربما تمتد إلى جميع ولاياتها الخمسين، وأقصى ما كتبوا أن هذه حالة فردية فلا يمكن الحكم على حضارة الغرب من جراء تصرف إنسان واحد يعاني من بعض الاضطرابات الأسرية والنفسية. إلا أننا اليوم نعلم، كما كنا نعلم دائمًا أن تمثال الحرية الأمريكي أجوف وخال مثله مثل الطبل الذي كلما ضربته أصدر صوتًا كبيرًا مفرقعًا، فماذا قدمت أمريكا للعالم غير الحضارة المادية؟ وهذا حق فلا ننكره، ولكن أين الفكر الأمريكي والحضارة الأمريكية والتراث الأمريكي الذي يتشدقون به، حضارتهم قامت على أشلاء البشر في شتى بقاع الأرض، منذ لحظة القضاء على سكان القارة الأصليين وامتدت إلى كافة بقاع الكرة الأرضية، بهدف -كما يزعمون- فرض الحريات والديمقراطية إلا أننا نعلم علم اليقين أنهم هم من يفتقد الحرية والديمقراطية، وكذلك يفتقرون إلى الفكر والثقافة والحضارة والإنسانية، وكل ما يمت إلى الإنسانية بصلة، فالفرق بيننا وبينهم ليست نقطة كما أشرنا سابقًا. في عام 1973 انتقد (يوهان غالتونغ) [عالم اجتماعي نرويجي، عالم رياضيات، والمؤسس الرئيسي لدراسات السلام والصراع] ما اسماه (الفاشية الهيكلية) في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى التي تجعل الحرب وسيلة لتأمين المواد والأسواق، قائلاً: «يسمى هذا النظام الاقتصادي الرأسمالية، وعندما تنتشر بهذه الطريقة إلى بلدان أخرى يطلق عليها الإمبريالية»، ووصف غالتونغ الولايات المتحدة على أنها «دولة قاتلة» ومذنبة «لإرهاب الدولة الفاشية الجديدة»، حيث قارن الولايات المتحدة بألمانيا النازية في قصف كوسوفو في فترة قصف الناتو ليوغوسلافيا عام 1999.وقال غالتونغ إن الإمبراطورية الأمريكية تتسبب في «معاناة واستياء لا يطاقان» لأن «المستغلين / القتلة / المهيمنين / المغتربين، والذين يدعمون الامبراطورية الأمريكية بسبب الفوائد المتصورة ينخرطون في أنماط التبادل غير المتكافئة وغير المستدامة».في مقال نشر في عام 2004، توقع غالتونغ أن مصير الإمبراطورية الأمريكية هو «الوهن والسقوط» بحلول عام 2020. توسع غالتونغ في هذه الفرضية في كتابه 2009 بعنوان سقوط الإمبراطورية الأمريكية، وبعد ذلك ماذا؟ خلفاء، إقليمية أو عولمة؟ الفاشية الأمريكية أو ازدهار الولايات المتحدة؟ونحن هنا لا ندعي أننا نعرف الغيب، ولا يمكننا أن نتنبأ بأي شيء، ولكننا نعلم أنه من سنن الله سبحانه في الأرض أن (دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة)، كما حدث للكثير من الدول، فهل سنشهد سقوط الإمبراطورية الأمريكية قريبًا، وحتى إن لم تسقط جسدًا فعلى الأقل ستسقط فكرًا ووثنًا؟لا أعلم. Zkhunji@hotmail.com

مشاركة :