مع انتهاء ذروة تفشي جائحة كورونا في المملكة المتحدة يتحول الاهتمام الآن إلى عملية إعادة فتح البلاد إلى الحالة الطبيعية قبلها. فقد تم تطبيق إجراءات الإغلاق لأسباب تتعلق بالصحة العامة. ومع أن التخفيف من إجراءات التباعد الاجتماعي سيستغرق عدة أشهر فإن التعافي الاقتصادي من الأضرار الناجمة عن الجائحة سيستغرق سنوات.وتعاني المملكة المتحدة من أضرار عديدة بسبب جائحة كورونا لا يُمكن التقليل من شأنها، فقد توقف الاقتصاد فعليًا خلال الثلاثة أشهر الماضية وتأثرت الحياة اليومية بشكل لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية. وحتى 4 يونيو، سجلت المملكة المتحدة 279.856 حالة مؤكدة بفيروس كورونا و39.728 وفاة. وتعني هذه الأرقام أن لديها أحد أعلى معدلات العدوى والوفيات في العالم، ورغم ذلك تحاول الحكومة تحقيق (المعادلة الصعبة)، باستئناف الحياة الطبيعية مع محاولة إبقاء الفيروس تحت السيطرة في ظل عدم وجود لقاح له حتى الآن.وفي وثيقة نشرتها الحكومة يوم10 مايو، وحملت عنوان (خطتنا لإعادة البناء)، والتي تتكون من 3 مراحل؛ تم تحديد الإرشادات التفصيلية للتغييرات التي ستطرأ على قيود الإغلاق والتي تم تطبيقها يوم 12/5, حيث تم استبدال الرسالة الطويلة الأمد «البقاء في المنزل» بعبارة جديدة: «البقاء في حالة تأهب»، بهدف بدء عملية إعادة فتح جزئي لقطاعات اقتصادية. وتعني سياسة «البقاء في حالة تأهب»، تخفيف بعض القيود على النشاط الاجتماعي، وتم حث عمال قطاعي البناء والتصنيع للعودة إلى العمل. وقال رئيس الوزراء بوريس جونسون: «نحتاج الآن إلى التأكيد على أن أي شخص لا يستطيع العمل من المنزل، يجب تشجيعه للذهاب إلى العمل». ومع انخفاض عدد حالات الإصابة بالفيروس أدخلت الحكومة في بداية يونيو مجموعة من التغييرات على قواعد الإغلاق، من بينها إعادة فتح المدارس الابتدائية وبعض المحلات التجارية، كما أعطت الضوء الأخضر لاستئناف المنافسات الرياضية على الرغم من تفويض مهمة إجراء التشاور مع المشاركين إلى الاتحادات المعنية بكل رياضة، بدلاً من أن تضطلع الحكومة بها. وستستأنف بطولة الدوري الإنجليزي لكرة القدم يوم 17 يونيو، وسينعقد سباق الفورمولا 1 البريطاني في يوليو. فضلا عن السماح بالتجمع بحد أقصى ستة أشخاص من أسر مختلفة في الهواء الطلق، وللأشخاص الذين كانوا مجبرين في السابق على العزل الذاتي بمقابلة الآخرين في الخارج أيضا. وفي الأول من يونيو بدأت إعادة فتح المتاجر، أما مراكز التسوق فستكون في 15 يونيو. وعلى سبيل المثال تخطط سلسلة «بريمارك» لتجارة التجزئة لإعادة فتح متاجرها الـ(153) في إنجلترا في 15 يونيو. وكما هو الحال في العديد من المتاجر المماثلة سيتم تنفيذ إجراءات التباعد إلى جانب التنظيف المتكرر، وسيتم تزويد الموظفين بمعدات الحماية الشخصية. ورغم ذلك أثار تعامل بريطانيا مع الأزمة انتقادات متزايدة, وارتباكا حول كيفية تخفيف إجراءات الإغلاق ومراقبتها، في مضاعفة رد الفعل السلبي على تخفيف المزيد من تدابير الصحة العامة، خاصة أن هناك قلقا من أن يتم تخفيف إجراءات الإغلاق من قبل الحكومة بسرعة؛ وبالتالي يشكل تهديدا للصحة العامة وهو ما سيقابل بقلق من الأهالي.ويحذر خبراء الصحة العامة من أن أي خطة لتخفيف إجراءات الإغلاق ستؤدي إلى حدوث ارتفاع غير ضروري في الحالات. فقد واجهت الحكومة انتقادات من أعضاء المجموعة العلمية الاستشارية للطوارئ. ووصف «جون إدموندز» من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي خطط تخفيف الإغلاق بأنها «قرار سياسي». وقال «كالوم سمبل»، من جامعة ليفربول، إن: «تهديد الإصابة بالفيروس سيزداد بشكل أساسي.. ونحتاج إلى تهدئة الوضع قبل تخفيف إجراءات الإغلاق، ولا يزال الوقت مبكرا لذلك»، وذكر أن بريطانيا «يجب أن تستعد لما لا يقل عن 80 حالة وفاة أخرى يوميا بسبب الفيروس، بعد حدوث هذه الإجراءات، استنادا إلى معدل وفيات كوفيد-19 الذي يصل إلى 1% تقريبا». وحذرت «ديفي سريدهار» من جامعة «أدنبره»، من «الخطر الكبير والمغامرة نتيجة تخفيف الإجراءات بهذه السرعة». وأوضحت أن «مسألة ما إذا كان من الآمن تخفيف الإجراءات هي مسألة سياسية، ويبدو أنها مدفوعة بالضرورات الاقتصادية والاجتماعية بدلا من الصحة العامة».وبشكل خاص تأتي المخاوف من حدوث مزيد من العدوى بمجرد تخفيف القيود. ويؤدي طقس الصيف الحار والعطلات الصيفية خلال شهر مايو إلى تدفق العديد من الآلاف إلى الشواطئ والحدائق والمواقع السياحية عبر إنجلترا. ويشير ذلك إلى أن الكثيرين يشعرون بقدر من التناقض فيما يتعلق بتدابير التباعد الاجتماعي، وبالتالي هناك خطر كبير من حدوث تصاعد آخر في الإصابات في الأسابيع المقبلة، كما يتضح الاستخفاف بالمبادئ التوجيهية للتباعد الاجتماعي أيضا في أجزاء أخرى من البلاد. وازداد استخدام الطرق في اسكتلندا بنسبة 70% يوم30 مايو، مقارنة بالأسبوع الذي سبقه، وفرقت الشرطة الاسكتلندية 797 مجموعة، بزيادة خمسة أضعاف عن نفس اليوم من عطلة نهاية الأسبوع السابقة. وأثار اصطفاف طوابير طويلة يومي 30 و31 مايو أمام متاجر، مثل (إيكيا)، مخاوف من أن يتم تجاهل تدابير الإبعاد الاجتماعي عندما يتم إعادة فتح غالبية المحلات التجارية كما هو مخطط لها. ووصفت «ديانا ويرل»، من شركة «سبرينج بورد»، الوضع بأن «هناك تغييرا في طريقة التفكير.. الناس يعتبرون أن الإغلاق لم ينته بعد، ولكنه في مرحلة الزوال». وإعادة فتح المتاجر بشكل غير منظم يزيد من خطر زيادة انتقال الفيروس قبل أن يتم القضاء عليه إلى مستوى يعتبره مسؤولو الصحة «آمنًا». وحتى الآن لم تتخذ الحكومة أي إجراء ملموس بشأن التخطيط لإعادة فتح المتاجر في منتصف يونيو. ووفقا لوزير الخزانة، «ريشي سوناك»، سيتم رفع الإلغاء تدريجيا على مدى الأشهر القليلة المقبلة وسيكتمل في نهاية أكتوبر. ويعتمد ما يقرب من 8.4 ملايين شخص في المملكة المتحدة على80% من رواتبهم التي تدفعها الحكومة. وبشكل إجمالي، من المتوقع أن يكلف ذلك المخطط 80 مليار جنيه استرليني. ولم يتم حتى الآن الكشف عن تفاصيل حول الكيفية التي يُتوقع من الشركات مغادرة البرنامج الذي بموجبه تساعد الدولة في الرواتب.وردا على هذه الانتقادات جادل وزير الخارجية، «دومينيك راب»، بأن بريطانيا «لا يمكن أن تظل في حالة الإغلاق للأبد». وادعى وزير الصحة، «مات هانكوك»، أن «البيانات تُظهر أننا نربح المعركة وأنه يمكننا إجراء بعض التغييرات الحذرة في قواعد الإغلاق بعناية وأمان». فيما صرح وزير التعليم، «جافين ويليامسون»، قائلا: إنه «يدرك التوتر بين الأسر، وأريد أن أطمئن الآباء والعاملين في المدارس ودور الروضة على أن سلامة الأطفال والموظفين لا تزال تستحوذ على جُل اهتمامنا».ومع ذلك لم يقلل ذلك من مخاوف خبراء الصحة، الذين يرون خطرًا كبيرًا في تخفيف إجراءات الإغلاق والتباعد الاجتماعي قبل أن يتم الحكم على مدى سلامة القيام بذلك على نطاق أوسع. وفي تقرير لقناة «بي بي سي» يقول: «لا يوجد أكثر أهمية الآن من قياس المفاضلة بين إعادة فتح الاقتصاد والإجراءات التي تحد من انتشار الفيروس». ومن عدة نواحٍ يعد هذا سيناريو خاسرا وسينال الحكومة النقد بسبب الإفراج عن التدابير بسرعة في حال ما حدثت موجة ثانية من العدوى. ومع ذلك سيتهمون بأنهم عرقلوا العمل دون داعٍ إذا لم يكن هناك ارتفاع ثان في الحالات. وفي نهاية المطاف يجب أن تتجاوز الصحة العامة الاستئناف الاقتصادي، حيث إن حدوث الارتفاع الثاني في الحالات خلال صيف 2020 يهدد بكارثة اقتصادية أكبر مما شهدته البلاد بالفعل.على العموم تظل «خريطة الطريق» الحكومية التي أعلنتها للخروج من إجراءات فيروس كورونا تفتقر إلى التفاصيل، وتبدو غامضة مع عدم وجود جدول زمني محتمل للإجراءات المستقبلية، فيما نالت الكثير من النقد لافتقارها إلى التواصل الفعال بين مؤسسات الدولة المختلفة وتوحيد إجراءاتها الاحترازية، وهو ما قد يثير حالة من الارتباك. لكن ومع ذلك، التزمت الحكومة طوال الأزمة بالحفاظ على الصحة العامة قبل كل شيء. ومع وجود العديد من أكبر الشركات في البلاد على وشك الانهيار يبدو أن هناك حاجة إلى شكل ما من أشكال التعافي الاقتصادي، حتى لو كانت البلاد عرضة لخطر ارتفاع حالات الإصابة مرة أخرى.
مشاركة :