حقوق العمال بين المواثيق الدولية والقوانين الوطنية

  • 6/18/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

اهتم المجتمع الدولي منذ عهد طويل بالعمل والعمال، فظهرت منظمة ‏العمل الدولية عام 1919، ثم تحولت إلى وكالة متخصصة تابعة ‏لمنظمة الأمم المتحدة عام 1946، وقد وضع على كاهلها صياغة ‏المعايير الدولية المتعلقة بالعمل في ظل ظروف وبيئات متغيرة، وقد ‏شكلت تلك المعايير نبراسا لحق العمل دون تمييز، وترتيب جملة من ‏الحقوق المتعلقة بعدد من المجالات منها السلامة والصحة المهنية، ‏وحماية الفئات الخاصة من العمال والضمان الاجتماعي وحماية ‏الأجور وغيرها، كما تضمن الإعلان المئوي لمستقبل العمل لعام ‏‏2019 إرشادات العمل اللائق في ظل الأزمات، قد وضعت مسارات ‏متعددة لبناء القدرة على الصمود في ظل الأزمات مبنية على احترام ‏حقوق الإنسان وسيادة القانون ومعايير العمل الدولية.‏ ومما لا شك فيه أن انتشار فيروس كورونا المستجد ‏Covid 19‏ قد ‏خلف آثارا سلبية كثيرة على أوضاع العمل والعمال حول العالم، حيث ‏تشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى إمكانية فقدان 25 مليون ‏وظيفة في العالم نتيجة تفشي الوباء، حيث دفع انتشار الوباء دول ‏العالم إلى اتخاذ تدابير وقائية واحترازية تضمنت غلق المدارس ‏والجامعات وحركة الطيران والبضائع وتوقف قطاعات السياحة ‏والنقل وغيرها باستثناء قطاع الصحة، وفي الوقت نفسه انتعشت ‏قطاعات إنتاج وبيع المعقمات وأدوات الوقاية والصيدلة وغيرها، ‏ولجأت العديد من الشركات إلى وقف كلي أو جزئي لنشاطها، ‏وتسريح العمال أو إجبارهم على أخذ إجازات دون راتب وغيرها من ‏الممارسات التي جارت على حقوق العمال.‏ ومن هنا يمكن التطرق إلى محورين مهمين يتمثلان في الآتي:‏ المحور الأول: معايير العمل الدولية المتعلقة بحقوق العمال خلال ‏الأزمات:‏ ‏ (1): الحوار الاجتماعي:‏ تم التأكيد على أهمية الحوار الاجتماعي خلال الأزمات من أجل ‏تحقيق الانتعاش الاقتصادي ودعم قدرة الأفراد والمؤسسات على ‏الصمود، (توصية منظمة العمل الدولية رقم 205 لسنة 2017)، ‏حيث أبرزت عدة مبادئ في مقدمتها منع فقد الوظيفة والمحافظة على ‏مستوى الدخل، وتأسيس عدالة وفقا لاتفاقية سياسة العمالة رقم 122 ‏لسنة 1964.‏ وفي حال تعليق العمل لأسباب تتعلق بالسلامة والصحة، أوجب على ‏المؤسسات وغيرها تقديم إعانات بطالة أو مساعدات تعويضية للعمال ‏وفق نص المادة (10) من اتفاقية النهوض بالعمالة والحماية من ‏البطالة رقم 168 لسنة 1988.‏ كما أكدت المادة (4) من اتفاقية إنهاء الاستخدام رقم 158 لسنة ‏‏1982 على أنه لا يمكن إنهاء استخدام عامل إلا بوجود سبب صحيح ‏يرتبط بمقدرة العامل أو سلوكه أو يستند إلى مقتضيات تشغيل ‏المرفق، ولا يشكل التغيب المؤقت عن العمل بسبب مرض أو ‏مسؤوليات عائلية سبباً مشروعاً لإنهاء الاستخدام، أما في حال الفصل ‏الجماعي لأسباب اقتصادية فطالبت المواد (13, 14) من الاتفاقية ‏نفسها من أصحاب العمل بتزويد العمال بالمعلومات والقواعد المتخذة ‏للتخفيف من آثاره. ‏ وفي مثل هذه الظروف تدفع الأجور دوريا، وفي حال إنهاء عقد ‏الاستخدام تجري تسوية للمستحقات خلال مرحلة زمنية معقولة. ولقد كانت الإجراءات الاحترازية ومعدات الوقاية خلال العمل ‏موضع اهتمام من قبل اتفاقية السلامة والصحة المهنيتين رقم 155 ‏لسنة 1981، والتي ألزمت صاحب العمل بتوفير حد ممكن ومعقول ‏من ملابس الوقاية والمعدات دون تحميل العامل أي تكلفة، كما يوفر ‏التدريب والمعلومات المناسبة حول السلامة وطرقها، وإشراكهم في ‏الرأي فيما يتعلق بالتدابير الخاصة بالتعامل مع الأزمة أو حالات ‏الطوارئ والإبلاغ الفوري لمفتشي العمل عن أي حالات أمراض ‏مهنية تظهر. وعلى العمال معاونة صاحب العمل أو المؤسسة في تطبيق التدابير ‏الاحترازية، وفي حال إصابة العامل بعدوى خلال مباشرة عملة ‏أعتبر من الأمراض المهنية ويحق له التعويض النقدي والرعاية ‏الطبية وإجازة مرضية، ويجب أن يحظى بإعانات نقدية.‏ وتوصي المعايير المعتمدة من قبل منظمة العمل الدولية بالمرونة في ‏حالات الطوارئ الطبية فيما يتعلق بعدد ساعات العمل، حيث سمحت ‏للهيئة المختصة بتحديد تلك الظروف التي يمكن خلالها السماح ‏باستثناءات في ساعات العمل، والتي غالبا تقع تحت بند القوة القاهرة ‏أو ضغط العمل، أو الكوارث الطبية (الفقرة 280).‏ ‏ (2): العمل عن بعد في حالة الأوبئة: وهو العوار الذي اعترى ‏معايير العمل الدولي في إطار اتفاقيات منظمة العمل الدولية، وهذا ما ‏استدركته لجنة الخبراء في إطار الدراسة الاستقصائية العامة بشأن ‏أدوات وأوقات العمل، وكذلك الدراسة الاستقصائية العامة بشأن ‏العمالة والعمل اللائقة في ظل ظروف متغيرة.‏ ‏ (3): العلاقة العقدية: والتي تتمثل في عقد العمل والمستقر فيه أن ‏الاستحالة المؤقتة لتنفيذ العقد لا توجب فسخه، بل توقف تنفيذه حتى ‏زوال تلك الاستحالة وهي ما يطلق عليها نظرية وقف العقد، سواء ‏كانت الاستحالة من قبل العامل أو العمل تحت ظروف القوة القاهرة. ‏ وقد حددت التشريعات الوطنية هذه القوة القاهرة، منها التشريع ‏المصري والتي تتمثل في الحرب، والاضطرابات المدنية، وأعمال ‏الشغب، والأوبئة والحرائق، والفيضانات والزلازل... إلخ.‏ المحور الثاني: حقوق العمال في ظل كورونا في التشريعات العربية:‏ تمثل التوجه القومي العربي لتحسين ظروف العمل وشروطه في قرار ‏قيام منظمة العمل العربية، لما له من أهمية خاصة في هذا الشأن، ‏ولقد دعمت التشريعات العربية كثيرا من حقوق العمال في كثير من ‏المجالات، إلا أنها ما زالت تحتاج إلى كثير من التعديلات، وقد عملت ‏دول عربية ومنها دولة الكويت على طرح مشروعات لتعديل قوانين ‏العمل، خاصة في القطاع الأهلي يسمح للشركات بتخفيض الرواتب ‏في ظل أزمة كورونا، ومنح العمال إجازة خاصة بأجر مخفض لا ‏يقل عن الحد الأدنى للأجر، ولا يمكن تخفيض الأجر بأكثر من ‏‏50 % منه، وهو أمر لا يتماشى مع معايير العمل الدولية طالما لم ‏توقف نشاط المؤسسة.‏

مشاركة :