منصات التواصل الاجتماعي وتشكيل الرأي العام

  • 6/9/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

جيليان تيت* تحولت منصات التواصل بما فيها «سناب تشات» و«إنستجرام» إلى منتديات للنشاط المدني، حتى للأطفال المميزين من الطبقة المتوسطة. تعمل منصات التواصل الاجتماعي على تصليب مواقف الشباب، على وجه الخصوص، من القضايا الساخنة اقتصادياً، وسياسياً، ما يتطلب ضرورة إخراجهم من دائرة الاستقطاب في الرؤية الأحادية المهلكة، وضمان تنوع المصادر التي تبنى عليها قناعات الجيل الجديد. وفي نهاية الأسبوع الماضي، عرضت عليّ إحدى بناتي المراهقات فيديو من «مؤثر» شاب أبيض، تعشق عروضه اسمه هيرام. وتعرض مقاطع الفيديو التي يبثها على صفحته على «تيك توك» لملايين المتابعين، كيفية التعامل مع مشاكل العناية بالبشرة، مثل اختيار سائل تطهير، أو مكافحة حب الشباب. كان هذا في الماضي. لكن أهم نصائحه تركزت هذا الأسبوع على الغاز المسيل للدموع، وكيف يجب أن يتعامل المراهقون الأمريكيون مع احتمال إطلاقه عليهم خلال احتجاجات كالتي اندلعت في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بعد أن قتل ضابط شرطة أبيض، جورج فلويد، الرجل الأسود في مينيابوليس. قال هيرام لمعجبيه: «تأكد من استعدادك مسبقاً»، وأمرهم «بعدم وضع المكياج نظراً لأن «الزيوت الموجودة في المكياج تمسك بالغاز المسيل للدموع وتجعله أسوأ لعيونك، أو فمك، أو أي مكان آخر على وجهك». وتمثل تعاليمه التي يبثها حول تلك النصائح والإرشادات فضاء سوريالياً لزوار منصات التواصل الاجتماعي لا يمكنهم الاستغناء عنه. وكنت، مثل الكثير من الآباء، أميل حتى وقت قريب إلى الصراخ لردع بناتي عن مشاهدة الكثير من مقاطع فيديو، حيث تقدم منصة مثل «تيك توك» وجبات سهلة للدماغ، لكنها مسممة يعرف كثيرون منا تفاصيلها. والآن، تحولت منصات التواصل، بما فيها «سناب تشات»، و«إنستجرام» إلى منتديات للنشاط المدني، حتى للأطفال المميزين من الطبقة المتوسطة. وهناك منشورات تطلب من المراهقين مثلاً، وضع هواتفهم المحمولة في وضع الطائرة إذا اقتربوا من تظاهرة لتجنب تعقبهم. ويحمل هاتف ابنتي أكواماً من مقاطع الفيديو التي تظهر صوراً مزعجة لشرطة اعتدت على متظاهرين سلميين، وضباط شرطة راكعين احتجاجاً على العنصرية. ونشر معارفها مقاطع فيديو لهجمات الشرطة التي صوروها على هواتفهم الخاصة في نيويورك. وهناك دعوات حماسية من المراهقين السود للعدالة العرقية، ودعوات المراهقين البيض لإظهار تضامنهم الإلكتروني أيضاً. يقول أحد المنشورات النموذجية: «لا تنتظر أصدقاءك السود حتى يتجمهروا، أو يتصلوا بك على «تويتر»، كي تخرج، مهمة الاتصال عليك وليست عليهم. لا تتردد في المواجهة لمجرد أنك لا ترتاح لها». وفي الواقع، ومع تصاعد الاحتجاجات، توقف العديد من المراهقين عمداً عن الحديث عن الموضوعات التي غالباً ما تستحوذ على اهتمامهم. وهناك اتجاه جديد لمتابعة ناشطين يتحدثون في قضايا ساخنة، وعن مستقبل البلاد سياسياً. وإحدى النقاط الواضحة هي أن شباب أمريكا أصبحوا مسيّسين، حتى في زوايا المدن المرفهة. نقطة آخرى هي أن الإنترنت يغير ديناميكيات الاحتجاج. في الستينيات، انتشرت أنباء وحشية الشرطة ضد المتظاهرين المناهضين للحرب في فيتنام، وجماعات الحقوق المدنية ببطء شديد، ومعظمها عبر التلفزيون، أو الراديو، أو الصحف. وألهمت الاحتجاجات القادة الذين حفزوا أتباعهم في الشارع، مثل مارتن لوثر كينج جونيور. واليوم، يبرز هؤلاء القادة بشكل متزايد عبر الإنترنت، حيث تصل كلماتهم إلى الناس بشكل أسرع بكثير من ذي قبل. وكذلك المعلومات حول الأحداث، حيث إن المتظاهرين يجمعون بين وسائل الإعلام التقليدية، ومنصات التواصل، ويحققون سبقاً صحفياً دائماً. وهناك نقطة مهمة أخرى حول الطبيعة المستقطبة لغرف الصدى الإلكتروني. والسبب في أن أصدقاء ابنتي يتلقون محتوى مؤيداً لهاشتاج «حياة السود مهمة»، هو أن الخوارزميات حددت المستهدفين بهذه الأوصاف: يعيشون في مدينة ليبرالية (نيويورك)، ويحبون مشاهدة تريفور نوح، الممثل الكوميدي الجنوب إفريقي، والناشط المناهض للعنصرية. ابنتي، وجيلها، أسرى قنوات محكمة عبر الشبكة تقول لهم كلاماً موجهاً، لا يريدون سماع غيره، فهو نشاز. وهناك من يهتف ضد حركة السود، ويتهمهم بالعنصرية، هذه وجهة نظر قد لا أؤيدها، لكنها موجودة. وأريد الاستماع إلى وجهات نظر مختلفة. وأعتقد أنه يجب على المراهقين فعل ذلك أيضاً. وفي عالم مملوء بغرف الصدى، يصعب إيجاد حلول سياسية معقولة. كما أنه مكان سهل على المستفزين التلاعب به. (هناك تكهنات بأن المنافذ الروسية، أو الصينية، قد تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لإثارة المزيد من الاضطرابات في محاولة للتأثير في المؤسسات الأمريكية، في تكرار لما شوهد في عام 2016، في حين أن الجماعات السياسية المحلية قد تسعى أيضاً إلى تأجيج التوترات من أجل التأثير في انتخاب نوفمبر/ تشرين الثاني. و قبل ضخ المزيد من البهار على أخبار الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي، وعاطفة الشباب، أخشى صيفاً طويلاً وحاراً أشد خطراً، سواء في الشوارع، أو في الفضاء الإلكتروني. * بلومبيرج

مشاركة :