وصل قانون قيصر، ولسان حال الجميع في سوريا يردد المثل الشعبي القائل “الله لا كان جاب الغلا”. فهو لن يكون محط ترحيب من السكان قبل النظام؛ لأنه ببساطة يزيد من الضائقة الاقتصادية في حياتهم أضعاف ما هي عليه اليوم. أما نظام الأسد فهو صامد إلى أن تقرر الولايات المتحدة وروسيا إزاحته. وحتى تحين تلك الساعة سيبقى يمثل الشعب السوري في المحافل الدولية والأممية. قانون قيصر هو قائمة مرنة من العقوبات الأميركية في شروطها وتنفيذها. لم تأت لإنصاف السوريين ولا لحماية المدنيين، وإنما لتأديب النظام في المكان والزمان اللذين يخدمان مصالح واشنطن. هي عصاً تقود بها أميركا النظام وحلفاءه إلى فعل ما تريده في سوريا من الآن فصاعداً. ليس لأنهم تمردوا عليها فيما مضى، ولكن لأن الأزمة في البلاد قد بلغت مرحلة تحتاج إلى القيادة الأميركية المباشرة. الضرر الاقتصادي الذي سيلحق بالسوريين في الداخل هو الجانب الوحيد الملموس لإعصار قيصر كما يروج له خصوم دمشق. ذلك هو التأثير السريع للقانون. ولكن الإدارة الأميركية تراهن على جملة من التغيرات الجذرية التي يمكن أن يحدثها قيصر في الأزمة على المدى المتوسط والطويل. قد لا يكون إسقاط النظام من بين هذه التغيرات في نهاية المطاف، وقد يكون إن قارنا سوريا بالعراق. استبق الروس تنفيذ قانون قيصر بالموافقة على حوار جديد مع الأميركيين حول الأزمة السورية. هم يعرفون أن في هذا الحوار منافع تفوق الأضرار بكثير تبدو المقارنة بين الدولتين مغرية بالنسبة إلى البعض. ففي العراق استغرق إسقاط نظام صدام حسين نحو خمسة عشر عاماً. المرحلة الأولى تمثلت بالضغط العسكري، ثم جاء الحصار الاقتصادي الذي حددت خلاله واشنطن ساعة الصفر لإزاحة الرئيس. ربما يكون استدعاء هذه المقاربة مفيداً الآن، وربما يحصل تشابه في النهايات فعلاً. وسواء كان هدف قانون قيصر إسقاط نظام بشار الأسد أم تقويم سلوكه، كما يقول المسؤولون الأميركيون، فإن الولايات المتحدة لا تستعجل إحداث التغيرات الجذرية في سوريا، لأن عقوبات القانون مزاجية في الوقت والتنفيذ وفقا لما يستجد من أحداث. وبالتالي تترك الإدارة الأميركية باب المصالحة مفتوحاً ليس فقط أمام نظام دمشق وإنما أمام الروس والإيرانيين ألد خصومها في سوريا. بشكل أو بآخر يعلن قانون قيصر نهاية الحرب بمعناها العسكري في سوريا، وبالتالي جميع المناطق التي لا تزال خارج سيطرة النظام يجب أن تعود إليه عبر الحوار بين الأطراف المحلية والخارجية المعنية. هذا يفترض عدم شن قوات النظام وحلفائها أي حرب على مدينة إدلب أو مناطق شرق الفرات مستقبلاً. وهذا يعني أيضاً أن مفاوضات جنيف المتوقفة يجب أن تتحرك إلى الأمام. القانون الأميركي الجديد يقول أيضاً إن التطبيع مع دمشق لم يحن وقته بعد. وإعادة الإعمار في سوريا لن تمر إلا عبر مناقصات تقرها الولايات المتحدة. ثمة قائمة شروط طويلة لهذه المناقصات سيعلن عنها من واشنطن بعد عدة أشهر على أقرب تقدير. ولكن البند الأول فيها هو بقاء المصرف المركزي السوري بعيداً عن متناول قانون قيصر، أو أي عقوبات أميركية أو أممية أخرى. قانون قيصر عصاً تقود بها أميركا النظام وحلفاءه إلى فعل ما تريده في سوريا من الآن فصاعداً. ليس لأنهم تمردوا عليها فيما مضى، ولكن لأن الأزمة في البلاد قد بلغت مرحلة تحتاج إلى القيادة الأميركية المباشرة من رسائل قيصر أيضا أن التفاهمات السابقة حول الأزمة السورية، سواء التي أبرمت مع واشنطن أو دونها، انتهى مفعولها. حان الوقت لاتفاقات جديدة، سرية وعلانية، ترسم ملامح المرحلة المقبلة. ثلاثي أستانة يتلمس التغيرات الأميركية المنشودة في الأزمة السورية عبر قانون قيصر. الروس والأتراك والإيرانيون، يجلسون اليوم تحت ظلاله، ويبحثون كيفية الحفاظ على مصالحهم في سوريا وفقا لمعاييره. قد يبدو أن تركيا باتت الطرف الأقوى بين الثلاثة بعد إصدار القانون، ولكن الحقيقة أن الروس سيبقون أصحاب الكلمة العليا لأنهم حلقة الوصل الوحيدة بين حلفاء دمشق وخصومها. استبق الروس تنفيذ قانون قيصر بالموافقة على حوار جديد مع الأميركيين حول الأزمة السورية. هم يعرفون أن في هذا الحوار منافع تفوق الأضرار بكثير، لأن الولايات المتحدة قبلت سلفا بوجودهم الشرعي الدائم فوق الأراضي السورية. وبالتالي فإن الحوار المرتقب مهما كانت أجندته، سيدور فقط حول ترتيب الأوضاع بما يلبي المصالح الأميركية والروسية على حد السواء. وحيثما تلتقي مصلحة الروس والأميركيين تتراجع فرص الأتراك والإيرانيين في سوريا. فالإيرانيون أو الخمينيون بتعبير أدق، يعتقدون أن الخصومة مع واشنطن لا تتأثر بالزمن ونتيجتها تبقى لصالحهم مهما طال أجلها. أما السلطان العثماني الجديد فيظن أن الرئيس دونالد ترامب يمكن أن يمنحه سوريا وليبيا والقارة العجوز بأكملها فقط كي يتراجع عن صفقة شراء صواريخ إس 400 من روسيا. لن يُحدِث قانون قيصر تغيرات سريعة إلا في قوت السوريين الذين باتوا ينقسمون بين جائع يرى الوطن رغيف خبز، ولاجئ يحلم ببضعة أمتار في وطنه يدفن فيها. أما التغيرات المتأنية التي يخطط لها الروس والأميركيون فهي تتقلب على نار هادئة، ولن يعجل بها إلا حدث جلل مثل حرب مع إيران، أو ثورة جياع، أو انقلاب على رأس النظام، أو ربما يتدخل القدر وتكون النهاية بطوفان على شاكلة طوفان نوح. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :