لا حاجة للحديث عن الأطماع التركية في المنطقة العربية، والدور الذي حاول أن يلعبه رجب طيب أردوغان، مستفيداً من الفوضى التي أحدثتها الثورات العربية بدءاً من محاولات دعم الإخوان في مصر وليبيا وتونس، وصولاً إلى دعم الجماعات الإرهابية أمثال تنظيم داعش وجبهة النصرة، حتى وإن اختبأ ذلك خلف ستار دعم ما يسمى المعارضة المعتدلة بذريعة إسقاط النظام السوري. فالتطورات المتسارعة في المنطقة، دفعت تركيا إلى التركيز على الملف السوري، لكنها أظهرت، في الوقت نفسه، تناقضات موقفها إلى العلن، فهي مع التحالف الدولي ضد داعش، من دون أن تشارك فيه، وسمحت للبيشمركة الكردية العراقية بالدخول إلى عين العرب (كوباني) على مضض وتحت ضغط المجتمع الدولي، وهي تدعي أنها ضد تنظيم القاعدة، وتقدم المساعدة العسكرية واللوجستية لجبهة النصرة (ذراع القاعدة في سوريا) في السيطرة على إدلب وريفها، لا بل تشير الشواهد إلى أنها كانت وراء ظهور داعش مجدداً في عين العرب، بعد 6 أشهر من طرده منها، عبر إدخال عناصره من معبر مرشد بينار في الطرف الشمالي للمدينة قبل أن يُطرد للمرة الثانية، وكذلك فعلت في الحسكة حيث لاتزال المعارك دائرة لطرده منها. فما الذي يدفع أنقرة إلى كل هذه المواقف المتناقضة، وما الذي يدفعها إلى حشد قواتها العسكرية أخيرا على الحدود بالتزامن مع إطلاق مجموعة من الفصائل المسلحة تقودها جبهة النصرة هجوماً واسعاً في حلب، وهي كلها مواقف قد تنتهي بها إلى مغامرة أو حتى مقامرة غير محسوبة النتائج؟ ثمة أسباب كثيرة، تدفع أنقرة إلى محاولة التدخل العسكري في سوريا وتمنعها في آن، وكلمة السر في ذلك هي محاولة إقامة منطقة عازلة على طول الحدود بأية وسيلة وبأي ثمن. فالتقدم الذي أحرزه الأكراد في شمال سوريا، وسيطرتهم على مدينة تل أبيض، أثار المخاوف التركية من إمكانية وصل كانتوني عين العرب والجزيرة، وبالتالي فرض سيطرتهم على كامل المنطقة الممتدة من الحدود العراقية وصولاً إلى ريف حلب الشمالي، ما يعني القضاء على أحلامهم في إقامة المنطقة العازلة، ثم قطع الاتصال وخطوط الإمداد لجبهة النصرة وجيش الإسلام وغيرهما من الجماعات التي تدعمها. ومن هنا يمكن فهم تصريح أردوغان قبل أيام بأن تركيا لن تسمح بإقامة دولة كردية مستقلة، مع الأخذ بعين الاعتبار انعكاسات ذلك داخل تركيا نفسها. ومن هنا أيضاً يمكن فهم توظيف داعش في الظهور مجدداً في عين العرب والحسكة وفتح معركة حلب الأخيرة. هذه العوامل كلها جعلت تركيا تقرع طبول الحرب، وتحشد جيشها تمهيداً لتدخل عسكري مباشر، لكن مثل هذا التدخل المنفرد يصطدم بالموقفين الروسي والإيراني، ولا يجد قبولاً أمريكياً، قبل أن نتحدث عن عش الدبابير إذا ما قررت أنقرة الدخول في هذه المقامرة. فإذا كان أردوغان يريد أن يحقق إنجازاً من وراء الحدود يسمح له بحل مأزقه الداخلي عبر إجراء انتخابات مبكرة تعيد حزبه إلى الانفراد بالسلطة، فمن المرجح أنه يدخل في مأزق أكثر تعقيداً قد يطيح بسلطته وطموحاته دفعة واحدة وإلى الأبد. younis898@yahoo.com
مشاركة :