أزمة ثقة أم صراع مصالح؟

  • 6/16/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

فيصل عابدون يثير قرار الرئيس دونالد ترامب بسحب جزء من القوات العسكرية الأمريكية من ألمانيا، المزيد من الأسئلة حول مستقبل التعاون بين ضفتي الأطلسي، كما أنه يعمق هوة الخلافات المتنامية والتباينات في مواقف وسياسات الولايات المتحدة والكتلة الأوروبية ومصير حلف الناتو الذي تزايد الحديث عن فرصه في البقاء ودوره المتلاشي في حفظ السلام والاستقرار على الخريطة العالمية في حال تفكك رباط الشراكة الاستراتيجية التي جمعت الجانبين طوال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وتبرز الخلافات الأوروبية الأمريكية خصوصاً في طبول الحرب التي تقرعها واشنطن وعلاقاتها العدائية مع الصين وروسيا، وهو موقف لا تحبذه أوروبا. كما يبرز التباين في الدعم الأمريكي لسياسة الضم "الإسرائيلية" للأراضي الفلسطينية مقابل الرفض الحاسم الذي تبديه الكتلة الأوروبية في هذه القضية، علاوة على قضايا أخرى بينها مسألة منظمة الصحة العالمية والمحكمة الجنائية الدولية. ومما لا شك فيه أن العلاقات الأمريكية الأوروبية لا تشهد أفضل أوقاتها حالياً، لكن القضية في جوهرها لا ترتبط بسياسة خاصة للرئيس ترامب وخططه واستراتيجياته ومحاولاته لإعادة تموضع الولايات المتحدة في العالم، فالخلاف المتنامي الحالي ليس أزمة ثقة عابرة بين الشريكين الغربيين، لكنه قضية تتصل بالصراع على حماية المصالح التجارية والأمنية. فالبذور الأولى لفكرة إنشاء الاتحاد الأوروبي كان وراءها النزوع إلى الاستقلال عن مظلة الحماية والهيمنة الأمريكية. ولئن كان مسار التطور البطيء والمتعثر في بناء هياكل الكيان الأوروبي الجديد ركز على قضايا التجارة والتبادل السلعي والعملة الموحدة، فإن فكرة الانفصال العسكري لم تكن بعيدة عن قادة أوروبا السابقين أو الحاليين. ولطالما تحدث قادة فرنسا وألمانيا عن فكرة الجيش الأوروبي المستقل، وضرورة المبادرة بإنشائه وتقويته، بالتزامن مع الحديث عن ضعف وتخلف حلف شمال الأطلسي وحاجته إلى الإصلاح والمراجعة أو التبشير بموته السريري، وفي المقابل كانت التصريحات الأمريكية تظهر التبرم من ضعف الإنفاق العسكري للدولتين، وتقلل من أهمية وجود قيادة عسكرية أوروبية مستقلة. ودعا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف-لودريان في أحدث تصريحاته الكتلة الأوروبية إلى اختراع مسار ثالث مصنوع من صرامة في الدفاع عن مصالح الكتلة ومبادئها الأساسية، وانفتاح على حوار حقيقي متعدد الأطراف. وأوضح أن المسار المعني لا يسعى وراء حرب باردة ولا يعني مرونة ساذجة. وبالضرورة فإن فكرة انفصال أوروبي كامل لم تكن بعيدة بطبيعة الحال عن صناع السياسة الأمريكية، ولا شك أن الباحثين في أجهزة الاستخبارات والمراكز المتخصصة انخرطوا في دراسة التأثيرات المحتملة لنشوء منافس محتمل للسيطرة الأمريكية على العالم، ووضعوا على طاولة القادة السياسيين سيناريوهات نجاحه وتطوره أو تراجعه وفشله، بالإضافة إلى خيارات التعامل مع كل حالة من الحالات لحماية مصالح الولايات المتحدة. وفي ضوء خلفيات التصارع المستمر يعتقد محللون أن خطة ترامب لسحب قوات من ألمانيا وإعادة تموضعها في بولندا قد تكون مناورة لتهديد الدولة الكبرى المؤسسة للاتحاد الأوروبي، أو محاولة لشق الصف واستمالة بولندا صاحبة الكثافة السكانية الأكبر، والصاعدة بقوة على سلم القيادة الأوروبية. Shiraz982003@yahoo.com

مشاركة :