في تصوير محرج لأحداث دارت في الكواليس، اتهم جون بولتون، دونالد ترامب بارتكاب أخطاء فادحة، منها أنه طلب المساعدة من الرئيس الصيني شي جينبينغ للفوز بولاية رئاسية ثانية في انتخابات العام 2020، في حين رفض الرئيس الأميركي، التصريحات المدوية لمستشاره السابق للأمن القومي، وكتب في تغريدة أن «كتاب بولتون (...) هو مجموعة أكاذيب وروايات مختلقة، كلها بهدف إظهاري بصورة سيئة». وأضاف: «الكثير من التصريحات السخيفة التي ينسبها إليّ لم أقلها يوماً، خيال بحت. يحاول فقط الانتقام لأنني أقلته».وكان ترامب صرح في وقت سابق، لقناة «فوكس نيوز»، بأن بولتون سيخالف القانون، وقد يواجه «مشكلة جنائية» إذا لم يوقف نشر الكتاب في 23 يونيو الجاري.وأضاف للصحافيين في البيت الأبيض، أن أي محادثات أجرياها كانت سرية.وتتهم الإدارة الأميركية في دعواها بولتون بتهمة «خرق شروط التعاقد».في المقابل، اعتبر بولتون، في مقابلة مع قناة «إيه بي سي»، في معرض حديثه عن الرئيس الأميركي: «لا أعتقد أنه مؤهل للمنصب. لا أعتقد أن لديه الكفاءة لتولي هذا المنصب».وفي مقتطفات نشرتها صحف «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال»، من كتابه «من قاعة الحدث: مذكرات من البيت الأبيض»، أورد بولتون إن ترامب عبّر عن استعداده لوقف تحقيقات جنائية وإسداء «معروف شخصي لطغاة يحبهم».وتابع: «كنت أودّ أن أطبع كلمات ترامب نفسها، لكنّ عملية المراجعة الحكومية المسبقة للنشر قرّرت عكس ذلك»، في إشارة إلى ضرورة إخضاع مسوّدة كتابه للتدقيق من قبل وكالات أميركية قبل أشهر.واعتبر في وصفه لحلقات عدّة من سلوكيات ترامب، أنّ «إعاقة العدالة بدت كأنّها أسلوب حياة لم نتمكّن من تقبّله». وتصور المقتطفات، رئيساً يسخر منه كبار مستشاريه، ويعرّض نفسه لاتهامات بعدم الأهلية، أشد بكثير من تلك التي دفعت مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديموقراطيون للسعي إلى مساءلته وعزله العام الماضي.وبرّأ مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون ساحة ترامب في أوائل فبراير الماضي. وكان الرئيس الجمهوري يواجه اتهامات بتعليق مساعدات عسكرية لأوكرانيا العام الماضي للضغط على رئيسها فولوديمير زيلينسكي، كي يكشف عن معلومات تضر بمنافسه الديموقراطي في انتخابات الرئاسة جو بايدن.وكشف بولتون، انه «لو لم ينشغل الديموقراطيون المؤيدون للمساءلة بقضية أوكرانيا في 2019، ولو أنهم استغلوا الوقت في التقصي بأسلوب أكثر منهجية في مسار ترامب في مجمل سياساته الخارجية، لربما جاءت نتيجة المساءلة مختلفة تماماً».تقليدياً، يرى الديموقراطيون في بولتون، داعية حروب وشخصاً شديد التطرف، إلّا أنه يمثل الآن مصدراً مهماً يوفّر لهم معلومات ومواقف موثقة تضرّ بموقف ترامب في سباق انتخابات الثالث من نوفمبر المقبل. ويشير منتقدو بولتون، إلى أنه أحجم عن الشهادة في استجواب بمجلس النواب في وقت ربما كان حديثه فيه في غاية الأهمية.وشنّ النائب الديموقراطي آدم شيف، الذي قاد فريق الادّعاء في قضية مساءلة الرئيس الجمهوري، هجوماً على بولتون، الذي هدد في ذلك الوقت بأنه «سيقيم دعوى قضائية إذا استدعي للمثول أمام لجنة التحقيق».وكتب شيف على «تويتر»، الأربعاء: «لقد فضّل الاحتفاظ بالمعلومات من أجل كتاب... بولتون ربما كان مؤلفاً، لكنه يفتقر للحس الوطني».مساعدة من الصين غير أن كتاب بولتون يقدّم ذريعة جديدة لمنتقدي ترامب قبل انتخابات الرئاسة المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل، بما في ذلك حوارات منسوبة لترامب مع الرئيس الصيني تطرقت في إحدى المرات لموضوع الانتخابات الرئاسية.وفي أكثر الروايات إضراراً بترامب، من جانب أحد المطلعين على ما يدور في دهاليز إدارته، وذلك بعد أيام فحسب من اتهام وزير الدفاع السابق جيم ماتيس، للرئيس، بأنه يحاول تقسيم أميركا، كتب بولتون «ثم حوّل ترامب، ويا للعجب، دفة الحديث إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، ملمّحاً الى قدرات الصين الاقتصادية للتأثير في الحملات الجارية، وملتمسًا من شي أن يضمن أنه سيفوز».وأضاف أنّ ترامب شدّد على أهمية المزارعين الأميركيين وكيف أنّ «زيادة الصين مشترياتها من فول الصويا والقمح» يمكن أن تؤثر في النتيجة الانتخابية في الولايات المتحدة. ووفق بولتون، شكا جينبينغ، من أن بعض المنتقدين الأميركيين للصين يدعون إلى «حرب باردة جديدة».وقال إن ترامب افترض أن الرئيس الصيني كان يشير إلى خصومه الديموقراطيين.وعندما وافق الرئيس الصيني على جعل النقاش حول المنتجات الزراعية، أولوية، وصفه ترامب بأنه «أعظم قائد في تاريخ الصين».واعترض الممثل التجاري للولايات المتحدة مساء الأربعاء على رواية بولتون، قائلاً إن طلب المساعدة في إعادة الانتخاب «لم يحصل مطلقاً».وذكر روبرت لايتهايزر، في إفادة أمام مجلس الشيوخ: «كنت حاضراً في الاجتماع. ألا أتذكر شيئاً بهذا الجنون؟ بالقطع كنت سأتذكر». وأضاف: «من المؤكد أن هذا لم يحدث قط في الاجتماع. هذا جنون مطلق.»وقال تشاو لي جيان، الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، أمس، لدى سؤاله عما قاله بولتون، إن بكين «لا تنوي التدخل في الانتخابات أو في أي شأن داخلي أميركي».ورغم انتقاد إدارة ترامب بشدة للاحتجاز الجماعي لأقلية الأويغور المسلمة ومجموعات أخرى مسلمة في معسكرات صينية، اعلن بولتون إن ترامب أعطى الرئيس الصيني «الضوء الأخضر» في يونيو 2019 أثناء وجود الاثنين في قمة أوساكا لمجموعة العشرين.وكتب: «وفقا لمترجمنا، قال ترامب إن على شي أن يمضي قدماً في بناء المعسكرات، وهو ما رأى ترامب أنه الشيء الصحيح الذي يجب عمله». وأضاف أن مسؤولا بارزا آخر في البيت الأبيض قال إن ترامب أدلى بتصريحات مماثلة خلال زيارته للصين في نوفمبر 2017.ولا يزال باستطاعة كتاب بولتون أن يشتت تركيز حملة ترامب الرئاسية، التي تنازع لإيجاد موطئ قدم قبل خمسة أشهر من موعد الانتخابات.من جانبه، قال بايدن في بيان: «إذا صدقت هذه الروايات، فإنها لن تكون بغيضة أخلاقياً وحسب، بل تمثل انتهاكاً لواجب دونالد ترامب المقدس أمام الشعب الأميركي».ورفعت الإدارة الأميركية دعوى لمنع بولتون من نشر الكتاب، مشيرة إلى مخاطر تمس الأمن القومي، وهي تسعى إلى انعقاد جلسة في المحكمة، اليوم.وبعد ساعات من رفع القضية أمام المحكمة الاتحادية في العاصمة واشنطن، اختار المستشار السابق أن يُعيد نشر تغريدة بيان للاتحاد الأميركي للحقوق المدنية، يؤكد فيها على حق بولتون الدستوري طبقاً للتعديل الأول في نشر كتاب عن فترة عمله في البيت الأبيض.وأعلنت دار النشر «سايمون اند شوستر»، أنها وزّعت بالفعل «مئات الآلاف من النسخ». وذكرت في بيان، أن كتاب بولتون يقدّم شهادة مطلعة عن «عملية صنع القرار غير المتسقة والمتخبطة» لترامب.وأضافت أن الكتاب يسرد بالتفصيل معاملات ترامب مع الصين وروسيا وأوكرانيا وكوريا الشمالية وإيران والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا. وتابعت: «هذا هو الكتاب الذي لا يريدك ترامب أن تقرأه». واستشهد بولتون بعدد لا يحصى من المحادثات التي أبدى فيها ترامب «سلوكاً غير مقبول على الإطلاق على نحو قوض شرعية الرئاسة ذاتها».ورغم انتقادات ترامب العلنية للصحافيين، نسب كتاب بولتون، للرئيس، تصريحات من أكثر أحاديثه مدعاة للتوقف. فخلال اجتماع انعقد في نيوجرسي في صيف 2019، قال ترامب حسب رواية بولتون، إن الصحافيين يجب إيداعهم السجون حتى يكشفوا عن مصادرهم: «هؤلاء يجب إعدامهم. إنهم حثالة». بومبيو فكّر في الاستقالةوتطرق بولتون في كتابه إلى عملية صنع القرار في الإدارة الأميركية، وقال إن الاجتماع الأسبوعي الذي يرأسه ترامب، إما في قاعة روزفلت أو في المكتب البيضاوي، «كان أشبه بعراك على الطعام في المدارس».وكشف المسؤول السابق، أن أقرب مستشاري ترامب، بمَنْ فيهم وزير الخارجية مايك بومبيو، فكّروا بالاستقالة لشعورهم بالاشمئزاز والإحباط.وأضاف بولتون: «لقد شكّك في دوافع أشخاص، ورأى مؤامرات خلف الصخور، واستمر بشكل مذهل على غير اطلاع على كيفية إدارة البيت الأبيض، ناهيك عن الحكومة الفيديرالية الضخمة».وأشار إلى أن بومبيو - الذي يعتبر مخلصاً لترامب بشكل عام - اشتكى ذات مرة من أنه يعاني «سكتة قلبية» أثناء محادثة هاتفية رئاسية مع رئيس كوريا الجنوبية. فنلندا وسكريبال وتناول بولتون، مواقف لترامب، ومنها أنه مرة سأل، إن كانت فنلندا دولة أو جزءاً تابعاً لروسيا؟وكتب: «قبل قمة ترامب و(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين في هلسنكي، سأل ترامب مستشاريه إن كانت فنلندا جزءاً من روسيا. وفي طريقه إلى اجتماع هلسنكي، توقف ترامب ليلتقي رئيسة الوزراء البريطانية (حينها) تيريزا ماي». وتابع: «خلال اللقاء (ترامب) مع ماي، تطرق مستشار الأمن القومي البريطاني إلى قضية تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال في سالزبري البريطانية، العام الماضي، واصفاً ذلك الهجوم بأنه ضد قوة نووية. ترامب حينها سأل: اه... هل أنتم قوة نووية؟ وهو سؤال كنت أعلم أنه لم يكن بنية المزاح».وأضاف بولتون أن ترامب وفي العديد من المرات خلط بين الرئيس الأفغاني أشرف غاني والرئيس السابق حميد كرزي.وكتب بولتون، أن في إحدى المناسبات قال الرئيس الأميركي إنه سيهدد بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي، إن فشل الحلفاء في الكتلة في زيادة الإنفاق الدفاعي. عملية السلام وتناول مستشار الأمن القومي السابق، قضية عملية السلام، وكتب ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «كان متردداً بتوكيل التوصل إلى نهاية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني إلى جاريد كوشنر، الذي جمعته مع عائلته علاقة على مدى سنوات».وقال إن نتنياهو «كان سياسياً بما فيه الكفاية بعدم معارضة الفكرة على الملأ، لكن كالعديد من الناس في العالم، تساءل: لماذا كوشنر سينجح في حين فشل أشخاص آخرون بالمهمة مثل وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر»؟وشغل بولتون، منصب مستشار الأمن القومي خلال الفترة من أبريل 2018 إلى سبتمبر 2019، ليكون ثالث شخصية تشغل هذا المنصب في عهد ترامب، لكنه أقيل من منصبه عقب خلافات حول السياسة الخارجية تجاه الانسحاب من أفغانستان وفكرة دعوة قادة «طالبان» لزيارة واشنطن.
مشاركة :