الوباء يشفع للشركات المصرية المخالفة بعودة نشاطها | محمد حماد | صحيفة العرب

  • 6/8/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

دفعت التكلفة الاقتصادية الثقيلة لإجراءات الإغلاق القاهرة إلى المساعدة في إسناد الحوافز لإنعاش الاقتصاد المنهك ما أدى إلى إصدار قرار للسماح للشركات المخالفة لشروط التراخيص بالعودة إلى النشاط مجددا في إطار الاقتصاد الرسمي مقابل دفع رسوم لتسوية أوضاعها، في خطوة تعكس محاولة توفير السيولة وتعزيز الخزانة العامة التي أثقلتها نفقات القطاع الصحي بالتزامن مع أزمة الجائحة العالمية. القاهرة - خيرت الحكومة المصرية السماح للشركات المصرية المخالفة للتراخيص بالعودة إلى نشاطها ضمن الاقتصاد المنظم مقابل غرامة مالية إلى حين تسوية وضعياتها القانونية في محاولة منها لجلب مصادر تمويل جديدة لامتصاص الأضرار الاقتصادية التي خلفها انتشار الوباء. وقررت الحكومة فرض غرامة بنحو 1500 دولار تدفع لمرة واحدة من الشركات المخالفة إلى حين تسوية وضعياتها القانونية في خطوة تعكس مساعي توجيه الأولويات نحو جلب إيرادات جبائية لإنعاش الاقتصاد. وتمعن القاهرة في عمليات الجباية من أجل البحث عن تدفقات مالية تعزز السيولة النقدية، بعد أن ضربت جائحة كوفيد – 19 النشاط الاقتصادي وقوضت أداء الشركات. وتواجه مصر عجزا كليا في موازنتها المقبلة للعام المالي 2020 – 2021 بنحو 27 مليار دولار، تعادل نحو 6.3 في المئة من حجم الموازنة العامة للبلاد البالغة نحو 425 مليار دولار. وبهدف سد الفجوة المالية سعت القاهرة إلى التوسع في الاقتراض الخارجي من خلال إصدار سندات في الأسواق الدولية، فيما تقدمت بطلب لصندوق النقد الدولي للحصول على حصة ائتمان من الحزم المالية التي يرصدها الصندوق لمساعدة الدول لمواجهة وباء كورونا. وأقر صندوق النقد الدولي مساعدات بقيمة 50 مليار دولار لمواجهة جائحة كوفيد – 19 عبر تسهيلاته التمويلية التي تتيح صرف الموارد على أساس عاجل في حالات الطوارئ للبلدان منخفضة الدخل وبلدان الأسواق الصاعدة. ويتيح الصندوق لأفقر البلدان الأعضاء 10 مليارات دولار من هذا المبلغ بسعر فائدة صفري من خلال برنامج التسهيل الائتماني السريع. رشاد عبده: خطوة لجلب موارد جديدة في ظل شح الإيرادات رشاد عبده: خطوة لجلب موارد جديدة في ظل شح الإيرادات وأعلنت أوما راماكريشنان رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى القاهرة التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء على طلب مصر الحصول على 3.8 مليار وحدة حقوق سحب خاصة والتي تعادل نحو 5.2 مليار دولار وفق برنامج الاستعداد الائتماني للصندوق ومدته نحو 12 شهرا. ومن المقرر الموافقة على القرض في اجتماعات المجلس التنفيذي عقب وصوله إلى القاهرة قريبا. وتسير القاهرة في اتجاه مواز لزيادة مواردها عبر الغرامات، وتستهدف الموازنة العامة المقبلة للبلاد جباية نحو 400 مليون دولار من هذا البند لمواجهة مصروفات الموازنة. وبدأت محافظة القاهرة في تطبيق الاتجاه الجديد من أجل تعظيم مواردها وأصدرت تصاريح تشغيل مؤقتة للأنشطة والاستخدامات التجارية والإدارية التي تمارس عملها بشكل مخالف إلى حين تسوية أوضاعها واستيفاء الاشتراطات المقررة وفقا للقانون. وتحقق تلك الخطوة هدفين، الأول مواجهة عمليات الفساد في البلديات، فيما يترتب على الواقع الجديد دخول الأموال بشكل شرعي إلى الخزانة العامة للبلاد بدلا من اللجوء إلى دفع رشاوى تدخل جيوب بعض ضعاف النفوس من الموظفين، للسماح لأصحاب الأعمال بممارسة أنشطتهم بالمخالفة للقانون. وأما الهدف الثاني فهو الالتفاف على بيروقراطية الإجراءات التي سببتها تشريعات بالية متعددة تحكم النشاط التجاري عبر عقود، وتتعارض في ما بينها، الأمر الذي يجعل الشركات تعمل في إطار شرعي وفق بعض القوانين، لكنها في نفس الوقت تكون مخالفة وفق تشريعات أخرى. ويروي أحد أصحاب المحال التجارية في وسط القاهرة لـ”العرب” واقعة فريدة من نوعها، قائلا “فوجئنا منذ سنوات بقرار من المحافظة يلزم المحال التجارية بوضع صندوق للمخالفات أمام المحال التجارية، وفق اشتراطات ومواصفات محددة”. جائحة كوفيد – 19 ضربت النشاط الاقتصادي وقوضت أداء الشركات غرامات مالية إلى حين تسوية الوضعية الفانونية وأضاف “التزمنا بالضوابط وقمنا بشراء صندوق يتوافق مع الاشتراطات الجديدة، وبعد بضع ساعات تم تحرير محضر لنا من جانب شرطة البلدية بدعوى أننا نقوم بإشغال الطريق، وأصبحنا أمام أمرين، إزالة الصندوق وبالتالي دفع غرامة وفقا لقرار المحافظة، أو ترك الصندوق وسندفع أيضا غرامة وفقا لضوابط البلدية”. وجاء تطبيق هذا النظام في محافظة القاهرة أولا لوصفها الأكثر تكدسا بالسكان، حيث يصل عدد سكانها المقيمين إلى نحو 9.9 مليون نسمة تمثل 9.8 في المئة من إجمالي عدد سكان البلاد. فضلا عن أن القاهرة تعد المركز التجاري الرئيسي المحرك للصناعة والتجارة، حيث تستحوذ على 12.9 في المئة من عدد المنشآت الخاصة في مصر بنحو 483.3 ألف منشأة، فيما يصل عدد المشتغلين في قطاع تجارة الجملة والتجزئة إلى نحو 3.6 مليون مواطن، يمثلون 14.4 في المئة من قوة العمل. ووصف رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، قرار الحكومة المصرية إصدار تصاريح تشغيل مؤقتة للشركات والأنشطة التجارية والإدارية التي تمارس عملها بشكل مخالف مقابل دفع الأموال، بأنه خطوة للبحث عن إيرادات جديدة في ظل شح الموارد. وأضاف لـ”العرب” أن أقصر الطرق لحفز النشاط الاقتصادي هو مواجهة البيروقراطية عبر تشريعات رادعة للمخالفين، لكن تعقد الأمور وتداخلها فاقما الأوضاع المتراكمة على مدار سنوات. وتسعى القاهرة من خلال تلك الخطوة للبحث عن محفز لإعادة تدوير الاقتصاد، لأن مؤشرات البطالة أظهرت ارتفاعا لامس مستويات 9.2 في المئة في نهاية أبريل الماضي بسبب جائحة كوفيد – 19، مقارنة بمعدل نسبته 7.7 في المئة في نهاية مارس الماضي. جمال بيومي: الأزمة تحتاج قرارات ديناميكية لتحريك الاقتصاد جمال بيومي: الأزمة تحتاج قرارات ديناميكية لتحريك الاقتصاد وتفتح المحفزات الجديدة الباب أمام محاسبة المسؤولين الذين تسببوا في دفع هذه الشركات إلى العمل منذ سنوات دون تراخيص رسمية، ما أضاع تدفقات نقدية تقدر بالمليارات نتيجة تجنب الشركات دفعها بشكل رسمي للخزانة العامة مقابل إتاوات بشكل غير شرعي. ويرى خبراء أن هذه الخطوة تعتبر فرصة للشركات التي تسعى لتسوية أوضاعها قبل أن تعود البيروقراطية العميقة مجددا إلى الساحة، عندما تلوح بوادر التحسن، وتجد نفسها في مواقف صعبة قد تكبدها أعباء تأتي على مراكزها المالية، وتخرجها من دائرة النشاط الاقتصادي لصالح منافسين جدد. ورغم أن الاتجاه الحالي يستهدف طرح حلول غير تقليدية لتنشيط حركة التجارة والاستثمار إلا أن تفعيل وسيادة القانون يظلان مقومين رئيسيين للحفاظ على أصول وممتلكات الدولة. قال جمال بيومي، الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، إن أوقات الأزمات تتطلب مساعي ديناميكية، وهو الأمر الخاص، بتنحية البيروقراطية جانبا من أجل تعظيم الموارد. وأضاف لـ”العرب” أن الشركات المخالفة لاشتراطات التراخيص أصبحت واقعا، وتمارس أنشطتها جهارا نهارا، الأمر الذي كان يحتاج إلى تحرك لضمها إلى المنظومة الرسمية عبر رسوم توفيق الأوضاع، ووصف القرار بإلايجابي لتحريك عجلة الاقتصاد، ويصلح وقت الأزمات. ورغم إعلان القاهرة الحرب على البيروقراطية من خلال تلك الخطوة، إلا أن مخاوف الشركات من محاسبتها ماليا بأثر رجعي تلوح في الأفق، ما يكبدها أعباء مالية تفاقم أوضاعها في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة التي سببها الوباء.

مشاركة :