ليس من المؤمل أن تعثر على إنسان بلا تحيزات أو أحكام مسبقة، بل إن هناك أصلًا جدلًا حول أهمية وجدوى هذه الأحكام المسبقة ذاتها؛ خاصة أن القائلين بأهميتها يشددون على أن المرء لا يمكنه أن يدرك العالم ولا أن يدوزنه في رأسه بدون هذه الأحكام المسبقة ذاتها، لكن ما يعنينا هنا هو كيف تتجنب التحيز في اتخاذ القرارات المهمة؟ فطالما أن التحيزات أمر مسبق، وموجود بالفعل، فإن المهم والمنطقي هو التعامل مع هذه التحيزات، والحد من أثرها عند اتخاذ القرارات المختلفة، ولنا أن نعلم أن هذه القرارات المبنية على تحيزات نفسية وأحكام مسبقة تؤدي إلى كوارث حقيقية. فعلى سبيل المثال إذا افترضت (تحيز التأكيد وسنتطرق إليه لاحقًا) أن هناك الكثير من الأشخاص يبحثون عن المنتج الذي تود إطلاقه، ثم أطلقته بالفعل فالمؤكد أنك ستمنى بخسائر كبيرة بسبب هذا التحيز وتلك الأحكام المسبقة. لكن وقبل أن نجيب عن سؤال: كيف تتجنب التحيز في اتخاذ القرارات المهمة؟ علينا أولًا أن نعرج على مفهوم التحيز النفسي. اقرأ أيضًا: إبراهيم الفريح: الصحة النفسية في بيئة العمل لها تبعات اقتصادية ومادية هائلةالتحيز النفسي وتاريخه لم يكن مفهوم التحيز النفسي Psychological Bias معروفًا قبل السبعينيات؛ حيث قدم علماء النفس: دانيال كانيمان، وبول سلوفيتش، وعاموس تفرسكي، مفهوم التحيز النفسي، ونشروا النتائج التي خَلُصت إليها أبحاثهم في كتابهم الصادر عام 1982، “الحكم في ظل عدم اليقين”. وعرّفوا التحيز النفسي بأنه الميل إلى اتخاذ القرارات أو الإجراءات بطريقة غير منطقية؛ حيث يمكن قيام اللاوعي بالتعامل الانتقائي مع البيانات. وعلى ذلك فإن التحيز النفسي هو عكس الحس السليم، والحكم الواضح المبني على وقائع حقيقية، ويمكن لهذا التحيز أن يؤدي إلى ضياع الفرص وعدم اتخاذ القرارات بشكل صحيح وفاعل.أنواع التحيزات: ولكي تعرف كيف تتجنب التحيز في اتخاذ القرارات عليك أن تعرف ما هي التحيزات التي قد تكون عُرضة لأحدها، وفيما يلي إشارة إلى بعض أنواع هذه التحيزات، وذلك على النحو التالي:تحيز التأكيد غالبًا ما يتعثر المرء في آرائه وتصوراته، ويحاول العثور، والبحث المتعمد عن البيانات التي تدعم تلك التصورات، وهذا هو تحيز التأكيد الذي يحدث عندما تشرع في البحث عن معلومات تدعم معتقداتك الحالية، وترفض البيانات التي تتعارض مع ما تعتقده. وبالطبع، يمكن لتحيز من هذا النوع أن يقودك إلى اتخاذ قرارات كارثية لا علاقة لها بأحد سواك. وإذا أردت التغلب على هذا التحيز فعليك أن تكون منفتحًا على كل البيانات، وأن تشرك الآخرين معك، وأن تعرف رأيهم وتصوراتهم، بل ابحث كذلك عما يتحدي قناعاتك؛ كي تضمن أنك تسير في الطريق الصحيح عند اتخاذ هذا القرار أو ذاك. اقرأ أيضًا: حالات الضيق المفاجئة.. ثورة بركان الترسبات النفسية تحيز الثقة المفرطة هذا أيضًا أحد أنواع التحيزات التي قد يتعرض المرء لها عند اتخاذ قرار ما؛ فعندما يفشل المرء في معرفة حدود معرفته، وعندما يتصور أن مساهمته أفضل وأقيم من مساهمات الآخرين جميعًا، فعندئذ يكون وقع فريسة لهذا التحيز. ووجدت دراسة أجريت عام 2000 أن رجال الأعمال هم أكثر عرضة لإظهار تحيز الثقة المفرطة من غيرهم؛ إذ يفشلون في تحديد حدود معرفتهم؛ ولذلك فهم يدركون المخاطر بأقل مما هي عليه في الواقع. وعلى الرغم من أن بعض مشاريعهم ينجح _فالثقة مطلوبة لكن في الحدود المعقولة_ بيد أن غالبيتها العظمى لا يكون النجاح حليفه. اقرأ أيضًا: لا تستسلم.. 6 طرق للتعامل مع الأزمات النفسيةأثر النعامة أو تجنب الحقائق غير السارة يظهر هذا النوع من التحيز عندما يفكر شخص ما في اتخاذ قرار معين ثم يعمل، وبشكل متعمد، على تخبئة الحقائق غير السارة، والتي تزعجه، وهو في الحقيقة لا يفعل أكثر مما تفعله النعامة عندما تحاول دفن رأسها في الرمل فيما يظل جسدها كله مكشوفًا. وذلك على الرغم من أن المنطقي أن يرصد المرء الاحتمالات جميعها عند اتخاذه قرارًا من القرارات ثم وضع السيناريوهات والخطط البديلة للتعامل مع كل هذه الاحتمالات، بل أن يتوقع الأسوأ ويستعد له كذلك، لا أن يفعل العكس. اقرأ أيضًا: كيف تتغلب على الهزيمة النفسية؟التركيز على النجاح هذا التحيز واحد من أكثر التحيزات/ المفاهيم الخاطئة شيوعًا في الشركات الناشئة وعالم الأعمال؛ حيث يتم التركيز على قصص نجاح الشركات التي نجحت دون سواها، صحيح أن هناك دروسًا يمكن أن نتعلمها من الناجحين، لكن ما سنتعلمه من الفاشلين أكثر وأهم. وطريق النجاح معروف إلى حد كبير؛ فبالجد والاجتهاد واكتساب المهارات والخبرات.. إلخ يمكن للشركة أن تنجح، لكن الفشل أسبابه عديدة، ومن ثم يجب أن نسأل: لماذا فشلت هذه الشركة أو تلك وليس لماذا نجحت؟التحيز الداعم للاختيار إذا أردت أن تعرف كيف تتجنب التحيز في اتخاذ القرار فتخلى، طواعية، عما تبنيته من حجج وآراء مسبقة، عند صناعة قرار جديد؛ فلكي لا يبدو المرء مرتبكًا أو مشوشًا يدعم، وبشكل لا إرادي أحيانًا، الاختيارات والحجج التي دافع عنها وتبناها سابقًا. وهذا الأمر الذي يؤدي إلى اتخاذ قرارات تقود إلى نتائج كارثية؛ إذ المعطيات تتبدل وتتغير طوال الوقت، ومن ثم ليس منطقيًا أن تكون آراؤنا وتصوراتنا ثابتة، بل أن تدور مع الوقائع حيث دارت. وهكذا يمكن للمرء عبر الإلمام بهذه التحيزات النفسية والإحاطة بها علمًا أن يعرف كيف يتجنب التحيز في اتخاذ القرار، وأن يتخذ قرارات بشكل حكيم ومدروس تؤدي إلى نتائج مُرضية وإيجابية. اقرأ أيضًا: كيفية التغلب على قلق رواد الأعمال أهمية الروتين في الأزمات.. مزايا لا تخطر على البال! اليقظة الذهنية كعلاج ذاتي وخلاص من الضغوط
مشاركة :