رغم صدور قانون الحقوق المدنية الذى حقق المساواة القانونية بين المواطنين السود والبيض في الولايات المتحدة، لا تزال آثار الفصل العنصرى مستمرة في أمريكا وتبرز آثارها في شكل حادث مأساوى ضخم بين الحين والآخر، مثل حادث قتل المواطن جورج فلويد الذى أعقبته احتجاجات واسعة النطاق.تلك الحادثة تلقى بالضوء على جانب العنصرية الذى يحاول الكثيرون إخفاءه أو التغاضى عنه رغم استمراره على نطاق كبير في المستويين الاقتصادى والاجتماعي، فما يزال أصحاب البشرة السمراء ينعزلون في مناطق وأحياء خاصة على امتداد الولايات المتحدة، كحي"هارلم» الشهير في نيويورك، و«مونت كلير» في نيوجيرسى، و«رستون» في فيرجينيا، و«يونيفرستى بارك» في إلينوي؛ كما لا يزال السود يعملون بنسبة كبيرة في الوظائف الأقل أجرًا. وفى كتابه «تفكيك أمريكا» الصادرة طبعته الأولى في القاهرة عام ١٩٩٨، يقول رضا هلال، وهو كاتب وصحفى مصرى أقام لفترة في الولايات المتحدة، إن معضلة الحلم الأمريكى الدائمة هى التفرقة العنصرية رغم ما دشنته وثيقة إعلان الاستقلال الصادرة في الرابع من يوليو ١٧٧٦، وأكده دستور الولايات المتحدة الأمريكية على أن «جميع البشر خلقوا متساوين، وأنهم وهبوا من خالقهم حقوق غير قابلة للتصرف، وأن من بين هذه الحقوق حق الحياة والحرية والسعى وراء السعادة».ورغم ذلك النص الواضح، لكن القائمين على الدولة الجديدة من ذوى الأصول الأنجلوساكسونية رأوا أن الإنسان الأسود ليس معنيًا بتلك المواد، حيث قضت المحكمة العليا الأمريكية في عام ١٨٥٧ بأن السود «غير مخاطبين بوثيقة إعلان الاستقلال التى كفلت مبدأ المساواة بين جميع البشر». وذكر قاضى المحكمة العليا أن السود عند وضع الدستور والموافقة عليه «كانوا يعدون كائنات من مرتبة دنيا تنحدر إلى مستوى ليس لهم فيه أى حق يلزم المواطنين البيض باحترامه». مؤكدًا أن المحكمة العليا «تتقيد بأحكام الدستور الذى يضمن للمواطنين حقوقهم في الملكية التى تشمل حق ملكية الأراضى وحق ملكية العبيد».وأشار هلال في كتابه إلى أنه في أعقاب الحرب الأهلية، التى اندلعت بسبب الخلاف حول قضية إلغاء العبودية، صدرت قوانين تفرغ مضمون التعديل الدستورى الـ١٤ والـ١٥ من دستور الولايات المتحدة الأمريكية، التى تضمن حقوق المواطن الأسود في المحاكمة القانونية وفى التصويت والانتخاب، مع أن تلك التعديلات وما تلاها من أحكام المحكمة العليا استهدفت المساواة بين السود والبيض، لكن الهدف ظل هو المساواة مع الفصل، ما ظهر بوضوح في أحكام هذه المحكمة عام ١٨٩٦، التى حكمت بأن السود والبيض «ينبغى أن يكونوا منفصلين ولكن متساويين». وقد استمر الأمر على هذا النحو حتى عام ١٩٥٤ الذى شهد إلغاء التمييز العنصرى في المدارس؛ لكن ذلك أيضًا لم ينهِ مظاهر التمييز العنصرى الأخرى، والتى على إثرها انطلقت احتجاجات حركة الحقوق المدنية بقيادة مارتن لوثر كينج، وظلت تتصاعد حتى أدت إلى صدور قانون الحقوق المدنية الأمريكية في عام ١٩٦٨، وهو العام نفسه الذى شهد اغتيال كينج.وذكر هلال في كتابه عددًا من الإحصائيات القضائية ترجع إلى عام ١٩٩٣، وتعطى لمحة عن مستوى العنف القائم بين السود والبيض، الناجم عن أوضاع التمييز التاريخية في البلاد، إذ بلغت جرائم العنف العنصرى ٦٢٧٧٥٩ جريمة، بينها ٤٨١٤٧٠ جريمة اعتداء، ١٧٤٩٥٥ جريمة سرقة، و٢٠٣٠٤ جريمة اغتصاب؛ كما مثّلت إحصائيات الوفاة في تلك الفترة في الولايات المتحدة جراء الحوادث والأمراض الفيروسية كمرض الإيدز، سبعة وثلاثة أضعاف على التوالى للسود عن نظرائهم من البيض.
مشاركة :