بكين 11 يونيو 2020 (شينخوا) أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أمس الأربعاء أن وفدي حكومة الوفاق والجيش الوطني "منخرطان بشكل كامل" في الجولة الثالثة من محادثات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، كما أعرب وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان في نفس اليوم، عن القلق إزاء استمرار القتال في ليبيا، وأكدا ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار. ولكن بعض المحللين الصينيين أشاروا إلى أن محادثات السلام الليبية تدور في "حلقة مفرغة "، أي أن الطرف الذي بات في وضع غير مؤات في ساحة المعركة يدعو إلى بدء محادثات السلام، فيما يرفض الطرف المهيمن ذلك. وفي الوقت الحاضر، يدافع "الجيش الوطني" عن المحادثات، لكن من غير المرجح أن توافق حكومة الوفاق الوطني على ذلك، وحتى إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، فمن المرجح أن تقضي عليه الأعمال المسلحة كما حدث من قبل. -- آخر التطورات في الأزمة الليبية وأعرب تيان ون لين، الباحث بمعهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة، عن اعتقاده بأنه "من غير متوقع" أن يتغير الوضع الراهن الذي يشهده الصراع الليبي، لافتا إلى أن تعزيز تركيا لدعمها لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا هو السبب الرئيسي وراء التطورات الحاصلة على الساحة مؤخرا. كما أشار وانغ جين يان، الباحث المشارك في معهد غرب آسيا وإفريقيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إلى أن الجولة الحالية من هزيمة "الجيش الوطني" ترجع بشكل رئيسي إلى زيادة الدعم العسكري التركي للقوات الحكومية، بما في ذلك توفير الأسلحة والقادة العسكريين. إن قضية ليبيا هي لعبة بين القوى الدولية. وعلى مر السنين، أخذت الولايات المتحدة وروسيا ومصر وتركيا وغيرها تتبادل وجهات النظر بانتظام وتتحدث عن أوضاع ليبيا. وأمس الأربعاء، بحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان الوضع في ليبيا، خلال محادثة هاتفية. وقبل ذلك بيومين، ناقش الرئيس أردوغان مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب القضية الليبية خلال اتصال هاتفي، حيث تبادلا الآراء حول العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية ومن بينها الأزمة الليبية، واتفقا على مواصلة التعاون الوثيق لتعزيز السلام والاستقرار في ليبيا، جارة تركيا عبر البحر. وكان الرئيس أردوغان قد صرح يوم 4 يونيو، بأن تركيا وليبيا اتفقتا على مواصلة تعزيز تعاونهما في شرقي المتوسط في إطار الاتفاق المبرم بينهما بشأن ترسيم الحدود البحرية. وفي أعقاب محادثات أجراها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع قائد "الجيش الوطني" المشير خليفة حفتر في القاهرة، عرضت مصر مؤخرا خطة تسوية سلمية للأزمة في ليبيا، وهي مبادرة أسست على ما تم طرحه في كل المؤتمرات السابقة الخاصة بالشأن الليبي سواء في باريس أو باليرمو بإيطاليا أو ببرلين، بالإضافة لكل الاتفاقيات التي حدثت في موسكو وأبو ظبي وغيرها من الجولات والتي شملت كل الأطراف الليبية حتى يكون هناك حل سياسي حقيقي للأزمة في ليبيا. ومن ناحية أخرى، تعهد أردوغان بتعزيز دعمه لحكومة الوفاق الوطني، مضيفا أن حلا للأزمة الليبية لن يصبح ممكنا إلا برعاية الأمم المتحدة. ويمثل تعزيز الوجود التركي في ليبيا موطئ قدم إضافي لأنقرة في المتوسط، في ظل تنازع تركيا مع عدة دول مجاورة صاغت فيما بينها مجموعة "ميد-7"، واستبعدت منها تركيا. وذكر وانغ جين يان أن تركيا تواجه الآن صعوبات داخلية وخارجية، وترى أن دعمها لحكومة الوفاق الوطني يعد بمثابة خوض "معركة يائسة" لايجاد مخرج وهذا يدفعها إلى تعزيز تحركاتها، موضحا أنه على الصعيد الداخلي، انخفض معدل تأييد حكومة أردوغان، لذا تأمل حكومته في استخدام القضية الليبية لتخفيف الضغط الداخلي. أما على الصعيد الدولي، فقد أصدر وزراء خارجية فرنسا ومصر واليونان وقبرص والإمارات العربية المتحدة بيانا مشتركا في مايو يتهمون فيه تركيا "بالتدخل العسكري" في الوضع في ليبيا، وهو ما جعل تركيا تقع في عزلة دبلوماسية. -- أسباب جيوسياسة ومنافع في شرق البحر المتوسط ويرى الباحث تيان ون لين أن تركيا، التي تقدم الدعم لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، لن تتوقف عن تقديم هذا الدعم بسهولة وخاصة في ظل وجود منافع اقتصادية بحرية. أدت طموحات تركيا بشأن موارد الطاقة في منطقة شرق البحر المتوسط إلى تصاعد جديد في التوترات الإقليمية، على إثر دعم أنقرة المتزايد لحليفها الليبي ومطالبها البحرية المثيرة للجدل. وتعهد الرئيس أردوغان، الأسبوع الماضي، بتعزيز دعم تركيا لحكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها دوليا، لتأمين المكاسب العسكرية التي حققتها أخيرا، ووعد بإجراء استكشافات بحرية مشتركة معها، وذلك في أعقاب محادثات مع قائد حكومة الوفاق الوطني في أنقرة. وكانت تركيا قد أرسلت دعما إلى حكومة الوفاق الوطني في نوفمبر الماضي، بعد توقيع اتفاقية تعاون عسكري واتفاق لترسيم الحدود البحرية مثير للخلاف، وهو الاتفاق الذي يمنح أنقرة حقوق استكشاف في منطقة شرق المتوسط. وأدى التقدم الذي حققته حكومة الوفاق الوطني إلى تقهقر "الجيش الوطني" الذي يحظى بدعم كل من الإمارات وروسيا ومصر، ويقاتل حكومة الوفاق الوطني منذ إبريل 2019. وقال بعض المحللين إن لعبة القوى الكبرى تأخذ أيضا في الاعتبار أهمية الموقع الجغرافي وموارد الطاقة في ليبيا. فليبيا تقع في شمال أفريقيا، على الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، وتواجه أوروبا عبر البحر، وهي طريق ضروري للمهاجرين غير الشرعيين للتسلل إلى أوروبا. أما الموارد الطبيعية لديها فهي وفيرة، واحتياطياتها من النفط هي الأعلى في أفريقيا، كما احتياطياتها من الغاز الطبيعي فكبيرة. -- خطر الحرب الأهلية الليبية في ظل انتشار الفيروس أعلن المركز الوطني لمكافحة الأمراض في ليبيا في وقت متأخر من يوم الاثنين عن تسجيل 62 حالة إصابة بمرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، وهو أعلى عدد في يوم واحد منذ تسجيل الحالة الأولى في نهاية مارس الماضي. وقد أوصت منظمة الصحة العالمية في مايو الماضي السلطات الليبية بالحذر واليقظة إزاء "التهديد الخطير"، الذي قد يشكله تفشي المرض كون البلاد في المراحل الأولى من انتشاره ولم تصل بعد إلى ذروة العدوى. ووجهت أطراف دولية والأمم المتحدة في الآونة الأخيرة نداءات لأطراف النزاع في ليبيا لوقف القتال "لأسباب إنسانية" للسماح بمكافحة تفشي مرض فيروس كورونا الجديد في البلاد. وفي هذا السياق، أشار تيان ون لين إلى أن تأثير انتشار فيروس كورونا الجديد على الصراع الليبي سيكون محدودا، مشددا على أن "حكومة الوفاق الوطني الليبية التي أصبح لها اليد العليا في الصراع الآن، لن تسعى إلى وقف إطلاق النار في المستقبل القريب". وحول التطورات المحتمل أن تشهدها الأوضاع في ليبيا، رأي الباحث الصيني أن الصراع الليبي صار قضية دولية تشارك فيها أكثر من قوة خارجية حتى أنه بات نقطة ساخنة إقليمية جديدة، مشيرا إلى احتمالية استمرار حالة الانقسام في الأراضي الليبية لأمد طويل كما هو الحال اليوم في اليمن.
مشاركة :