القاهرة - استبق وزير الخارجية المصري سامح شكري، استئناف المفاوضات بين بلاده وإثيوبيا والسودان، الاثنين، بالتأكيد أن بلاده تبحث اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي للحيلولة دون اتخاذ أديس أبابا إجراء أحاديا بشأن سد النهضة، في ظل استمرارها في “التعنت”. يشير هذا التلويح إلى أن الحكومة الإثيوبية لن تكون في مواجهة مصر وحدها، بل ستقف أمام قوى دولية عدة، وعليها تحمل عواقب ممارساتها الرافضة للتفاهم، في محاولة لإجبارها على أن تخرج الجولة الحالية من المفاوضات بتقدم واضح. وأكد شكري، خلال مشاركته في ندوة بعنوان “الدبلوماسية المصرية.. التعامل مع التحديات الراهنة”، عبر الفيديو كونفرنس، ونظمها مجلس الأعمال المصري للتعاون الدولي بمقر وزارة الخارجية، التزام مصر بنهج التفاوض على مدار السنوات الماضية، والتحلي بنوايا صادقة في سبيل التوصل إلى اتفاق منصف وعادل للأزمة. وأوضح بيان للخارجية المصرية، الاثنين، أن خطوة مجلس الأمن (المحتملة) تأتي في إطار قيام المجلس بمسؤولياته في تدارك التأثير على السلم والأمن الدوليين، وعبر الحيلولة دون اتخاذ إثيوبيا إجراء أحاديا يؤثر سلباً على حقوق مصر المائية. بدأت لعبة شد الحبل السياسي تتصاعد بين القاهرة وأديس أبابا، وزادت الشكوك المتبادلة، بما جعل كل طرف يصر على الانتصار لرؤيته، فمصر تريد البدء من حيث انتهت مفاوضات واشنطن في فبراير الماضي، بينما تسعى إثيوبيا للعودة إلى نقطة البداية من خلال تقديم رؤية جديدة تراها صائبة، لكن لا تمنح اهتماما كبيرا لوثيقة واشنطن. وتخلت مصر عن حذرها السابق، وتحلت بقدر أكبر من التشدد، وتبذل محاولات مضنية لقطع الطريق على ما تعتبره “مناورات” لاستهلاك الوقت، وتعمدت أخيرا تسجيل موقفها عبر بيانات رسمية متتالية ترصد التطورات مع إثيوبيا، والتركيز على ثوابت رؤية مصر. وحرصت القاهرة على تأكيد التزامها بنهج التفاوض والتحلي بنوايا صادقة من أجل التوصل إلى اتفاق منصف وعادل لهذه الأزمة، بما يحقق مصالح الدول الثلاث، وهو ما يؤيده السودان. سامح شكري: نسعى للحيلولة دون اتخاذ إثيوبيا إجراء أحاديا بشأن سد النهضة سامح شكري: نسعى للحيلولة دون اتخاذ إثيوبيا إجراء أحاديا بشأن سد النهضة واستؤنفت الاجتماعات بين وزراء الري في الدول الثلاث، عبر تقنية فيديو كونفرنس، الاثنين، بعد توقفها ليوم واحد (الأحد) عقب أربعة أيام سابقة من التفاوض، دون التوصل إلى نتائج ملموسة بشأن مفاوضات سد النهضة. واستمر التباعد في المسافات بين القاهرة وأديس أبابا، وبدت الخرطوم أخيرا أقرب للموقف المصري، من حيث التمسك بعدم الإضرار وضرورة الحل العادل للجميع، وعدم التخلي عن وثيقة واشنطن التي تمكنت من حل 90 في المئة من الخلافات، بينما قدمت إثيوبيا إطارا جديدا للتفاهم، لا يعترف بجزء كبير مما جاء في الوثيقة الأميركية. حيال هذه المعضلة، توافق متفاوضو الدول الثلاث، السبت، على أن يقوم السودان بتقديم رؤية توافقية في اجتماعات، الاثنين، تتضمن حلا مقبولا لحسابات كل طرف كي لا تنهار المحادثات التي بدأت وسط حالة من انعدام الثقة بين القاهرة وأديس أبابا. وكررت القاهرة احترامها لحق إثيوبيا في التنمية، وعدم السماح بتخطي حاجز الأمن المائي لمصر، والحرص على تسجيل مخالفات العملية التفاوضية، والتأكد من تسجيل المراقبين، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، لجميع التطورات في الجولة الأخيرة. وشددت على تحديد إطار زمنى للتفاوض، تحاشيا لما يوصف بـ“المماطلات” الإثيوبية، ورفض اللجوء إلى حلول منفردة في مسألة ملء الخزان المتوقعة خلال الشهرين المقبلين، قبل رفع الخلاف إلى مستوى مجلس الأمن. وقالت رئيس البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، أماني الطويل، إن لجوء القاهرة إلى مجلس الأمن، من خلال شكوى رسمية جديدة، وليس خطابا تنبيهيا كما حدث في أوائل مايو الماضي، أمر طبيعي أمام تراجع إثيوبيا عن الالتزام بالإطار التفاوضي الخاص بمباحثات واشنطن، وتقديم ورقة جديدة تنسف نتائج المحادثات السابقة، بجانب طلبها المفاجئ بتقليص وجود المراقبين الدوليين، مع أن ذلك جاء وفقا لرغبتها. وأشارت، في تصريح لـ”العرب”، إلى أن القاهرة تعّول على وجود إرادة دولية بقوة دفع أميركية لاتخاذ إجراءات ربما تكون عقابية ضد أديس أبابا، ومجرد التحرك لعقد جلسة لمجلس الأمن وتناول القضية في أروقته لأن تصرفاتها تهدد الأمن القومي لمصر، يعد ورقة ضغط مهمة، سوف تنزعج منها إثيوبيا، فهي تعني نقل الصراع إلى مربع آخر. وأكدت مصر أنها ماضية في طريقها الدبلوماسي إلى آخر نفس، ونجحت في اكتساب مصداقية دولية حصلت عليها بالفعل من خلال مفاوضات واشنطن، بعد أن قدمت براهين تؤكد حرصا على التوافق عبر مفاوضات. تجد إثيوبيا نفسها الآن في موقف حرج على المستوى الدولي، بعد اتخاذها خطوات متناقضة، فهي تدعي التمسك بالتفاوض، وتصر على ملء خزان السد في موعده دون اكتراث بالآخرين، ويتبنى بعض المسؤولين فيها لغة العنف والقوة، بينما لم تتطرق القاهرة إلى ذلك وتثمن الحلول التفاوضية، وطالبت برقابة أفريقية ثم أعلنت التخلي عنها، وهكذا. يقول متابعون، إن مصر تصر على اتخاذ كل الخطوات الدبلوماسية لإجبار إثيوبيا على عدم التصرف بصورة منفردة، وتحرص على عدم التلويح بأي خيارات خشنة حاليا كي تحافظ على مصداقيتها، وعندما تضطر إلى اللجوء لها تبدو للمجتمع الدولي كمن استنفدت أدواتها السلمية. ويضيف المتابعون، أن الحكومة الإثيوبية التي تبنت خطاب المظلومية التنموية، بدأت تفقد الكثير من جوانبه مع تأكيد مصر على حقها في ذلك، وأصبحت في مأزق مع المعارضة عقب تصاعد الأزمات الداخلية بعد تأجيل الانتخابات، فالاتفاق مع مصر والسودان يعني التخلي عن كثير من ثوابتها المعلنة، والإصرار على التراجع قد يدخلها في دوامات محلية وخارجية، وبالتالي فإن لعبة الحبل المشدود أوشكت على نهاية إيجابية أو سلبية.
مشاركة :