بيروت: «الخليج» إذا كان ارتفاع سعر الدولار بالشكل الجنوني الذي حصل قبل يومين في لبنان، قد أحدث صدمة كبرى على المستوى الشعبي، عبّرت عنها التحركات في الشارع في أكثر من مكان، فإنه شكّل في الوقت نفسه عامل إرباك للسلطة اللبنانية على كل مستوياتها، وهو الأمر الذي حرّك اتصالات مكثفة على الخطوط الرئاسية كلها، أكثر من مرة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس الحكومة حسان دياب، وأيضاً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. وبحسب المعلومات، فإن تشخيص المستويات الرئاسية لما جرى، تقاطع عند فرضية وجود مؤامرة خبيثة لزعزعة استقرار لبنان سياسياً ومالياً، جرى التعبير عنها بالرفع المريب لسعر صرف الدولار في السوق السوداء، توازياً مع استغلال نزول المواطنين إلى الشارع، لترويج سيناريوهات خطرة لا تمت إلى الواقع بصلة، مثل الحديث عن إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أو استقالة الحكومة. وترافق كل ذلك مع تظاهرات وشغب في الشوارع، كانت أسوأ مظاهره فيما شهده وسط بيروت ليل الجمعة، حيث تم تحطيم وتكسير وإحراق عدد كبير من المؤسسات والمحال التجارية، مما اضطر الجيش والقوى الأمنية إلى التدخل بقوة لوقف أحداث الشغب، علماً بأن مجلس الوزراء كان قد طلب في جلسته أمس الأول، من الأجهزة الأمنية التشدد في قمع المخالفات في التلاعب بسعر الصرف وإحالتها فوراً إلى المراجع القضائية المختصة. وقد أخذ المجلس علماً بما تعهد به حاكم المصرف المركزي لجهة التأمين الفوري للعملة الأجنبية في السوق المحلي بسعر ينخفض تدريجياً. وما شهده الوسط التجاري لبيروت كانت له ردود فعل واسعة مستنكرة لعمليات التخريب، أبرزها لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي استنكر في بيان، ما قام به المخربون في العاصمة بيروت، والذين ينبغي أن يلاحقوا ويُلقى القبض عليهم ويحالوا إلى القضاء ليحاسبوا ويعاقبوا ويكونوا عبرة لغيرهم، وإلا يكون الكلام لا قيمة له بعد الآن. وحمل الدولة مسؤولية ما حصل في وسط بيروت. وغرد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عبر «تويتر»: «الذين نظموا ونفذوا هجمات التكسير والتخريب والحرق في بيروت لا يمتلكون ذرة من أهداف الثورة وقيمها. إنهم مجموعات مضللة تنجرف وراء مخطط ملعون يسعى إلى الفتنة وإلى مزيد من الانهيار. لشباب وشابات الثورة نقول: هذه الهجمات هدفها تأليب الرأي العام ضد التحركات الشعبية واستباق الدعوات إلى التجمع والاعتصام، احذروا المتسللين إلى صفوفكم والمتسلقين على مطالبكم. ولأهل الحكم والحكومة ورعاة الدراجات النارية نقول: بيروت ليست مكسر عصاً لأحد، لا تجبروا الناس على حماية أملاكهم وأرزاقهم بأنفسهم. المسؤولية عندكم من أعلى الهرم إلى أدناه، ونحن لن نقف متفرجين على تخريب العاصمة». ولا حقاً، جال الحريري، في وسط بيروت وتفقد المحال والمؤسسات والأبنية التي تعرضت للاعتداء والحرق والتخريب، واطلع على حجم الضرر الذي لحق بها. وتفقد الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء الركن محمد خير بتوجيه من رئيس الحكومة حسان دياب، يرافقه رئيس مجلس بلدية بيروت جمال عيتاني، حجم الأضرار التي حصلت في بيروت في منطقة اللعازارية ورياض الصلح التي أصابت المؤسسات التجارية والأملاك العامة والخاصة. من جهته، لفت وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي إلى «أننا كما أكدنا مراراً حماية المتظاهرين السلميين وقمع المشاغبين والمندسين، فإن القوى الأمنية ستعمل على ملاحقة المخلّين بالأمن ومَن قاموا بتكسير وتحطيم الأملاك العامة والخاصة في قلب بيروت، وإحالتهم إلى القضاء المختص». إلى جانب ذلك، انطلقت، أمس، مسيرة من منطقة بشارة الخوري باتجاه ساحة رياض الصلح تحت عنوان «لا لحكومة المحاصصات، نعم لحكومة انتقالية بصلاحيات استثنائية». وفي طرابلس كانت التحركات والاحتجاجات الشعبية تجددت ليل الجمعة، وحطم المحتجون واجهات المحال التجارية والمؤسسات العامة والخاصة، وأضرموا النيران في بعضها وفي حاويات النفايات، ورموا الحجارة وقنابل المولوتف تجاه الجيش الذي أطلق الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع لإبعاد المتظاهرين، واستمرت المواجهات وعمليات الكر والفر بين الطرفين إلى بعد منتصف الليل، مما أدى إلى سقوط أكثر من أربعين جريحاً من كلا الطرفين. وفي جونيه، أفيد بأن متظاهرين نظموا وقفة احتجاجية بالقرب من ساحة فؤاد شهاب، بعنوان «لا لدويلة داخل الدولة، لا للسلاح غير الشرعي»، وطالبوا ب«تطبيق القرارات الدولية 1559، 1701 و1680 التي هي وحدها قادرة على حل أزمتنا المالية والاقتصادية والسياسية»، و«ترسيم الحدود مع سوريا، ووقف نقل السلاح منها والتهريب إليها»، وب«أن تبسط الحكومة سلطتها على كل الأراضي اللبنانية». تجدر الإشارة إلى أن العديد من المناطق اللبنانية شهدت تحركات مطلبية، احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
مشاركة :