العقوبات البديلة تحجّم الجريمة وتعود بالنفع على الفرد والمجتمع

  • 6/19/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أكد حقوقيون وقانونيون أن قانون العقوبات البديلة رقم (18) لسنة 2017 يُعد من القوانين المميزة والمهمة في المسيرة التشريعية والحقوقية والإنسانية لمملكة البحرين، إذ جاء هذا القانون ليؤكد استمرار نهج المملكة نحو تعزيز وحماية حقوق الإنسان بصفة عامة، وفي الوقت ذاته يؤكد مدى جدية التزام المملكة بانضمامها إلى مختلف الاتفاقيات والصكوك الدولية ذات العلاقة، وهو بلا شك ثمرة من ثمرات المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المفدى.وقد نوه المستشار الدكتور مال الله الحمادي رئيس لجنة زيارة أماكن الاحتجاز والمرافق، عضو مفوضي مجلس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، بما صاحب إصدار هذا القانون من تطبيقات عملية على أرض الواقع، فقد بلغ عدد المستفيدين من العقوبات البديلة حتى الآن ما يقارب 2700 شخص، وكان هذا ضمن التوجيهات بالتوسع في تنفيذه، إذ تم حث مختلف الجهات الحكومية والخاصة على استيعاب المستفيدين من هذا القانون لتنفيذ العقوبة بالعمل في خدمة المجتمع، بالإضافة إلى زيادة وتنوع الخدمات والأعمال الداخلة ضمن تنفيذ هذه العقوبة.وأضاف الدكتور الحمادي أن تطبيق قانون العقوبات البديلة واستفادة المحكومين منه يؤدي إلى تحقيق الردع العام والردع الخاص بطريقة أو بأخرى، كأي عقوبة أخرى، بالإضافة إلى تحقيقه العدالة؛ لأن الهدف من أي عقوبة أخيرًا هو الإصلاح والتأهيل، والعقوبات البديلة بأنواعها المختلفة المنصوص عليها في القانون تحقق ذات الغرض والهدف، إذ إن هذه العقوبات البديلة في حقيقتها عقوبات يقضيها الشخص المدان طوال المدة المحددة في الحكم ابتداءً، أو طوال المدة المتبقية من المدة الكلية المحكوم بها، وإذا ما تقاعس أو خالف المستفيد من هذه العقوبات الشروط والإجراءات المطلوبة، أو إذا ما عاد إلى ارتكاب أي من الجرائم، فسيعود لمواصلة قضاء المدة الأصلية المحكوم بها أو وفق ما يقرّره القاضي بشأن الجرائم الأخرى.وقال إنه يجب أن ننظر جميعًا إلى هذا القانون من الناحية الإنسانية والحقوقية أيضًا، فالإنسان هو محور وثروة الأوطان، وحقه في الحرية والحياة من أهم حقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق والصكوك الدولية، وإن الحفاظ عليه وعلى استقرار أسرته وعائلته مطلب مهم جدًا وسبب من أسباب استقرار المجتمعات عامة.ومن ناحية أخرى، فإن عودة المدان إلى ممارسة حياته الطبيعية بين أسرته وأهله وأصدقائه ومجتمعه عامة تسهم بصورة كبيرة في اختصار طريق طويل جدًا لمسألة انخراطه في المجتمع وتقبل الجميع له، ومن ثم نسيانه الماضي والسعي مجددًا نحو بناء حياة جديدة ينعم من خلالها بالأمن والأمان والطمأنينة، وتوفير الكسب اللائق لمعيشته ومعيشة أسرته.واختتم المستشار الدكتور مال الله الحمادي رئيس لجنة زيارة أماكن الاحتجاز والمرافق عضو مفوضي مجلس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بأنه يجب أن نفخر جميعًا بما وصلت إليه مملكتنا الغالية في التوسع والتطبيق العملي الجاد لهذا القانون، وما يوليه المسؤولون من اهتمام في هذا الجانب، هذا من ناحية، ومدى ما حصل من تطور ملحوظ في إجراءات مراكز الإصلاح والتأهيل فيما يتعلق بهذا الموضوع، من ناحية أخرى. بدوره، أثني المحامي ياسر جاسم الصحاف على صدور قانون العقوبة البديلة رقم 18 لسنة 2017، وهو القانون الذي منح المحاكم والنيابة العامة سلطة واسعة في استبدال عقوبة الحبس التي سيُقضى بها على المتهم في المحاكم، أو في حالة صدر حكم على متهم بالإدانة بالحبس لمدة لا تزيد على سنة أو تزيد على سنة ولا تجاوز خمس سنوات، بأن تستبدل عقوبة الحبس بعقوبات بديلة وفق ظروف معيّنة شخصية أو صحية أو اشتراطات أخرى، وقد جاءت على سبيل الحصر (العمل في خدمة المجتمع، الإقامة الجبرية في مكان محدد، حظر ارتياد مكان أو أماكن محددة، التعهد بعدم التعرض أو الاتصال، الخضوع للمراقبة الإلكترونية، حضور برامج التأهيل والتدريب، إصلاح الضرر الناشئ عن الجريمة).وأضاف أن القانون لم يطبق على القضايا التي كانت تتداول حينها في المحاكم الجنائية، وكانت الأحكام تصدر دون تطبيق قانون العقوبة البديلة والذي كان حينها يُعد قانونًا أصلح للمتهم، وقد تصدت محكمة التمييز لهذه الأحكام؛ كون تطبيقها من النظام العام، ونقضت أحكامها وأحالتها إلى المحاكم لتحكم فيها من جديد. ونوه المحامي ياسر الصحاف بتوجيهات جلالة الملك المفدى بالتوسع في تطبيق العقوبات البديلة، وبتوجيهات وزير الداخلية بتطبيق العقوبة البديلة على نطاق واسع، كما تعاملت المحاكم الجنائية بأنواعها في تطبيق قانون العقوبة البديلة، إذ تم إصدار أحكامها وتسبيبها في ذلك، وقد انعكس ذلك كله على المجتمع بأكمله، فقد أصبح المحكوم عليه ينفذ العقوبة وهو في بيته وسط أسرته، وأصبح المحكوم عليه يقدم خدمته لمجتمعه حسب تخصصه، فبعضهم تم استبدال عقوبته بعمل متلقي مكالمات (أوبريتر) في بعض الوزارات، وبعضهم عمل في الاستقبال، وغيرها من أعمال التي يفخر بها كل بحريني غيور على مملكتنا الغالية.وقال المحامي الصحاف إن مما لا يختلف عليه اثنان أن مملكة البحرين -كما عهدناها- سبّاقة، إذ تعد من الدول الأولى التي طبقت قانون العقوبة البديلة، حيث أضحى المحكوم عليه مستقرًا من الناحية النفسية والوظيفة، فهو ينفذ عقوبته ويسكن مع عائلته وبعضهم ينفذ عقوبته مساءً ويؤدي عمله صباحًا، ونتيجة لذلك أصبح المجتمع أكثر استقرارًا من السابق، كما أن المحكوم عليه اكتسب الخبرة وقد تجنب الاختلاط داخل السجون بعتاة الإجرام الذين تفوق عقوبتهم مدة السنة، وهو ما عاد ويعود على المجتمع والفرد بالنفع الشديد وتحجيم الجريمة في المجتمع، معربًا عن شكره وتقديره لوزارة الداخلية ووزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف والمجلس الأعلى للقضاء والنيابة العامة، وبعض الوزارات والهيئات المساعدة في إنجاح وتنفيذ وتطبيق قانون العقوبة البديلة. من جانب آخر، أشار المحامي خالد علي سلمان إلى أن الهدف الأساسي من العقاب هو مكافحة الظاهرة الإجرامية من خلال ردع المجرمين وإصلاحهم وتحقيق العدالة المجتمعية، فإذا كانت العقوبة سالبة للحرية من خلال الحبس أو غرامة مالية أو كليهمها معا، أصبحت مع تطور الجرائم واختلاف أنواعها ووسائلها وزيادة عدد المساجين مصدرًا لإعادة النظر من قبل القانونين؛ لما تفرزه من آثار سلبية على المجتمع، وحتى على المحكوم عليهم نفسهم من النواحي الأخلاقية والنفسية والاقتصادية والمجتمعية أيضًا.وأضاف أنه لهذه الأسباب برز التفكير نحو تطبيق نظام العقوبات البديلة لبعض أنواع الجرائم ولفئة معيّنة من المحكوم عليهم؛ من أجل إصلاحهم وإعادة دمجهم داخل المجتمع، والتي يقصد بها «اتخاذ عقوبات غير حبسية ضد المذنبين، أو استخدام عقوبات غير حبسية بدلاً من العقوبات الحبسية».وقد تبنّت مملكة البحرين نظام العقوبات البديلة ليصبح نهجًا ومنهاجًا تسير عليه الدولة ومؤسساتها لترسيخ سيادة القانون وتحقيق العدالة للجميع، وهو ما أكده صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بضرورة تعزيز جميع الإمكانات المتاحة للمحكوم عليهم؛ بغية إصلاحهم وإعادة دمجهم في المجتمع، وفق الرؤية الحضارية التي تعلو فيها قيمة الإنسان وكرامته، بما يحافظ على نسيجه المجتمعي، فصدر قانون رقم (18) لسنة 2017 الذي أكد في مادته الثانية أن العقوبات البديلة تشمل العمل في خدمة المجتمع، الإقامة الجبرية في مكان محدد، حظر ارتياد مكان أو أماكن محددة، التعهد بعدم التعرض أو الاتصال بأشخاص أو جهات معيّنة، الخضوع للمراقبة الإلكترونية، حضور برامج التأهيل والتدريب، إصلاح الضرر الناشئ عن الجريمة.وأكد المحامي خالد علي سلمان أن هذا النظام المطبق بديلاً لنظام العقوبات السالبة للحرية قد تفادى جميع سلبيات النظام السابق، إلى جانب تجنب الآثار السلبية لدخول المحكوم عليه السجن، كما يأخذ النظام البديل بظروف الجاني الشخصية والأسرية من جهة، وحماية المجتمع، هذا إلى جانب تجنب إبعاد المذنب عن المجتمع؛ لكون الأصل ليس فصله عن المجتمع بل تأهيله وإصلاحه ودمجه بما يحقق الصالح العام.وأضاف أن من إيجابيات هذا النظام على المجتمع والأسرة عدم فصل المحكوم عليه عن بيئته ونسيجه الاجتماعي الذي يصل في بعض الحالات إلى الانقطاع وعدم التواصل أو طلب طلاق الزوجة، أو فقدان الابن للإحساس بالقدوة في الأم أو الأب المحكوم عليه، ما يؤثر بالسلب على التنشئة الأسرية، ويدفع الابن إلى البحث عن بدائل أخرى في أشخاص آخرين كصديق منحرف، ما يؤثر سلبًا على المحكوم نفسه وأسرته وأفراد مجتمعه.

مشاركة :