لثامٌ وعينان سوداوان

  • 6/12/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

محمد الرياني لأولِ مرةٍ أظهر بنصفِ أو ربعِ وجه، أغلبُ وجهي بلا معالم، ظهرتْ عيناي أكبر ، دائرةُ وجهي البيضاء كانت تخفي دوائر عينيّ البيضاء والسوداء، عندما هممتُ بدخول البيت أردتُ أن أقرأ الوجوه الأخرى من خلف اللثام الأسود، اقتربتُ من الجدار لأقرأ سطور الأسمنت التي تختفي خلف الدهان الرمادي، وجدتُ اللون الرمادي فاتنًا، الوقوفُ الطويل أشعرني بالمتعة وأنا أتأمل سماكة السور وروعته، لم أكن أهتم كثيرًا بمعرفة مايدور في ثنايا هذا الجدار؛ فمنذ أن بنيناه لم أعد مكترثًا بصامتٍ يقف بلا حياة؛ باستثناء دقات نادرة على بوابته الحديدية التي لم يعد أحد يهتم بفعلها للاستئذان، تجاوزتُ السور، في المدخل الأنيق وقفتُ عند المرآة الكبيرة المزخرفة أطرافها، نظرتُ لنفسي لأرى سحر بصري، جعلتُ نفسي ممثلًا يرى نفسه، عيناي هما اللتان تتحركان يمينًا ويسارًا وأنا أضحك دون أن أرى أسناني، لأول مرة أضحك وأسناني تختبئ خلف ستارة سوداء، صعدتُ إلى أعلى، الصغيرةُ التي تستقبلني في العادة عند سماع وقع خطواتي اصطدمتْ بملثم، لولا أنها تعرف حجمي وطريقتي في المشي لصاحت بأن لصًّا جاء متسللًا، صاحتْ بفرح! بابا بابا، ماذا تفعل؟ نزعت اللثام لترى كامل وجهي، بدران التقينا، بدرٌ قد طاف مرات ومرات في الحياة، وبدر لايزال يتدرب على فن الإضاءة، قلتُ لها مازحًا : كورونا، كورونا، أعدتُ اللثام ليراني الجميع كيف أبدو، الأشياءُ التي لم أكن أدركها في البيت الصغير مررتُ بها جزءًا جزءًا والبقية يمشون ورائي، هذه غرفةُ الاستقبال، لونها كذا، وهذه غرفةُ نوم الأطفال، تصدقون لأول مرة أكتشف أن لونها كذا بهذه الدقة!! مكتبةٌ صغيرةٌ استحدثت، تأملتُ ترتيبها، جلستُ لأرتاح، تأملتُ الوجوه جيدًّا، تعمدتُ أن أبقي اللثام ليرى الجميع وجهًا آخر، نظراتهم ترسم لون عيني اللتين تألق بياضهما وسوادهما فوق اللثام، وضعتُ رأسي على الوسادة، نظرتُ إلى السقف، أظلمَ المكان، رأيتُ خيالي في الجدار، ضحكتُ كثيرًا، اكتشفتُ عوالمَ داخل عالمي الصغير في زمن العزلة، اجتمعنا للعشاء، قالوا لي إنك اليوم أجمل، ضممتهم، قلت لهم :أنتم أجملُ من الأجمل.مرتبطالمشاركة

مشاركة :