وصفات عشوائية لعلاج كورونا تخفي عدد المصابين في مصر | أحمد حافظ | صحيفة العرب

  • 6/13/2020
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

يدفع الخوف من التنمر بعض المصريين المصابين بفايروس كورونا إلى البحث عن وصفات طبية عشوائية على المنصات الاجتماعية بدل التوجه إلى مستشفيات العزل، وهو ما يضع الحكومة أمام معضلة إحصاء العدد الفعلي للمرضى ومعالجتهم بما يتناسب مع حالاتهم. أربكت الوصفات الطبية العشوائية لعلاج فايروس كورونا حسابات الحكومة المصرية في تتبع المعدلات الحقيقية لانتشار الوباء، والقدرة على تقييم الموقف الصحي بشكل دقيق، بحيث تبني قراراتها وسياستها انطلاقا من المستجدات الحاصلة والمدونة في السجلات الرسمية. ولم تفلح تحذيرات وزارة الصحة من تناول الأدوية التي يتم نشرها على منصات التواصل الاجتماعي كبروتوكولات رسمية للعلاج، فذهب كثيرون للتعامل معها على أنها بديل أمثل للعلاج المنزلي بعيدا عن ازدحام المستشفيات بالمصابين والروتين في إجراء المسحة الطبية. ومن بين هؤلاء مجدي رزق، وزوجته، اللذان بمجرد أن ظهرت عليهما أعراض كورونا بحثا عن طبيب مجهول كان قد قام بنشر بروتوكول علاج للفايروس زاعما أنه يتم استخدامه في مستشفيات العزل، وبرر الزوجان موقفهما بأنهما “لا يريدان أن يعرف الجيران أنهما ذهبا إلى المستشفى ويتم التنمر عليهما”. وتتألف أسرة مجدي من 5 أفراد، بينهم ثلاثة أبناء، ولا تعرف وزارة الصحة عن العائلة شيئا، ولا تضع الزوجين ضمن قوائم المصابين الذين يستحقون الرعاية الطبية، ومثل هؤلاء الكثير، الذين سقطوا من حسابات الحكومة لقلة الوعي والخوف من تبعات الحجر الصحي. وتكمن الخطورة في إمكانية تعامل المؤسسات الرسمية مع أعداد المصابين المسجلين لديها، على أنهم الوحيدون الذين طالهم الوباء وتقرر على هذا الأساس تخفيف إجراءاتها الوقائية، ولا تدرك أن هناك من يحملون الفايروس ويعالجون أنفسهم بطريقة عشوائية. ومعضلة هذه الفئة، أنها تتعامل مع بروتوكول العلاج على أنه السلاح الوحيد في مواجهة الوباء، ولا تعبأ بأنه لا توجد دولة في العالم توصلت إلى علاج رسمي لكورونا، والبروتوكول مجرد تركيبة دوائية متفق عليها علميا لتحجيم انتشار الفايروس مع بعض الإجراءات الأخرى. واعترف مجدي لـ”العرب” بأن الأدوية التي يتناولها وزوجته منذ قرابة أسبوع لم تأت بنتائج إيجابية، موضحا “أعراضي تختلف عن أعراض زوجتي، ونأخذ نفس العلاج، وأفراد الأسرة يجلسون مع بعضهم البعض طوال اليوم كنوع من التخفيف عن أنفسنا والتهوين من حالة الرعب التي نعيشها”. علاج متداول إلكترونيا الأزمة أكبر من مسألة الوعي الأزمة أكبر من مسألة الوعي تقود هذه الحالة إلى أن إجراءات التباعد الاجتماعي غير موجودة بين زوجين مصابين وأبنائهما، فالأب ما زال يعتقد أن البروتوكول وحده يكفي للقضاء على كورونا، والأم كذلك. ويبدو الجميع غير عابئين بحتمية أن تكون لكل فرد غرفة خاصة، ولا يختلط بباقي العائلة لمدة أسبوعين، مع ضرورة تلقي العلاج الذي يناسب حالته، وليس الاستناد إلى بروتوكول تقوم وزارة الصحة بتغييره على فترات لزيادة الشفاء وخفض الوفيات. وتتعرض الحكومة إلى انتقادات لاذعة جراء ارتفاع نسب الوفيات، مقارنة بأعداد المصابين يوميا، لكن وزارة الصحة دافعت عن نفسها ضدّ اتهامها بالإخفاق، بتأكيدها أن الوصفات الطبية العشوائية لمصابي كورونا هي سبب الزيادة، حيث يصلون إلى المستشفيات غالبا في حالة متأخرة. وأكد مصطفى غنيمة، رئيس قطاع الطب العلاجي بوزارة الصحة المصرية، أن أعدادا كبيرة من حالات الوفيات بسبب فايروس كورونا في البلاد نتيجة لجوء الأفراد إلى المعالجة ببروتوكول علاج متداول إلكترونيا، كبديل عن الذهاب إلى المستشفيات. ولأن الأطباء لديهم مكانة استثنائية داخل المجتمع، ويتم وصفهم بـ”الجيش الأبيض”، ويقدمون تضحيات يومية، فلا تملك الحكومة معاقبة أيّ منهم على تسريب بروتوكول علاج يُفترض أنه مخصص للمصابين، حسب كل حالة وظروفها الصحية. وعكس التعاطي العام مع الوصفات العشوائية لعلاج كورونا، الحالة الرائجة بأن الحكومة خسرت رهانها على وعي الشارع في مواجهة تفشي الوباء، ويكفي أن الأدوية التي يتردد أنها تُستخدم في مستشفيات العزل لم تعد موجودة في أغلب الصيدليات، أو تباع بأسعار مرتفعة. واستثمر معارضون للحكومة، شح الأدوية لإظهار إخفاقها في إدارة أزمة كورونا، حتى بدت عاجزة عن الدفاع عن نفسها في مواجهة الانتقادات التي تتعرض لها، لأنها تمسكت بالاعتماد على وعي مجتمع يصر الكثير من أفراده على تناول أدوية الفايروس حتى لو كانوا أصحاء. وأوضح محمد عزالعرب، أستاذ الأمراض المعدية والأوبئة بالمعهد القومي للكبد في القاهرة، أن تناول أدوية بشكل خاطئ لعلاج كورونا يتسبب في انهيار الجهاز المناعي المسؤول عن المواجهة، ما يزيد الوضع الصحي تعكرا، ويضرب خطة الحكومة للسيطرة على الموقف. وأضاف عزالعرب لـ”العرب”، وهو أيضا مستشار المركز المصري للحق في الدواء، أن هناك أدوية تم حذفها من بروتوكولات العلاج لخطورتها على بعض الفئات، وبالتالي يعتبر تعامل الناس مع ما يُنشر من وصفات طبية على أنه يصلح لكل الفئات كارثة حقيقية، لذلك نتحدث عن أن مواجهة الوباء يجب أن تكون اجتماعية قبل أن تصبح صحية. أرباح مادية مندوبو الحكومة يقدمون الأدوية للحالات المنزلية كأحد الحلول لمواجهة الفوضى والوصفات العشوائية مندوبو الحكومة يقدمون الأدوية للحالات المنزلية كأحد الحلول لمواجهة الفوضى والوصفات العشوائية عملت الحكومة على إيصال الأدوية إلى الحالات التي يتم علاجها منزليا حتى مقر سكن الأسرة من خلال مراكز صحية بالقرى والمدن، كأحد حلول مواجهة الوصفات العشوائية، لكن ذلك لم يمنع تهافت الكثير من المصابين وبعض الأصحاء على شراء الأدوية دون التواصل مع وزارة الصحة المسؤولة رسميا عن البروتوكولات. وأرادت الحكومة من خلال هذه الخطوة، إظهار جديتها في مواجهة الوباء، وإبعاد تهمة التقصير عنها، باستعدادها لإيصال العلاج إلى باب البيت، وتظل المعضلة كامنة في أصحاب الصيدليات الذين يبيعون الأدوية دون وصفات طبية رسمية لتحقيق أعلى معدلات الأرباح خلال هذه الفترة. وتكمن الخطورة في أن أغلب الذين تعافوا من كورونا وخرجوا من المستشفيات، يدلون بوصفات علاجية لمعارفهم وجيرانهم من المصابين، بحكم أنهم خاضوا التجربة ولديهم من الخبرة ما يكفي لأن يتعامل معهم قليلو الوعي على أنهم استشاريون في مكافحة الأوبئة. ولا يتوقف الأمر عند حد إفصاح المتعافي عن الأدوية التي تعاطاها بمستشفى العزل، وكثيرا ما يتجاوز ذلك بتقديم خلطة شعبية لبعض الحالات، مثل تناول الماء والملح والليمون بذريعة أن هذا مشروب مركب كان يتناوله تحت إشراف طبي لمنع وصول الفايروس إلى الرئة. ويرى عادل السيد، وهو باحث في علم الاجتماع، أن خطورة الوصفات الشعبية والعشوائية لوباء كورونا، تتعاظم داخل أيّ مجتمع معروف بأن الكثير من أفراده يصدقون الخرافات، وهو ميراث طويل من الجهل، تراخت الحكومات المتعاقبة في مواجهته بالوعي والتثقيف. وأشار في حديثه لـ”العرب” إلى أن استمرار التعاطي مع الوصفات الشعبية أكثر من العلم والطب، أحدث أزمة حقيقية للحكومة في إدارة أزمة كورونا، ما يفرض عليها إعادة النظر في وعي الناس لمساعدتها على التصدي للجائحة، ويكفي أن يتناول أحد الأفراد أدوية غير مناسبة لظروفه الصحية سرًا، أو عن طريق بروتوكول منشور على منصات التواصل خشية إحساس جيرانه بأنه مصاب. ومعروف أن هناك أكثر من بروتوكول علاج لكورونا، حسب حالة المصاب، بسيطة أو متوسطة أو شديدة، وبالتالي فإن الإرشادات التي يقدمها من تعافى وكانت حالته بسيطة، لآخر في مرحلة خطرة حتى لا يُرهق نفسه بالذهاب إلى المستشفى، تعد مشاركة في الوفاة. غير أن ثمة ملامح تشير إلى أن الأزمة أكبر من مسألة الوعي، فهناك أطباء على درجة كبيرة من العلم، ورغم ذلك ينشرون بروتوكولات قديمة تم تحديثها أكثر من مرة، لأنها تتضمن عقارات قاتلة لبعض الحالات، مثل “هيدروكسي كلوروكين”، وهذا يتسبب في توقف عضلة القلب لبعض كبار السن والأمراض المزمنة، أيّ أن مستشفيات العزل نفسها لا تعمم العلاج على كل الحالات. وإذا كان بعض الأطباء يبررون هذا الفعل بالمساهمة في إنقاذ حياة مرضى تزدحم بهم المستشفيات، فقد طالتهم الاتهامات بخيانة أمانة الطب في تسريب بروتوكول يُفترض توزيعه على المصابين وليس على عموم الناس، وهناك من اتهم فئة منهم بأنها تخدم تيارات مناوئة للحكومة، بعدما تسببت في شح الأدوية وإرباك إستراتيجية الدولة في مواجهة الأزمة.

مشاركة :