تراجيديا "الأيام الأخيرة للجريمة في أميركا" | طاهر علوان | صحيفة العرب

  • 6/15/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

من المصادفات الطريفة أن تقدّم نتفليكس فيلم العنف والجريمة “الأيام الأخيرة للجريمة في أميركا” لجمهورها الواسع في هذا الوقت بالذات الذي تعيش فيه أميركا مخاضا اجتماعيا وسياسيا خطيرا، ولربما يكون ذلك سببا كافيا للاهتمام الواسع الذي حظي به الفيلم في أوساط النقاد وفي الصحف والمجلات الأميركية وغير الأميركية. ليس أكثر من أسبوع، وتهيج أميركا وتموج وتعجّ بالجريمة وتعمّ الفوضى ثم يعمّ الشلل التام ويعجز المجرمون عن ارتكاب جرائمهم، ويتم وصول السلطات إلى المسروقات الضخمة التي يراد الهرب بها إلى الخارج. هي خلاصة فيلم “الأيام الأخيرة للجريمة في أميركا” للمخرج أوليفيه ميغاتون الذي تعرضه حاليا نتفليكس، والذي تزامن مع الاحتجاجات الأخيرة للشارع الأميركي. لكن الغريب في الأمر ورغم أن الفيلم لا يخرج عن نمطية أفلام العنف والجريمة الأميركية ولا هو أقلّ منها موضوعا ومعالجة، إلاّ أنه قوبل بانتقادات شديدة مبنية كلها تقريبا على أساس التقييم السلبي للفيلم في الموقع الشهير روتن توماتو. وفي الفيلم نشاهد الكثير ممّا يمكن أن نتوقّعه من أفلام المافيا والجريمة والمخدرات والسرقة والجنس في خليط يقدّم صورة واقع أميركي هشّ للغاية، ولا حصانة ولا أمان فيه لأحد. لكنه في كل ذلك ينعطف انعطافة حادة لينتمي إلى أفلام الخيال العلمي – المستقبلي وعلى أساس صورة أميركا في العام 2025. الفيلم يستعرض ما يمكن أن نتوقّعه من أفلام المافيا والجريمة والمخدرات والسرقة في خليط يقدّم صورة واقع أميركي هشّ للغاية الفيلم يستعرض ما يمكن أن نتوقّعه من أفلام المافيا والجريمة والمخدرات والسرقة في خليط يقدّم صورة واقع أميركي هشّ للغاية يعوم بريك (الممثل إدغار راميريز) في عالم تعمّه الفوضى وتسود فيه الهشاشة، إذ القتل والسطو من أسهل ما يكون، وهو ينجح في إيجاد موازنة ما تجعله ذا سطوة ولا تنافسه في سطوته إلاّ عصابة “دومو” الإجرامية. هو يعلم أن شقيقه هو نقطة ضعفه الذي ينفذ من خلاله منافسوه، ولهذا تتم تصفيته في السجن، وهو التحوّل الذي سوف يجعل منه ليس منافسا لخصومه بل منافسا ومنتقما. وفي موازاة ذلك، يبرز خط سردي آخر يمثله كيفن (الممثل ميكائيل بيت) وصديقته شيلبي (الممثلة آنا بريويستر)، فهما يدخلان على خط حياته لغرض أن يشاركاه مهمة الانتقام لشقيقه في مقابل الحصول على جزء من ملايين الدولارات التي ينوي بريك تهريبها إلى كندا قبيل أو أثناء الحظر الكلي. وتقوم الفرضية التي تحشد لها وسائل الإعلام كل طاقاتها وتتزاحم البرامج الحوارية على الشاشات من أجلها على قيام الحكومة الأميركية بتعطيل أو شل قدرات الجميع في ساعة صفر محددة، بتوجيه شعاع وصوت ما يضرب الدماغ وبالتالي يتم شل الجريمة والإجهاز على المجرمين بعدما تحوّلت أميركا إلى ساحة إجرام عارمة. وفي وسط تلك الفوضى، يجد بريك نفسه عاشقا ومنجذبا إلى شيلبي ويصبح هدفهما المشترك هو كيفية تهريب المال والهروب به باتجاه كندا، حيث تكون هي البديل الذي يحلم به الأميركان وهم في أزمتهم. مشهد الحدود مع كندا يبدو منذ بداية الفيلم مثل ثكنة عسكرية، لا يسمح الجانب الأميركي لأحد بالاقتراب منها، ولهذا يتم إطلاق الرصاص على أي أحد يصل إلى هناك في مشاهد دموية متواصلة. ينجح المخرج في رسم صورة واقع شامل متّسع أصابه العطب وتفشّى فيه الخراب ولا يتردّد في استخدام اللقطات العامة التي تظهر كل التفاصيل، فهو لا يخشى أن تعلق صورة مشرقة وسط الخراب لأن نسبة الخراب تكون هي الطاغية. وأما عندما ينتقل مكانيا ممّا هو عام إلى ما هو شخصي، فإنه يبرع أيضا في كيفية إظهار البيئات الخاصة بالأفراد وقد تحوّلت إلى مجرّد أوكار للجريمة وتعاطي المخدّرات.. فإلى أين يسير كلّ هذا؟ عالم تعمّه الفوضى وتسوده الهشاشة عالم تعمّه الفوضى وتسوده الهشاشة تظهر السلطات ندا قويا ويتمّ التغلغل في قوات الشرطة وكيف أنها هي الأخرى قد ضربها الفساد، ومن ذلك حجز شقيقة شيلبي من أجل أن يبتزوها فتوافيهم بأخبار مافيات الجريمة، ثم إن المباحث الفيدرالية تشترط على شيلبي استمرارها في المهمة في مقابل إطلاق شقيقتها المراهقة وضمان عبورها الحدود باتجاه كندا، وهو ما يقع فعليا. شخصية شيلبي تم بناؤها دراميا بعناية شديدة، فهي التي تساير صديقها الروسي لإيصال المعلومات إلى المباحث الفيدرالية ولضمان سلامة شقيقتها، وهي تعشق بريك وتفديه وتدافع عنه، وهي أشد صلابة وسط عالم يغرق في الجريمة. لكنّها أشد هشاشة وإنسانية ساعة أن تصل الأمور إلى حافة الموت. اتبع المخرج أوليفيه ميغاتون أسلوبا سرديا مميزا وفّره له العدّ الزمني التنازلي لنفاد مدة انتهاء الجريمة، أو ما يعرف بأسبوع ما قبل تفعيل مبادرة السلام الأميركية التي يرعاها الرئيس الأميركي شخصيا، ويقول إنه مشارك فعلي فيها وساهر على تطبيقها في عموم الولايات المتحدة. الفوضى تعمّ الشوارع المليئة بالمشردين والصعاليك، علاوة على القتل والتعدّي وتعرية الفتيات، هو كل ما يظهره الفيلم في جزئه الأخير، وهنا يقول تعليق عابر في الفيلم إن الحكومة الأميركية كان هدفها من كل هذا السيطرة على عقول الناس على اعتبارهم كانوا جميعا مجرد فئران تجارب. ما بعد ذلك من تطوّرات في الدراما ما هي إلاّ سلسلة انتقامات دامية يكون قطبها الأساسي بريك الذي سوف يلقى حتفه بعد خوضه صراعات ومعارك ومغامرات، وصولا إلى عبوره الحدود بشاحنة ضخمة محمّلة بالدولارات التي تتطاير في الهواء في مشهد بليغ، ينتهي بقيام حبيبته شيلبي وهي في وسط طبيعة سلمية في كندا بذرّ رماده في إحدى البحيرات. ShareWhatsAppTwitterFacebook طاهر علوان

مشاركة :