أضحت البسطات الشعبية من المعالم المميزة في جدة خلال شهر رمضان، فتختزن في أركانها تاريخًا قديمًا شيده أهالي الحجاز فيها، احتفالاً بقدوم شهر الصوم، ويعتبرها الجداويون مكاناً لاستلهام الذكريات، واستشعار قدسية الشهر الفضيل، إذ تفوح منها روائح المأكولات الحجازية كالسمبوسة، واللقيمات، والمنتو، وشربة المقادم، والبليلة. طراز حجازي ويرى بعض الشباب في رمضان فرصة لزيادة دخلهم بعمل بسطات لبيع الكبدة والتقاطيع والعطور والمكسرات والمشروبات الرمضانية والحلويات الشعبية، ويحرصون على تزيينها بالمصابيح التي تصور الطراز الحجازي القديم، إذ يقول علي خالد طالب جامعي يبيع البطاطس المقلية في بسطة بحي الكندرة: «ينتظر بعض الشباب شهر رمضان بفارغ الصبر، لممارسة أي نشاط تجاري يعود عليهم بربح مادي، ويفضل الكثيرون منهم عمل بسطات في الأحياء، مؤكدًا أنها تدر عليهم ربحًا مجزيًا». وأضاف: «أمارس بيع البطاطس خلال رمضان في هذا المكان منذ خمس سنوات، حيث أبدأ بالتحضير لها في شعبان وذلك بشراء جميع الاحتياجات، كما يقوم أهلي بإعداد البطاطس وتقشيرها وتنظيفها بحيث يتبقى علي قليها وتقديمها للزبائن». عقد من العشق أما باسم العمودي (38 عاما) وهو بائع بسطة البليلة في حي الهنداوية فبين أنه يعمل في هذه المهنة الموسمية منذ حوالي عشر سنين وواظب عليها لما تدره عليه من ربح مجز. وقال: «لا أخفيك سرًا أني أحرص على أخذ إجازتي السنوية من عملي بالقطاع الخاص في رمضان، حيث أتفرغ في النهار للعبادة، وأبدأ عملي بعد صلاة التراويح»، لافتا إلى أن ربحه منها يصل إلى 4000 ريال أي بما يعادل راتبه الشهري». هواية وخبرة وبالنسبة لناصر المزهر فإن الحاجة إلى المال لم تكن الدافع الرئيس لبعض الشباب العاملين في البسطات داخل الأحياء للعمل 7 ساعات يوميًا وإنما الهواية، قائلا: «العمل في البسطة أثناء شهر الصوم له مذاق خاص ونكهة رمضانية، فمن خلال عملي فيها على مر السنين أكسبتني الخبرة ومعرفة الناس وزبائن لا أراهم إلا في هذا الشهر فقط». ويضيف ناصر ذو الـ35 عامًا: «أعمل في إحدى القطاعات الحكومية وراتبي الشهري يكفيني ولله الحمد، ولكن الذي دفعني للعمل في بسطة الكبدة كل عام هو الهواية ولمّة أهل الحارة وجمعتهم بالقرب من بسطتي»، مشيرًا إلى أن تكاليف إنشاء البسطة لا تتجاوز 1500 ريال، فيما الأرباح المقدرة للبسطة تتراوح ما بين 3000-4500 ريال مع نهاية موسم رمضان. تجربة وخبرة وفي بسطة مجاورة لفت نظرنا عبدالله القحطاني (17) عامًا وهو طالب في المرحلة الثانوية حيث يخوض التجربة الأولى له هذا العام في بيع البليلة ويقول: «أنتظر بفارغ الصبر قدوم المساء حيث أستعد مبكرًا لفتح البسطة وذلك منذ الساعة الثامنة والنصف مساء لتجهيز البليلة للزبائن»، مشيرًا إلى أنه يعمل في البسطة والتي يملكها أحد أصدقائه الذي وعد بمنحه (1500) ريال آخر الموسم نظير عمله. أما الأخوان خالد (19) عامًا وماجد (17) عامًا أبناء سالم محمد فهما يعملان مع والدهما في بسطتين متجاورتين منذ تسع سنوات ويقولان: إنهما لا يشعران بطعم رمضان إلا بالعمل في بسطة البليلة مع والدهما الذي أمضى حوالى 15 عاما في المهنة، كما أنه يكافئنا بنهاية الموسم بمنحنا (3000) ريال.
مشاركة :