تتفاقم أزمات لبنان الذي لم ينجح قادته في التوصل إلى اتفاق سريع من صندوق النقد الدولي لانتشال البلد من أزمته المالية الخانقة. وتحولت مخاوف اللبنانيين من أن يطل شبح الحرب الأهلية من جديد، في ظل عدم التزام السلطة بتعهداتها المتوعدة بمكافحة الفساد. وظهرت بوادر الانفجار الاجتماعي مباشرة بعد كل الانتقادات الموجّهة للتعيينات الأخيرة التي لم ترض الشارع المحتج، ما جعل الوضع يتأزم أكثر مع تكثف عمليات البلطجة واستعمل السلاح بمناطق مختلفة. بيروت- يتجه لبنان المأزوم اقتصاديا إلى أزمة اجتماعية خانقة أملاها فشل الطبقة السياسية في وجود مخارج للوضع المتدهور منذ أشهر، ما جعل الوضع يخرج عن السيطرة في كثير من المناطق جراء تضاعف عمليات البلطجة واستعمال الأسلحة لتصفية معارك فردية. ومع تصاعد العنف في لبنان، يحمل الكثير من المراقبين مسؤولية هذا الوضع للطبقة السياسية الحاكمة التي تقر بالبدء في علميات إصلاح، يتهمها المعارضون والشارع المحتج بأنها لا تخرج عن دوائر التوزيع الطائفي للمناصب في الدولة غير المتسق مع شعارات التغيير التي يرفعها المحتجون. وانزلق لبنان الغارق في الديون من سيء لأسوأ عندما تضافرت عوامل تباطؤ التدفقات المالية من الخارج والاحتجاجات على الفساد وتحولت إلى أزمة سياسية ومصرفية ومالية. وزادت حدة غضب الشارع حين تبددت آمال التوصل إلى اتفاق سريع مع صندوق النقد الدولي لانتشال لبنان من أزمته، إذ تعقدت المحادثات بخلاف بين الحكومة والبنك المركزي على حجم الخسائر في النظام المالي. وظهرت بوادر تؤشر على اتجاه البلد إلى حرب أهلية، تتحمل مسؤوليتها الطبقة السياسية الحاكمة وفي مقدمتها حسان دياب الذي يتهم بالزيغ عن خطه السياسي الذي رفع شعار محاربة الفساد والفاسدين مهما كانت انتماءاتهم الحزبية. وتفاقمت المخاوف من ألا يحدث أي تغيير بفعل تعيينات في عدة مناصب بالحكومة والبنك المركزي الأسبوع الماضي انتقدها معارضون وبعض حلفاء الحكومة ووصفوها بأنها قائمة على أسس طائفية لا على الجدارة. ارتفاع نسب الجريمة حسان دياب متهم بالزيغ عن خطه السياسي الذي رفع شعار محاربة الفساد والفاسدين مهما كانت انتماءاتهم الحزبية حسان دياب متهم بالزيغ عن خطه السياسي الذي رفع شعار محاربة الفساد والفاسدين مهما كانت انتماءاتهم الحزبية كنتيجة لهذا الإخفاق السياسي، ازدادت في لبنان جرائم القتل وسرقة شقق سكنيّة وسيّارات واستخدام السلاح في خلافات فردية بمناطق مختلفة، ما أطلق مخاوف متصاعدة من انتشار أوسع ومكثف لهذه الجرائم، في ظل أوضاع متأزمة يعانيها اللبنانيون. وتعود هذه الظواهر التي كانت قد تراجعت في السنوات الماضية إلى تردي الوضع المعيشي الذي يعيش على وقع أسوأ أزمة منذ انتهاء الحرب الأهلية 1975 – 1990. وتعيش غالبيّة المناطق اللبنانيّة في خوف مع ارتفاع عدد المتسوّلين واقتحام منازل بقوّة السلاح والنشَلَ وسرقة سيارات نهارا، ما يدلّ على عدم اكتراث الجناة بالعواقب القانونية لجرائمهم. ويقول محمد شمس الدين، باحث بالشركة الدوليّة للمعلومات، إن “حوادث السرقة، من نشَلَ ومنازل، ارتفعت 20 في المئة عن العام الماضي، إذ بلغت 704 حالات سرقة خلال أشهر يناير وفبراير ومارس وأبريل 2020”. انزلق لبنان الغارق في الديون من سيء لأسوأ عندما تضافرت عوامل تباطؤ التدفقات المالية من الخارج والاحتجاجات على الفساد وتحولت إلى أزمة سياسية ومصرفية ومالية وحول عدد السيارات المسروقة خلال الأشهر الأربعة، أفاد بأن “سرقة السيارات ارتفعت بنسبة 46 في المئة، ليصل عدد السيارات المسروقة إلى 230، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، حيث سُرقت 157 سيارة”. واستنادا إلى دراسة أجراها، يوضح شمس الدين أن “جرائم القتل ارتفعت بنسبة 103 في المئة، ليصل عددها إلى 118 حالة، وبالتالي هناك 30 حالة قتل إضافيّة عن العام الماضي”. ويضيف أن “هناك نحو 1.1 مليون لبناني، أي 25 في المئة من اللبنانيين، يعيشون تحت خط الفقر، أي أن دخلهم لا يكفي لتوفير كميات الغذاء الضروري”. ويردف “قبل انتفاضة 17 أكتوبر الماضي، كان عدد العاطلين عن العمل 350 ألفا، أي 25 في المئة من حجم القوى العاملة، ومنذ ذلك الوقت وحتى أبريل 2020 خسر 80 ألف موظف أعمالهم، وبات عدد العاطلين 430 ألفا، أي 32 في المئة، وهناك 220 ألف موظّف لا يزالون في وظائفهم، لكن يتقاضون بين 25 أو 50 أو 75 في المئة من رواتبهم”. ويضيف “بلغ عدد المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة والكبيرة التي أُغلقت 8 آلاف”. ويشهد لبنان احتجاجات شعبية غير مسبوقة، تطالب برحيل الطبقة السياسية، التي يحمّلها المحتجون المسؤولية عن “الفساد المستشري” في مؤسّسات الدولة، والذي يرون فيه السبب الأساسي للانهيار المالي والاقتصادي. أزمة أمنية فشل الطبقة السياسية في وجود مخارج للوضع المتدهور فشل الطبقة السياسية في وجود مخارج للوضع المتدهور تعليقا على كل هذه النسب المقلقة، تقول مصادر أمنية في المقابل، إن “السرقات التي سجّلتها القوى الأمنيّة في آخر خمسة أشهر من العام الماضي وأوّل خمسة أشهر من هذا العام، ارتفعت 32.7 في المئة”. وتضيف المصادر “مبدئيّا المنازل هي الأكثر عرضة للسرقة، خصوصا مع توجّه معظم سكان المدينة إلى الأرياف في الصيف.. ولم نلحظ أرقاما مرتفعة جديدة، وغالبيّة أعمال السرقة يرتكبها أصحاب سوابق ومدمنون على المخدرات”. وتشدد على أن “الجهات الأمنيّة تلاحق المجرمين والعصابات وتعاقبهم على أفعالهم.. عصابات سرقة الصيدليّات، التي حصلت في الآونة الأخيرة، تمّ سوقهم إلى العادلة”. ولمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصاديّة وجائحة فايروس كورونا المستجد، أقرّت السلطات اللبنانيّة أواخر مايو الماضي قانونا لفتح اعتماد بقيمة 1200 مليار ليرة (نحو 796 مليون دولار) لدعم شبكة الأمان الاجتماعي، كما وزعت مساعدات مالية على 180 ألف عائلة لبنانيّة. وبحسب مراقبين، جاءت الخطوتان في وقت متأخر، لاسيّما وأنّ العملة المحليّة سجّلت تراجعات حادّة إلى 4 آلاف ليرة مقابل الدولار الأميركي الواحد بالسوق الموازية (غير الرسمية)، مقابل 1507 ليرات لدى البنك المركزي. ومنعا لتفاقم معاناة الأسر اللبنانية، تعمل جمعيّات خيرية محلية ومنظمات دوليّة على تأمين مواد غذائيّة. وتقول رئيسة قسم التسويق والعلاقات العامّة في جمعيّة “بنين” الخيريّة (غير حكومية)، فيرنا جبور، إن المساعدات وصلت إلى 11 ألف عائلة. وتضيف جبور “الطبقة الوسطى هي الأكثر تضرّرا، لذلك الطلب على المساعدة في الجمعيّة ارتفع بنسبة 200 في المئة”. وتابعت “نضع في صناديق الإعاشات المواد الغذائيّة الأساسيّة التي لا يمكن الاستغناء عنها، كالأرز والمعلّبات والحبوب، بالإضافة إلى مواد تعقيميّة، خصوصا مع انتشار كورونا”. نتيجة الإخفاق السياسي في لبنان ازدادت جرائم القتل والسرقة واستخدام السلاح في خلافات فردية بمناطق مختلفة وتوضح المتحدّثة باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في لبنان، هدى السمرا، أن “نسبة طلب المساعدة الإغاثيّة (صحيّة، ماليّة، تربويّة) من جانب اللاجئين الفلسطينيين زادت بشكل ملحوظ مع خسارة عدد غير مستهان به من المياومين (العاملين بأجر يومي) مدخولهم بسبب الأوضاع في لبنان”. وأضافت “جائحة كورونا لديها تداعيات سلبيّة، ولاسيما مع إعلان التعبئة العامّة لمواجهة الفايروس، ممّا أدّى إلى تراجع مدخول أهالي المخيّمات الذين يعانون من التهميش والفقر والبطالة”. وبحسب أحدث معطيات لإدارة الإحصاء المركزي اللبنانية لعام 2017، يعيش نحو 174 ألف لاجئ فلسطيني في 12 مخيما و156 تجمعا بمحافظات لبنان الخمس. وتستطرد السمرا “جرّاء هذا الوضع رُفع نداءٌ عاجلٌ إلى الأونروا للتمويل خلال مارس الماضي، وكانت قيمته التقريبيّة 17 مليون دولار لكافّة أماكن تغطية الأونروا”. وتأسست “أونروا” بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، لتقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس، وهي الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة، وتقدم خدماتها حاليا لنحو 5.4 مليون لاجئ. وتتابع “لم نحصل على التمويل المطلوب، لذلك في الشهر الماضي ومع تأزّم الأوضاع، جدّدنا النداء العاجل للتمويل، ورفعنا قيمته إلى 93 مليون دولار، وهذا النداء يغطي حاجات الأونروا من مارس إلى يوليو”. السرقات التي سجّلتها القوى الأمنيّة في آخر خمسة أشهر من العام الماضي وأوّل خمسة أشهر من هذا العام ارتفعت 32.7 في المئة السرقات التي سجّلتها القوى الأمنيّة في آخر خمسة أشهر من العام الماضي وأوّل خمسة أشهر من هذا العام ارتفعت 32.7 في المئة ويفسر خبراء ومراقبون تنامي نسب الجريمة والعنف بتضاعف نسب الفقر في البلاد مؤخرا، حيث تقول لانا قصقص أخصائية نفسيّة واجتماعيّة “الفقر والعوز المالي من أبرز الأسباب التي تدفع الشخص إلى السرقة، لاسيّما وأنّ من يقدم على هذه الخطوة لا يملك وظيفة يعتاش منها”. وتضيف “العامل الاقتصادي مهمّ، لكنّه لا يُحدّد السلوك الاجتماعي، فالفقر يأتي مصحوبا بالجهل والحرمان معا، وما ينجم عن ذلك من ممارسات خاطئة، في ظلّ غياب الاستقرار الاجتماعي”. وختمت بالتحذير من “ارتفاع نسبة هذه الظاهرة (السرقة)، مع تنامي البطالة والغلاء الفاحش”. ورفع المحتجون في لبنان مطالب اقتصادية وسياسية، وأجبروا حكومة سعد الحريري على الاستقالة في 29 أكتوبر الماضي، وحلت محلها حكومة حسان دياب في 11 فبراير. وأقرت حكومة دياب في 30 أبريل الماضي خطة إنقاذ اقتصادية، تستمر خمس سنوات، وبدأت في 11 مايو مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل لمعالجة أزمة اقتصادية دفعت لبنان إلى تعليق سداد ديونه الخارجية.
مشاركة :