من مكتبتي| الأمير أباظة: فن كتابة الكوميديا السينمائية إضافة للمكتبة السينمائية

  • 6/17/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ربما تصادف يومًا "كتاب" يغير بوصلة حياتك ويجعلك تأخذ منحنى آخر، وربما تأتي كلماته كصدمة، تجعلك تتجه إلى تغيير مصيرك، قد تترك عملك، قد تفكر في أشياء أخرى، قد يأتي لذهنك أفكارًا جنونية، أو يأخذك الكتاب إلى عوالم من السحر والأساطير، وربما تقرأ حكمة أو حوارًا داخليًّا لأحد أبطال رواية، أو بيت شعر في قصيده تصبح محور حياتك. وتمتلئ منازل الكتاب والأدباء والمثقفين بالمكتبات، ومئات الكتب، ولكن يظل في مخيلة وذهن كل كاتب "كِتاب" ترك أثر بداخله، وجعله يغير حياته، وفي السطور التالية سنجوب منازلهم ونبحث بداخل ذكرياتهم عن الكتب التي أثرت في مسيرتهم الأدبية والنقدية، أو تجربتهم الشعرية. ومن جانبة قال الكاتب الأمير أباظة: "أن كتاب "فن كتابة الكوميديا السينمائية" للكاتب الأمريكي جيرالد ماست، والذي ترجمه للعربية الكاتب السينمائي الكبير مصطفى محرم، والصادر عن المركز القومي للترجمة، ويرى مصطفى محرم أن ترجمة الكتاب للغة العربية ضرورةية، وأنه يُعد بمثابة إضافة حقيقية للمكتبة السينمائية، ويؤكد محرم أن أهمية الكتاب ليست في موضوعه فقط، ولا أسلوب التناول الكتاب، ويتناول الحديث عن عظماء هذا الفن ورواده من المخرجين والممثلين والمنتجين الذين اهتموا بهذا النوع من الفن السينمائي، والذي عشقه الجمهور عشقا لايزال يتزايد".ويؤكد محرم أن المشاهد العادي لايزال يهفو إلى الفيلم الكوميدي، ويفضله عن الفيلم الجاد، خاصة بعد أوقات العمل الصعبة، أو مشكلات الحياة خاصة في الأزمات الاقتصادية،فالبهجة مطلوبة ويسعى الناس إلى الاستمتاع بها، خاصة عندما يرتبط بالموسيقى والاستعراضات الجميلة والمواقف الكوميدية، ولذلك كثيرا مانجد الأفلام التي من هذا النوع توصف بأنها كوميديا موسيقية،أو أفلام كوميدية غنائية.يقوم جيرالد ماست في الكتاب بتقديم دراسة علمية منهجية عن الكوميديا، منذ الكوميديا اليونانية القديمة وتطورها على ثلاث مراحل، وهي العصر القديم، والعصر الوسيط، والعصر الحديث، وأعلام هذه العصور من كتاب المسرحية الكوميدية، ثم انتقال المسرحية بنوعيها التراجيديا والكوميديا إلى المسرح الروماني، ثم ماحدث بعد ذلك من توقف لظروف دينية، حيث ظهر الدين المسيحي وسيطر رجال الدين على مقتضيات الأمور، وانشغل الناس في أوروبا بتلك الأمور الدينية إلى أن جاء عصر النهضة، وانتعشت الآداب والفنون في القرن الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر.وفي أواخر القرن التاسع عشر اخترعت السينما عام 1895 وبدأت صناعتها في الانتشار،وكانت معظم الأفلام في البداية لاتتعدي الدقيقتين أو ثلاث دقائق على الأكثر، وكانت في الغالب،تدور في الغالب حول موقف كوميدي بسيط يعتمد على الحركة التي هي روح هذا الفن السينمائي الجديد.إن من يقرأ هذا الكتاب يدرك أن مؤلفه قد استغرق سنوات في الإعداد له قبل أن يبدأ في كتابته، حيث كان يبذل جهدا في الحصول على الأفلام التي من خلالها يستطيع أن يؤرخ للفترة الأولي من هذا الفن، فنجده يتحدث عن أفلام من الصعب الحصول عليها ومشاهدتها، أفلام مكانها الأرشيفات والمتاحف والدوائر العلمية التي تولي عناية كبيرة بالبحث في تاريخ الفن السينمائي.فنجد أن المؤلف يبدأ بحثه في هذا الكتاب منذ اختراع السينما وظهورها عام 1895علي يد مخترعها جان لوميير ومحاولاته، ومحاولات الرائد الآخر جورج ميلييه في صنع أفلام سينمائية.لم يكن بحث المؤلف عن طريق القراءة أو السمع فقط وانما اتخذ الطريق الصعب،وهو مشاهدة هذه القصاصات التي كان يعثر عليها بمشقة بالغة ةيتحايل في عرضها ليشاهد ماتحتويه من بدايات الحركة في السينما.كان ماست يمضي الليالي والأيام في محاولة مشاهدة هذا القصاصات بحالتها التي لا تتيح له المشاهدة الجيدة،فكان أشبه في حالته هذه بعالم المخطوطات القديمة الذي يقوم بقراءة مجموعة من المخطوطات التي نال منها الزمن فيحاول أن يستقي منها مايريده من معرفة بصبر وأناة مستعينا بخبرته لمعرفة تطور فن الكوميديا سينمائيا وتاريخيا وفنيا.وهو عندما يفعل ذلك فهو يقوم بالحديث عن الأفلام التي شاهدها وتحليلها بدقة فإنه كمن يريد أن يضع القاريء معه أمام الشاشة حتى يتخيل القارئ أنه يستعيد ما افتقده من عدم المشاهدة فيخيل إليه أنه يشاهد أفلام ماك سينيت وشارلي شابلن وبستر كيتون وهارولد لويد،الذين أصبحوا بالنسبة لنا أساطير فن الكوميديا السينمائية،وأصحاب الفضل الأول في تطور هذا الفن،فنجده يتحدث عن أفلامهم حديثا شائقا ويصفها وصفا دقيقا حتى أنه يحدثنا أيضا عن الملابس التي كان يرتديها كل واحد من هؤلاء العظماء الأربعة،ودلالة هذه الملابس بالنسبة لكل واحد منهم، فهي ليست مجرد ثياب يرتديها المهرج العظيم من أجل أن يزهو بها، ولكنها ملابس أصبحت جزءا لا ينفصل عن شخصيته.ونجد ماستيكتب عن أفلام هؤلاء الرواد بأسلوب كاتب السيناريو البارع،حين يعرض تفاصيل سيناريو الفيلم الذي شاهده ويكتب عنه،فيستخدم زمن المضارع الذي يستخدمه دائما كاتب السيناريو،مما يستخدم الجمل القصيرة التي تصف الأحداث في الصفحة على الجهة اليمني لوصف الحدث بينما يترك الجهة اليسري للحوار.وفي حديثه عن الأفلام وتحليلها وتقييمها فإنه يستخدم منهج التحليل والمقارنة الذين نجدهما في النقد الموضوعي وعندما يعود بنا المؤلف إلى أيام الكوميديا السينمائية الصامتة فإنه بحديثه وتحليلاته ومقارناته -رغم أنها لم تعد تعرض الا على بعض المتخصصين، وربما أعتقد الجمهور أنها كوميديا انتهي عهدها فإن المؤلف يعيد إليها الحياة بما يكتبه عنها وكأنها مازالت تعرض في زماننا حتى أننا نلهث من جراء سرعة أفلام سينيت وكيتون ونخشي من صدامات سياراتهم وقطاراتهم ذات السرعة الجنونية وطائراتهم المخترع العجيبة الشكل وهي تقتحم الشاشة بسرعات رهيبة.لعل قراءة هذا الكتاب قد تثير حماس كتابنا ونقادنا لدراسة السينما الكوميدية دراسة جادة وأن يدركوا مدي احتياجنا لهذا النوع من الأفلام.الكتاب رحلة مع تاريخ الفيلم الكوميدي وتطوره من مجرد بضع لقطات صامتة إلى أن تطور على مدي الزمن حتى أصبح فيلما يعتمد على الصورة والصوت.هذا الكتاب عن السينما الكوميدية،أو عن أفلام السينما الكوميدية، أو عن مفهوم السينما الكوميدية، وعن عظماء هذا الفن في العالم يقوم مؤلف هذا الكتاب بتقديم دراسة علمية منهجية عن فن الكوميديا على مر العصور وتطورها. الكتاب يقع في 492 صفحة من الحجم فوق المتوسط وهو إضافة حقيقية للمكتبة السينمائية العربية يستحق عليه مترجمه الكاتب السينمائي مصطفى محرم كل الشكر والتقدير ولا تنسي دور المركز القومي للترجمة في تقديم مثل تلك الإبداعات العالمية للقارئ المصري والعربي بتلك الجودة والرقي.

مشاركة :