تظل المرأة هي الحضن الدافئ لرعاية ذويها والوقوف إلى جانبهم، والاهتمام بمريضهم، وتفقد صغيرهم، ومراعاة كل منهم، فهي تؤدي رسالة إنسانية تعكس التضحية ورقة القلب والعطف على الآخرين، وعندما تكون المرأة زوجة فإنها تكون الأكثر تحملاً للمسؤولية الملقاة على عاتقها، ويظلُّ تعاملها الإنساني ورعايتها لبيتها، ورقّة قلبها وتعاطفها وتضحيتها لأسرتها هي العنصر الأكثر تأثيراً نحو التخفيف من الحالة المرضية لدى المريض، فكيف إن كان ذلك المريض هو جزئُها الثاني وشريك حياتها، وكيف إن كانت معاناته بسبب مرض السرطان. هنا وفي قصة إنسانية مختلفة فقد قامت إحدى الزوجات بعملٍ أقل ما يقال عنه أنه تضحية من نوعٍ خاص، وإنسانيٌّ بالدرجة الأولى، وله أثره البالغ والإيجابي، حيث قامت السيدة “د .ق” بحلق شعر رأسها وأطفالها بعد الاتفاق معهم وترحيبهم بالفكرة، وذلك تضامناً مع مرضى السرطان الذين فقدوا شعرهم بسبب خضوعهم للعلاج الكيميائي. وقالت “د.ق” قمت بذلك تعاطفاً مع مرضى السرطان وأولهم زوجي الغالي، والذي يعاني مرض السرطان ويخضع للعلاج الكيماوي والإشعاعي منذ قرابة العامين، وقالت في رسالة أعلنت من خلالها مبادرتها وأطفالها: “كنت أحتاج أن أتخذ قراراً يأخذ بيدي نحو السلام الروحي، والحمد لله استطعت أن أتخذه بكل شجاعة وثقة، فالحياة لا تعطينا دائماً، ولابد أن نتعلم كيف أنها تأخذ منّا أشياء نحبها رغماً عنا، وها أنا هذا المساء قد استغنيت عن شيءٍ غالٍ على كل امرأةٍ، ويعتبر من ركائز زينتها، فقد قمت بحلق شعر رأسي أنا وأطفالي، تضامناً مع مرضى السرطان، وأولهم زوجي الغالي، فالشعر يذهب ويعود، ولكن الروح هي الأبقى وهي الأوفى، لن نهتم بشكليات لا طعم لها إن لم يسبقها الحُب، والتضامن، والتضحية، فهي ما تجعل الإنسان بشراً ذا ضميرٍ حيْ”. وقالت “د.ق” أنها خلال السنوات الماضية لم تنس مشاركة زوجها لها وأطفالها أفراحهم ومناسباتهم الجميلة والسعيدة، وتحمله أعباء العمل ورعاية الأسرة، وبذله الغالي والنفيس من أجل سعادتهم وراحتهم، واليوم ومع إصابته بهذا المرض العٌضال، وهو في طريقه للتعافي بإذن الله، فقد فضلنا أن يرى زوجته وأطفاله يشاركونه مرضه، بهذا الفعل البسيط لنظهر جميعاً حليقي الرؤوس كما أراد الله له أن يكون، استشعاراً منا جميعاً لمعاناته، ومشاركة له في معاناته، متأملين بإذن الله أن نبدأ معه مرحلة نمو الشعر من جديد مع تشافيه من مرضه بإذن الله تعالى. وحول مبادرة هذه السيدة قال الدكتور سعود بن صالح المصيبيح رئيس مركز تعارفوا للإرشاد الأُسَري، أن هذه السيدة العظيمة تجسد صورة من صور الوفاء، والنبل، والتضحية في لفت الأنظار إلى مرضى السرطان ومعاناتهم من هذا المرض العضال، والضرر النفسي والاجتماعي والجمالي عليهم، إضافة إلى الألام الشديدة نتيجة طبيعة وأسلوب العلاج الذي يتلقاه مريض السرطان، ومن ذلك سقوط الشعر، وظهور المريض رجلاً كان أو امرأة، طفلاً كان أو كبيراً، بمظهر وشكل مختلف، نتيجة سقوط الشعر من جراء العلاج الكيميائي. وأشار الدكتور المصيبيح أنها كزوجة أقدمت على هذه الخطوة، وحث أبنائها على المشاركة العاطفية والوجدانية كأسرة في إظهار مدى الحب والتعاطف مع رب الأسرة، وحلق شعورهم خصوصاً وهم يرونه يعاني ويتأمل فاقداً شعره وهو يتألم من المرض. وأكد د.المصيبيح أن الأمر ليس شكلياً، بل هو عميق التأثير، ويبعث رسالة للمجتمع كله، بضرورة التواصل مع مرضى السرطان، وزيارتهم وتفقد أحوالهم، مؤكداً أن ما فعلته هذه السيدة العظيمة وأولادها سيؤدي بإذن الله إلى رفع معنويات الأب كثيراً، وسيكون له أثره الإيجابي في رفع المناعة المرتبطة بتقدم العلاج، كون زيادة الثقة والاطمئنان والتفاؤل له دور كبير في مقاومة المرض والشفاء منه. وتمنى الدكتور سعود المصيبيح أن يسلط الضوء على هذا الحدث المهم، وأن تتم الإشادة بمبادرة هذه الزوجة العظيمة، ويتم نقل هذه التجربة تلفزيونياً مع الاحتفاظ بخصوصية الأسرة، مؤكداً أن النقاش والتفاعل ونشر الحدث سيؤدي إلى تعزيز مبدأ القدوة، وبالتالي نشر مثل هذا السلوك الإيجابي النبيل. من جانبها أشارت الأستاذه سميه الدوسري المتخصصة في المسئولية الاجتماعية أن هذه القصة المؤثرة تستحق الوقوف أمامها، وتقديم الشكر والثناء لهذه السيدة العظيمة على مبادرتها المميزة، متلمسين لها عظيم الأجر، مؤكدة أن وقوف الزوجة أو الزوج إلى جانب الطرف الآخر، يعدٌ مثال عظيم في الوفاء وحسن المعاملة، وطيب العشرة، وهذه القصة التي تصف لنا وفاء الأزواج لبعضهم عندما يحتاج أحدهما الآخر، ليمنحه الحب والرحمة والتعاطف الراقي المختلف، والذي يحتاجها الجميع في لحظات المرض، فالوفاء يتحقق مهما تغيرت الأحوال، ووفاء الزوجة في محنة زوجها، والزوج في محنة زوجته، هي من أهم صفات الإنسانية التي يتفق عليها الناس، وهي صفة سامية وموقف جميل، ولن ينسى زوجها لها حسنُ صنيعها معه، وسيكون ذلك حافزاً كبيراً له بإذن الله، لتجاوز مرحلة الضعف التي يخلفها المرض، ليكون قوياً بزوجته العظيمة، وأطفاله النبلاء، وسيشكلون جميعاً كأسرة بهذه المبادرة بصمة مختلفة لجميع مرضى السرطان شفاهم الله. وأكدت سميه الدوسري أن هذه المبادرة لابد أن تجد حقها من الاهتمام لتكون هذه السيدة وأسرتها نموذجاً فريداً وقدوة إنسانية للمجتمع بأكمله للتعاطف مع مرضى السرطان ومشاركتهم آلامهم ومرحلة شفائهم بإذن الله. وقدم استشاري الطب النفسي الدكتور وليد العثمان شكراً خالصاً للسيدة “د.ق”، مؤكداً أن ما قامت به هي وأطفالها يُعد نموذجاً تستحق عليه الإشادة والشكر، وقد قدمت نموذجاً فريداً للمبادرات الأسرية الجميلة التي تعكس عمق التعايش مع هذه الفئة من المرضى، والذين يحتاجون خلال مرحلة علاجهم دعماً نفسياً وعاطفياً مختلفاً، بعيداً عن إشعار المريض بمعاناته، وكثرة سؤاله عن وضعه الصحي، فالمريض من هذا النوع يحتاج تحفيزاً مختلفاً، وتعايشاً من نوع آخر، كما فعلت هذه السيدة وأطفالها. وطالب الدكتور العثمان أن تهتم جمعيات مرضى السرطان ومراكز العلاج المتخصصة والتي تعالج هذه الحالات بمثل هذه المبادرة، لتكون حافزاً للجميع لبذل المزيد من دعم المرضى ومساعدتهم ليتجاوزوا مرحلة العلاج بنفسية عالية، وشعور مختلف. يذكر أن السيدة “د.ق” وهي معلمة وشاعرة، تتواصل بشكل مستمر مع عدد من جمعيات مرضى السرطان، وبعض المراكز المتخصصة، وتحرص على القراءة والاطلاع حول هذا المرض وطريقة التعامل مع مرضاه، لتكون تجربتها في التعايش مع حالة زوجها ناجحة بكل المقاييس.
مشاركة :