صدرت عن عدد من الدوائر الفاتيكانية وثيقة بعنوان "في مسيرة من أجل العناية بالبيت المشترك". تسعى هذه الوثيقة إلى أن تقدم لا للكاثوليك فقط توجيها للتصرف ودعوة كل مسيحي إلى علاقة سليمة مع الخليقة، وجاءت مع الاحتفال بمرور 5 سنوات على صدور الرسالة العامة للبابا فرنسيس "كن مسبَّحًا"،وقد شارك في صياغة الوثيقة المؤسسات المرتبطة بالكرسي الرسولي والتي تعمل بشكل أكبر في هذا المجال، وأيضا يعض مجالس الأساقفة والمنظمات الكاثوليكية. وتسلط الوثيقة، والتي صيغت قبل انتشار وباء فيروس كورونا، الضوء على الرسالة الأساسية للرسالة العامة "كن مسبَّحًا"، وهي أن كل شيء هو في ترابط وليست هناك أزمات منفصلة بل أزمة اجتماعية بيئية مركبة تتطلب ارتدادا إيكولوجيا حقيقيا.ونشرت الصفحة الرسمية للفاتيكان، اليوم الخميس، يتوقف القسم الأول من هذه الوثيقة عند الحاجة الضرورية إلى ارتداد إيكولوجي وتغيير في أسلوب التفكير يقود إلى العناية بالحياة وبالخليقة، وأيضا الحاجة إلى الحوار مع الآخر وإلى الوعي بالترابط العميق بين مشكلات العالم. تدعو الوثيقة بالتالي إلى تثمين مبادرات مثل "زمن الخليقة" وأيضا التقاليد التي تعلِّم التأمل والصلاة والعمل والخدمة، وذلك للتربية على إدراك الرباط بين التوازن الشخصي والاجتماعي والبيئي. هذا وتشدد الوثيقة على مركزية الحياة والشخص البشري حيث لا يمكن الدفاع عن الطبيعة بدون الدفاع عن كل كائن بشري. ومن هنا ينطلق مفهوم الخطيئة ضد الحياة البشرية، وذلك أيضا لمواجهة ثقافة الإقصاء بثقافة العناية. يشدد القسم الأول من الوثيقة من جهة أخرى على كون العائلة رائدة في الإيكولوجيا المتكاملة حيث تقوم على مبادئ الشركة والخصوبة، ويمكنها أن تصبح مكانا تربويا مميزا يتم فيه تعلم احترام الكائنات البشرية والخليقة. ولهذا تتحدث الوثيقة عن الدعوة الموجهة إلى الدول لتعزيز سياسات من أجل تنمية العائلات، كما وتوجَّه الدعوة إلى المدارس كي تكتسب مركزية جديدة، دعوة إلى مستقبل تنمية للقدرة على التمييز والفكر النقدي والعمل المسئول. وتقترح الوثيقة هنا تعزيز الرباط بين البيت والمدرسة والرعية، وإطلاق مشاريع تنشئة على المواطنة الإيكولوجية تنشر بين الشباب نموذجا جديدا للعلاقات يتجاوز الفردانية من أجل التضامن والمسئولية والعناية. الجامعات بدورها مدعوة إلى أن تجعل رسالتها مرتبطة بالإيكولوجيا المتكاملة كدعامة أساسية، وذلك بتشجيع الطلاب على العمل في مهن تسهِّل تغيرات بيئية إيجابية. ومن هنا توجه الوثيقة الدعوة إلى دراسة لاهوت الخليقة والعلاقة بين الكائن البشري والعالم، مع الوعي بأن العناية بالخليقة تتطلب تربية متواصلة وميثاقا تربويا حقيقيا بين جميع الأطراف المعنية. هذا وتشدد الوثيقة قي قسمها الأول على كون الالتزام بالعناية بالبيت المشترك جزءً متكاملا من الحياة المسيحية وليس مجرد اختيار ثانوي، وتؤكد أن العناية بالبيت المشترك هي مكان ممتاز للحوار والتعاون سواء على الصعيد المسكوني أو بين الأديان، حيث بمكن للأديان بفضل حكمتها أن تشجع أسلوب حياة متأمل وبسيط يقود إلى تجاوز تدهور الكوكب. ويختتم القسم الأول من الوثيقة بفصل مخصص للاتصالات وتشابهها العميق مع العناية بالبيت المشترك، فكلاهما يقومان على الشركة والعلاقات والترابط. وتتحدث الوثيقة عن إيكولوجيا وسائل اتصالات يجب في إطارها تسليط الضوء على الرباط بين مصير الإنسان والبيئة الطبيعية، وتحفيز مسئولية المواطنين على مواجهة ما تُعرف بالأنباء الزائفة. يبدأ القسم الثاني من الوثيقة بالحديث عن الغذاء، ويذكِّر بكلمات البابا فرنسيس في الرسالة العامة "كن مسبَّحًا": "الطعام الذي يُرمى هو طعام مسروق من مائدة الفقراء" (50). تدين الوثيقة بالتالي هدر الغذاء باعتباره فعل ظلم وتدعو إلى زراعة متنوعة ومستدامة للدفاع عن صغار المنتجين والموارد الطبيعية، وأيضا إلى تربية غذائية سليمة كمّا ونوعا. تدعو الوثيقة أيضا إلى مواجهة ظواهر مثل الاستيلاء على الأراضي والمشاريع الزراعية الغذائية الملوِّثة، وإلى حماية التنوع البيولوجي. ونجد أصداء هذه الدعوات أيضا في الفصل المخصص للمياه والتي يُعتبر الحصول عليها حقا إنسانيا أساسيا، حيث توجَّه الدعوة إلى عدم هدر المياه وإلى تجاوز معايير الكسب التي تؤدي إلى خصخصة هذا الخير الطبيعي. توجَّه الدعوة أيضا إلى تقليص التلوث وإخلاء قطاع الطاقة والاقتصاد من استخدام الكاربون، وأيضا إلى الاستثمار في الطاقة النظيفة والمتجددة. ولكونها في مركز الإيكولوحيا المتكاملة تتوقف الوثيقة في هذا القسم عند البحار والمحيطات والتي يجب أن تتمحور إدارتها حول كونها خيرا عاما للعائلة البشرية بكاملةا. وتدعو الوثيقة إلى تشجيع اقتصاد دائرى لا يقوم على استغلال مبالغ فيه لموارد الإنتاج، بل على الحفاظ عليها على المدى الطويل. كما ويُدعى القطاع الخاص إلى العمل بشفافية وإلى إصلاح في مجال استخدام المحروقات الأحفورية. ويُدعى قطاع العمل إلى تعزيز تنمية اجتماعية اقتصادية مستدامة للقضاء على الفقر، وإلى عمل كريم وأجور عادلة ومحاربة عمالة القاصرين والعمل غير الشرعي. على قطاع المالية من جانبه التركيز على أولية الخير العام وإغلاق الملاذات الضريبية ومعاقبة المؤسسات المالية المتورطة في عمليات غير شرعية. وفي حديثها إلى المؤسسات تشدد الوثيقة على أولية المجتمع المدني والذي يجب أن تكون في خدمته السياسة والحكومة والإدارات. وتدعو الوثيقة إلى عولمةِ ديمقراطية اجتماعية وإلى رؤية بعيدة المدى تقوم على العدالة والأخلاقيات ومحاربة الفساد. وتتطرق الوثيقة في هذا القسم أيضا إلى الصحة والمساواة والعدالة الاجتماعية، ثم تتوقف عند القضية المناخية وأهميتها البيئية والأخلاقية، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتأثيرها على الفقراء بشكل خاص. وتتحدث عن الحاجة إلى نموذج جديد للتنمية يربط بين محاربة التغيرات المناخية ومحاربة الفقر وذلك في تماشٍ مع العقيدة الاجتماعية للكنيسة. ومن بين ما تقترح الوثيقة إعادة تشجير مناطق مثل الأمازون ودعم المسيرة الدولية الساعية إلى تعريف فئة المهاجرين واللاجئين المناخيين.هذا وتخصص الوثيقة قسمها الأخير لالتزام دولة حاضرة الفاتيكان في أربعة مجالات تطبَّق فيها توجيهات الرسالة العامة "كن مسبَّحًا"، وهي حماية البيئة، حماية الموارد المائية، حماية المناطق الخضراء، واستهلاك موارد الطاقة.
مشاركة :