رغم مرور سنوات بعيدة على انتقاله من عالمنا الحاضر، إلا أن ذكراه ما زالت قائمة في وجدان الأقباط إلى يومنا هذا، الأنبا إبرام، أسقف الفيوم والجيزة، الذى اشتهر بمحبة الفقراء والعطاء، وما زال ديره إلى الآن بمحافظة الفيوم بمنطقة العزب يزوره كل من له طلبة ورجاء إلى الله ولنوال بركة هذا القديس الذى كانت حياته نموذجا للمحبة والعطاء للجميع.الكنيسة القبطية الأرثوذكسية احتفلت اليوم، الأربعاء، بتذكار نياحة الأنبا إبرام، أسقف الفيوم والجيزة، والذى رحل عن عالمنا في العاشر من يونيو عام 1914، حيث احتفلت مطرانية الفيوم بتطييب جسده وإقامة القداسات بدون حضور شعبي في ظل ال‘جراءات المتبعة للوقاية من فيروس كورونا المستجد.اقرأ أيضا:رأس مالنا الإيمان.. البابا تواضروس: الاعتماد على القوة المادية دائما لا ينجح البابا تواضروس لـ الرئيس السيسي: سطرتم بحروف من نور حقبة هامة في التاريخ المصريولد القديس وكان اسمه بولس في سنة 1545 ش (1829) بعزبة جلدة مركز ملوي مديرية المنيا من والدين تقيين، فربياه تربية مسيحية وأدخلاه الكتاب، فتلقى فيه العلوم الدينية والتراتيل الكنيسة، ولما أظهر نبوغا بين أقرانه رسمه الأنبا يوساب، أسقف صنبو، شماسا على كنيسة بلدته ومال قلبه إلى الرهبنة فقصد دير المحرق ورسم راهبا باسم بولس غبريال المحرقي في التاسعة عشر من عمره.ويذكر كتاب السنكسار الذى يختص بذكر جميع الاحتفالات والأعياد والمناسبات الخاصة بالكنيسة، أن القديس الأنبا إبرام كان وديعا متواضعا طاهر السيرة كثير الانفراد للصلاة، فأحبه الرهبان حبا جما وسمع به وقتئذ الأنبا ياكوبوس أسقف المنيا فاستدعاه إليه واستبقاه مدة بالأسقفية رقاه في أثنائها إلى رتبة قس.ولما عاد إلى ديره الذي كان عامرا وقتئذ بالرهبان الأتقياء، اتفقت كلمتهم على أن يختاروه رئيسا لهم بعد وفاة رئيسهم، ورقي قمصا في أيام البابا ديمتريوس الثاني البطريرك (111)، ولبث خمس سنوات رئيسا للدير كان فيها الدير ملجأ لآلاف الفقراء حتى أطلق عليه لقب أب الفقراء والمساكين.ولم يأل جهدا في مدة رئاسته نحو تحسين حالة الدير روحيا وماديا وإنماء ثروته وإصلاح أراضيه الزراعية وكان كلما ازداد برا بالفقراء وإحسانا لليتامى والأرامل ازداد حقد بعض الرهبان عليه لأنهم كانوا يعتبرون هذه الأعمال الخيرية إسرافا وتبذيرا، فتذمروا عليه وشكوه إلى الأنبا مرقس، مطران البحيرة، الذي كان قائما وقتئذ بالنيابة البطريركية لوفاة البابا ديمتريوس، فقبل شكايتهم وعزله من رئاسة الدير وبعد زمن يسير من اعتزاله الرئاسة ترك دير المحرق وذهب إلى دير البرموس وأقام به مدة لا عمل له إلا درس الكتاب وتعليم الرهبان.وكان رئيس الدير وقتئذ القمص يوحنا الناسخ الذي صار فيما بعد البابا كيرلس الخامس البطريرك (112)، كما ذهب إلى دير البرموس مع القمص بولس رهط من رهبان دير المحرق الذين لم يعجبهم حال إخوانهم المتذمرين به، وفي سنة 1597 ش (سنة 1881م) اختاره البابا كيرلس الخامس أسقفا لإبارشية الفيوم والجيزة بدلا من أسقفها المتنيح الأنبا إيساك فتمت رسامته باسم الأنبا إبرام.واشتهر في مدة أسقفيته بأمرين، الأول عطاياه للفقراء الكثيرين الذين كانوا يقصدون دار الأسقفية فيهبهم كل ما يكون لديه من المال، وقد جعل دار الأسقفية مأوى لكثيرين منهم، وكان يقدم ثيابا للعريانين وطعاما لجائعين ولم يسمح مطلقا بأن يقدم إليه طعام أفخر مما يقدم للفقراء، واتفق مرة أن نزل ليتفقد الفقراء وهم يتناولون الطعام فلاحظ أن الطعام الذي قدم إليه في ذلك اليوم كان أفخر مما وجده أمامهم، فساوره الحزن وفي الحال أقال الراهبة التي كانت موكلة بخدمة الفقراء من عملها.أما الأمر الثاني الذي اشتهر به، فهو الإيمان، حيث جرت على يديه آيات شفاء عديدة حتى ذاع اسمه في أنحاء القطر وبعض بلدان أوروبا أيضا، وكان يقصده المرضى أفواجا على تباين أديانهم فيتباركون بصلاته وينالون الشفاء.وكان الأنبا إبرام واسع الاطلاع على الكتب المقدسة، ويلقي على زائريه دائما نصائح وتعاليم وعظات تدل على وفرة علمه بأسرار الكتاب المقدس، ولكن الأهم من ذلك أنه كان ذا صفات نقية وفضائل جمة، ومن أخص تلك الصفات إنكاره لذاته إنكارا شديدا وزهده الحقيقي في ملاذ الحياة وأمجاده،ا فطعامه ولباسه لم يتجاوزا قط حد الضرورة ونفسه لم تكن تطمح إلى أبهة المناصب والرتب، حتى أن البطريرك لما أراد أن يرفعه إلى رتبة المطرانية اعتذر عن عدم قبولها بقوله إن الكتاب المقدس لا يذكر من رتب الكنيسة إلا القسيسية والأسقفية. ومن صفاته أيضا، أنه كان صريحا إلى أقصى حدود الصراحة في إبداء رأيه، ولا ينظر فيما يقول إلا إلى الحق لذاته، فتتضاءل أمامه هيبة العظماء ومراكز الكبراء أمام هيبة الحق وجلاله. وانتقل الأنبا إبرام إلى النعيم في 3 بؤونة سنة 1630 ش الموافق 10 يونيو 1914 فشيعه إلى القبر أكثر من عشرة آلاف نفس من المسلمين والمسيحيين ووضع جثمانه الطاهر في المقبرة المعدة له في دير العذراء بالعزب، وقد ظهرت منه آيات كثير بعد وفاته. ويقول المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث البطريرك الـ117 من باباوات الإسكندرية إن الأنبا إبرام هو روح لولا أنها اتحدت بجسد لقلنا إنها من ظهورات الملائكة للناس.
مشاركة :