بعض الأقليات الثقافية تتعرض أحيانًا لبعض الضغوطات من قوى اليمين التي ترى أن التعددية الثقافية تهدد الهوية الأميركية، وهذا يؤكد عجز الثقافة الأميركية على تمثل قيم الحريات الكاملة في مسألة حقوق الأقليات.. استكمالًا لحديثنا السابق عن أميركا والتعددية الثقافية؛ فإذا ما عرفنا أن أميركا قد مرت في رحلتها في التعامل مع الأقليات الثقافية بعدد من البدائل كالصهر الاجتماعي والاندماج والتعددية الثقافية.. ففيما يعرف بالصهر الاجتماعي يذكر د. ملتون جوردون أستاذ علم الاجتماع بجامعة كولمبيا أنه حدث انصهار اجتماعي كامل للمهاجرين الأوروبيين الأوائل اختفت على إثره الهويات الوطنية للمهاجرين الأوروبيين كالهوية الإنجليزية والهوية الألمانية والهوية الإيطالية والهوية الفرنسية وقامت بدلًا عنها الهوية الوطنية. أما البديل الآخر وهو الاندماج فقد تمكنت بعض الأقليات بالاندماج بالمجتمع الأميركي وقد حدث بشكل تدريجي وعلى فترات زمنية طويلة وأشواط متعاقبة.. وإن كانت الغالبية لا ترفض فكرة الاندماج ببعض الأقليات مطلقًا وإنما تلجأ الى إخضاع الأقليات المتميزة أو الأشخاص المتميزين من الأقليات إلى معايير الثقافة الغالبة إخضاعًا ينتهي بالاندماج التام بين الثقافة الغالبة والأقليات الثقافية المتميزة على أن تتبنى تلك الأقليات خصائص الثقافة السائدة، ولكن هذا يحدث بشكل تدريجي ويمر بأجيال متعاقبة وقد يتحقق الدمج الكامل في الجيل الثالث على أن يتمثل حقائق وقيم النواة من الثقافة الأميركية. وقد يختلف مهاجر عن مهاجر في حالة الدمج، فالمهاجر اليهودي وقد مر على هجرته جيل أو ثلاثة لا يزال متمسكًا بتقاليده وعاداته اليهودية، بينما المهاجر غير اليهودي يمتزج بالمجتمع الأميركي ويألف الحياة الأميركية. ولكن تظل التعددية الثقافية الخيار الأكثر ملاءمة لطبيعة المجتمع الأميركي كمجتمع غالبيته من المهاجرين، وبالرغم من أن التعددية الثقافية تمثل الخيار الأنسب والأفضل ومدى قابليتها للتعايش مع الأيدولوجيات والأثنيات الأخرى مع احتفاظ الأقليات الثقافية بهوياتها ومعتقداها وثقافاتها.. إلا أن بعض الأقليات الثقافية تتعرض أحيانًا لبعض الضغوطات من قوى اليمين التي ترى أن التعددية الثقافية تهدد الهوية الأميركية، وهذا يؤكد عجز الثقافة الأميركية على تمثل قيم الحريات الكاملة في مسألة حقوق الأقليات والذي تمثل في موقف اليمين تجاه الهجرات اللاتينية الأميركية إلى الولايات المتحدة والمشاعر السلبية المتجذرة تجاه الأفروأميركيين في الثقافة الأميركية والذين صاروا أميركيين على كره من أميركا. وهذا لا يعني أن الثقافة الأميركية لا تعترف بالتسامح كقيمة حضارية وإنما لا تلتزم بهذه القيمة الحضارية.. ولكن يظل الأفروأميركيين (السود) أقل حظًا في القبول من بين الأقليات الثقافية الأخرى بسبب التعصب العنصري، إذ يتعرضون للتهميش والعزل من قبل المتعصبين البيض، وقد أصبح هذا طابع العلاقة ما بين البيض والسود، وبرغم أن الدستور الأميركي ينص على مبدأ المساواة إلا أن هذه المساواة لم تخرج إلى واقع الحياة اليومية والعملية وإن كانت الأكثرية المعتدلة من البيض يرون الشروع في معالجة هذه القضية الشائكة التي تتعارض مع المثل العليا الأميركية والنظم الديمقراطية وطريقة الحياة الأميركية. فليس من قبيل المصادفة أن تصل العلاقة ما بين البيض والسود إلى الحالة المعقدة، فعندما ننظر إلى مجراها التاريخي نرى أنها مرت بصراعات مريرة ابتداء مما يعرف بالعنف الحضري ومضت فترة الخمسينات والستينات والقضية تعيش أوضاعًا غير إنسانية تقوم على أطروحة التفوق العرقي إلى أن جاء إعلان حركة الحقوق المدنية للسود في أميركا. فالثقافات الكبرى عادة ما تخفق في إدراك قيمة التكامل الإنساني والتسامح الروحي، لا شك أن المجتمع الأميركي يعاني من معضلة تاريخية متجذرة، لأن ثقافة التسامح في المعيار الأميركي أسلوب وليس مبدأ والذي يستحيل معه علاج هذه القضية. وبرغم أن أميركا استطاعت إبداع إحدى أعظم الحضارات التاريخية الإنسانية إلا أنها لم تستطع أن تعالج قضية إنسانية.. فشعور البغضاء تجاه السود تمثل في كل ناحية من نواحي الحياة الأميركية في المدينة في الريف في الشرق في الغرب في الشمال وقد ظهر بأبشع مظاهره في أقصى الجنوب. وهذا دليل ملموس على أن الكراهية كامنة ومكبوتة في الصدور طيلة العصور التي مرت، فإذا ما وجدت منفذًا ظهرت بشكل جلي، وقد بدأت هذه الحقيقة بأبشع مظاهرها اليوم.
مشاركة :