قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بسحب أكثر من ربع القوات الأميركية المتمركزة في ألمانيا، ترك المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، مكشوفة تماماً، في الوقت الذي تواجه ضغوطاً متزايدة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حيث رحبت العاصمة الروسية موسكو بانسحاب الجنود الأميركيين. ويقول الدبلوماسي الروسي السابق، فلاديمير فرولوف، الذي أصبح الآن محللاً للسياسة الخارجية: «إن ترامب يبصق في وجه ميركل، ولكن هذا يصبّ في مصلحتنا». بعد أيام من عدم اليقين، قال مكتب ميركل، الأسبوع الماضي، إنه تم إبلاغها بالانسحاب المزمع، ورفض مسؤول صحافي بالبيت الأبيض مراراً تأكيد المداولات. لكن تقارير وسائل الإعلام جعلت أجراس الإنذار تدق في برلين، حيث اعتبر محللون هذه الخطوة من جانب أميركا علامة أخرى على برودة العلاقة عبر المحيط الأطلسي، وعلى الأولويات المتغيرة في واشنطن. وسواء كان الرئيس الأميركي ينوي تقويض جهود ميركل في مواجهة روسيا أم لا، فإن هذا هو أحدث مثال على لجوئه لإزعاج القادة الأوروبيين بابتكاره سياسة لا يمكن توقعها. في وقت سابق من هذا العام، مع تفشي جائحة «كوفيد-19» في إيطاليا، حظر ترامب الرحلات الجوية من الاتحاد الأوروبي، من دون أن يخطر القادة الأوروبيين، وفي الماضي أبدى شكوكه حول بند الدفاع المتبادل لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، حيث يدعم هذا البند أمن القارة. حيلة انتخابية ويقول المشرع البارز بحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بيتر باير، الذي تنتمي إليه ميركل، إنه لايزال غير متأكد ما إذا كانت التقارير «بالون اختبار» أم حيلة لحملة ترامب. وقال في مقابلة: «إذا كان الرئيس يهدف إلى ذلك، فهذا يعني أنه يعمل على إضعاف التحالف عبر الأطلسي»، وأضاف: «إن ذلك لن يكون في مصلحة حلف شمال الأطلسي وأعضائه، بما في ذلك الولايات المتحدة، لكن في مصلحة الصين وروسيا». إن رحيل 9500 جندي أميركي من شأنه أن يوجد بيئة جيوسياسية سامة لميركل، حيث يتطلع ترامب إلى تنظيم لقاء مباشر مع الرئيس الروسي في قمة مجموعة السبع، خلال الخريف المقبل، والضغط على ألمانيا لاتخاذ موقف أكثر صرامة مع الصين، أكبر شريك تجاري لها. وقال فرولوف إن بوتين من جهته ينظر إلى المستشارة على أنها بطة عرجاء، لأنها أعلنت أنها لن تترشح عندما تنتهي ولايتها الرابعة العام المقبل. تاريخ من المواجهات ميركل براغماتية عملاقة، لها تاريخ في محاولة التعامل مع بوتين، واستطاعت الحفاظ على العلاقات مع الكرملين منذ أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا بشأن شبه جزيرة القرم، ومضت قدماً مع مشروع خط أنابيب غاز «نورد ستريم 2» عبر بحر البلطيق، على الرغم من العداء المتزايد من قبل واشنطن لهذا المشروع. هناك الآن شكوك حول ما إذا كان هذا المشروع، الذي تبلغ قيمته 15 مليار دولار، سيمضي قدماً، في الوقت الذي تهدد فيه العقوبات الأميركية الشركات المشاركة. ويقول المسؤولون الألمان إنهم محبطون لأنهم لم يحصلوا إلا على القليل جداً في استثمار علاقتهم مع بوتين. وتتعرض المستشارة الآن لضغوط محلية بسبب ما تم الكشف عنه حديثاً، عن دور المخابرات العسكرية الروسية في هجوم إلكتروني على البوندستاغ، عام 2015، بالإضافة إلى توترات جديدة في المفاوضات بشأن أوكرانيا، وفقاً لمسؤولين ألمان. وأكدت ميركل البرود الجديد في العلاقة في خطاب السياسة الخارجية الشهر الماضي. وقالت إن روسيا «تدعم الأنظمة العميلة في أجزاء من شرق أوكرانيا، وتهاجم الديمقراطيات الغربية، بما في ذلك ألمانيا، بموارد هجينة». في غضون ذلك، سترسل الولايات المتحدة مسؤولين كباراً إلى فيينا في 22 يونيو، لإجراء محادثات حول الحد من التسلح مع نظرائهم الروس. وتريد إدارة ترامب مساعدة موسكو في إدخال الصين عبر مفاوضات أوسع نطاقاً، للحد من مخزونات الأسلحة النووية للدول الثلاث. علاقات متأزمة وصلت علاقة ميركل مع بوتين، الذي عمل ضابطاً بالمخابرات السوفييتية في ألمانيا الشرقية قبل انهيار جدار برلين، إلى نقطة متدنية في نهاية مايو، واستدعت وزارة الخارجية الألمانية السفير الروسي، بعد أن استنتج المدّعون الفيدراليون أن ضابطًا في المخابرات العسكرية الروسية متورط في هجوم عام 2015 على شبكات الكمبيوتر في البوندستاغ، وقالت ميركل إن تدخل روسيا كان «شائناً»، وقالت وزارة الخارجية إن ألمانيا ستنشر آلية جديدة للأمن السيبراني في الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات ضد المشتبه فيهم. رجل قويأدى مقتل رجل جورجي، في 23 أغسطس الماضي، في وضح النهار بمتنزه كلينر تيرجارتن، على بعد مسافة قصيرة من مكتب ميركل، إلى تبادل طرد الدبلوماسيين بين برلين وموسكو في ذلك الوقت، ويقول المدعي الفيدرالي الألماني، الذي تولى التحقيق في ديسمبر، إن هناك أدلة على تورط الدولة الروسية في هذا الهجوم أيضاً. وبينما ينتظر المسؤولون نتائج التحقيق، تقول الوزارة إنها «مستعدة صراحة لمزيد من الإجراءات» ضد موسكو. وما زاد الطين بلة أن المحادثات الهادفة إلى وضع حد للقتال في شرق أوكرانيا لاتزال تراوح مكانها، ولم تسفر عن أي شيء، حيث يشكو المسؤولون الألمان أن روسيا تصر على تقديم نفسها وسيطاً في النزاع بدلاً من أن تكون مشاركاً، وفقاً لأشخاص على دراية بالمحادثات، وقالوا إن الموقف يقوّض عملية مينسك التي انطلقت منذ خمس سنوات، والتي حددت إطاراً للمفاوضات. كان لدى الاشتراكيين الديمقراطيين، الشريك الأصغر في ائتلاف ميركل، نهج أكثر تصالحاً مع روسيا من الديمقراطيين المسيحيين، لكنهم الآن يطالبون المستشارة بالوقوف في وجه بوتين. ويقول النائب البارز في الحزب الاشتراكي الديمقراطي عضو لجنة الشؤون الخارجية في البوندستاغ، نيلز شميد، في مقابلة: «لا يمكننا السماح بحدوث مثل هذه الأشياء على الأراضي الألمانية، إننا لن نقبل ذلك». بوتين ينظر إلى ميركل على أنها «بطة عرجاء»، بعد أن أعلنت أنها لن تترشح عندما تنتهي ولايتها الرابعة العام المقبل. المحادثات الهادفة إلى وضع حد للقتال في شرق أوكرانيا لاتزال تراوح مكانها، ولم تسفر عن أي شيء، حيث يشكو المسؤولون الألمان أن روسيا تصرّ على تقديم نفسها وسيطاً في النزاع بدلاً من أن تكون مشاركاً، وفقاً لأشخاص على دراية بالمحادثات. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :