رغم أن النظام السوري يخضع لعقوبات دولية فرضها عليه المجتمع الدولي، إلا أنه استشعر الخطر الحقيقي من «قانون قيصر» الذي أقرته الولايات المتحدة في ديسمبر الماضي، ليدخل حيز التنفيذ، اليوم، بما يزيد الضغوط على الرئيس بشار الأسد، وهو يصارع أزمة اقتصادية متصاعدة.فما الذي يجعل هذا القانون استثنائياً ومختلفاً عن العقوبات السابقة؟ ولماذا يخيف الأسد ويهدد نظامه بالانهيار خصوصاً أن القانون سيكبّل روسيا وإيران؟تشير واشنطن إلى أن «قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية لعام 2019»، يوفّر «آليّة قويّة لمحاسبة النظام السوري على فظائعه، وبموجبه لا ينبغي على أيّ شركة أجنبيّة الدخول في عمل مع هذا النظام أو إثرائه» و«يحرم نظام الأسد من الموارد الماليّة لتغذية حملات العنف التي قتلت مئات الآلاف من المدنيّين». وقد أخذ القانون إسمه من إسم مستعار لمصور سابق في الشرطة العسكرية انشق عن النظام عام 2013 حاملاً معه 55 ألف صورة تظهر الانتهاكات في السجون السورية، والتي هزت المجتمع الدولي بأكمله.ويستمر قانون العقوبات الجديد لخمس سنوات، ويتوقع أن تكون صعبة للغاية على النظام السوري، حيث يهدف إلى حماية المدنيين من العنف، ويفرض عقوبات اقتصادية ومالية ومصرفية تستهدف قطاعات أساسية يعتمد عليها الأسد، وهي النفط والغاز الطبيعي، والطائرات العسكرية والبناء، والهندسة.ويختلف هذا القانون عن العقوبات السابقة، بأن وضع قيودا مالية على سورية، وعلى الشركات التي تتسابق للتعامل مع دمشق، وغالبيتها روسية وإيرانية، فلا إعادة إعمار من دون معاقبة مرتكبي الأعمال الوحشية واقتيادهم للعدالة.القانون لا يلاحق الأفراد والكيانات التابعة للنظام السوري فحسب، بل ويتجاوز ذلك ليشمل الكيانات الاقتصادية التي تعمل معه، وهو ما سيحبط روسيا وإيران، اللتان كانتا تطمحان للاستفادة وتثبيت نفوذهما أكثر داخل الأراضي السورية من خلال شركاتهما.هذا القانون يطول الجميع، فإذا انخرط أي شخص أو كيان اقتصادي خاص أو حكومي في معاملات مع النظام السوري أو المؤسسات التابعة له، يحق للرئيس الأميركي فرض عقوبات عليه، حتى وإن كان التعاون فنيا أو تقنيا فقط. ويشمل القانون التعاملات مع الحكومة والمؤسسات التابعة لها والكيانات التي تعمل مع الجهات العسكرية أو شبه العسكرية داخل سورية.ويحظر بيع أو توفير السلع والخدمات أو المعلومات عن علم أو غير علم إذا كان يساعد الحكومة على التوسع في استخراج وتكرير الغاز والمنتجات البترولية، أو توفير قطع الصيانة والمعدات الخاصة بصيانة وتشغيل الطائرات العسكرية.لكن قانون «قيصر» يكتسب أهمية خاصة وذلك يعود إلى خمس نقاط أساسية، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان:- ارتباط «قيصر» بقانون الدفاع الوطني الأميركي، ما يعني أن واشنطن توجه رسالة للنظام السوري والقوى الدولية والإقليمية (روسيا وإيران) على وجه التحديد، بأن الوضع في سورية مقرون بالأمن القومي الأميركي. - القانون الجديد يأتي في وقت تعاني منه سورية من الانقسام والحرب والتناحر والعجز السياسي والاقتصادي، ناهيك عن أن السوريين في الخارج هم من دفعوا بفرض مثل هذا القانون. - إن «قانون قيصر» يشمل جميع الداعمين للنظام السوري سواء كانوا أشخاصا حقيقيين أو اعتباريين، وكذلك كل أشكال الدعم حتى لو كانت تحت مسمى إعادة الإعمار في إشارة إلى دول كالصين التي تسعى للاستثمار ضمن عمليات إعادة الإعمار، في محاولة لسد الثغرات التي شابت العقوبات الأميركية والأوروبية القائمة بالفعل.- بهذا القانون، فإن أميركيا تعود في شكل قوي للسيطرة على الملف السوري وانخراط في مجرياته، بعدما تصدرت روسيا المشهد من خلال توفيق أوضاعها مع النظام عن طريق عدد من الصفقات عززت من موقفها وسيطرتها على الطرق الدولية للتجارة بسورية. - القانون سيطوق النظام ويجرد الأسد من داعميه؛ حيث خص القانون بالذكر روسيا وإيران، وسعى لإمساك الولايات المتحدة بكل خيوط اللعبة السياسية، سواء على صعيد النظام الذي يحاول تخفيف الخناق الاقتصادي عليه أو إنهائه وقد يمتثل بدوره للمطالب الأميركية، أو على صعيد عقد واشنطن صفقاتها مع عدد من الفصائل بهدف إخضاع النظام لما يخدم المصالح الأميركية في المنطقة، أو تجميع القوى المعارضة في مواجهة النظام لتطويعه أو إسقاطه. ما المطلوب لرفع العقوبات؟ حدد «قانون قيصر»، عدداً من المطالب لرفع العقوبات عن سورية، منها وقف القصف الجوي الذي ينفذه النظام أو القوات الروسية داخل الأراضي السورية، والتزام كل الأطراف بعدم قصف المنشآت الطبية والمجمعات السكنية والمدارس، ورفع القيود المتعلقة بوصول المساعدات الإنسانية للشعب السوري.كما يجب أن يتم محاكمة مرتكبي الجرائم في سورية، وإطلاق المعتقلين السياسيين، ومنح المنظمات الدولية حق الوصول للسجون، وتأمين العودة الآمنة للاجئين في الخارج.
مشاركة :