لماذا يُقبل الشعراء العرب على شعر «الهايكو»؟ عبد الله الأسمري (نموذجاً)

  • 6/19/2020
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

الهايكو هو نوع من الشعر الياباني، ازدهر في القرن السابع عشر الميلادي، بفضل الشاعر «باشو» رائده الأول فى اليابان، ولا يزال تعاطي هذا الشعر شائعاً في أيامنا هذه، ويحتل مكانة متميزة في الأدب الياباني وفيه يحاول الشاعر التعبير بألفاظ بسيطة عن مشاعر جياشة وأحاسيس عميقة، وعن طريق ألفاظ بسيطة بعيدة عن الوصف المتكلّف للحدث والحشو اللفظي غير المفيد، تماماً كما يفعل الطفل الصغير وتتألف أشعار الهايكو من بيت واحد فقط، مكون من سبعة عشر لفظاً أو مقطعاً صوتياً (باليابانية)، وتكتب عادة في ثلاثة أسطر (خمسة، سبعة، ثم خمسة)، وقصيدة «الضفدعة» للشاعر باتشو، تعتبر هي الأشهر في تاريخ الهايكو، فالقصيدة تقول: تقول: بركة قديمة نطة ضفدع صوت الماء. والمعنى هنا أن: نطة أحدثت خدشاً في جدار صمت قرير، مستثيرة مخيلة الشاعر، محدثة حالة انتباه أخرجته من الاستغراق الذاتي إلى التّماس مجدّداً مع محيطه الطبيعي. وتلك خاصية جوهرية لازمت شعر الهايكو منذ نشأته التأسيسية الأولى، فهو يبرز المفارقة بين عالمين: الداخل والخارج، السماء والأرض، الفناء والديمومة، الثبات والتحول وغيرها من الثنائيات التي لازمت شعر الهايكو، ويحرص مبدعوه على رصدها وإحداث مواجهة بينها، سعياً لتحقيق توازن أو انسجام فى الطبيعة والعالم من حولنا، لينعكس علينا ويمنحنا طاقة إيجابية، فشعر الهايكو يهدف إلى التعبير عن حاجات واجتهادات إنسانية تدعو للمحبة والتسامح واحترام مظاهر الحياة والأشياء واستنطاق قدرتها على تشكيل الانسجام وسط التناقض، فالزهر ينمو في صميم الشوك والماء يحتضن اليابسة والبحر يجاور الصحارى، إلى غير ذلك مما تحمل من تعاليم وقيم إنسانية تدعو إلي التسامح والمحبة ، قصيدة الهايكو رغم أنها موجزة ومكثفة تحفز المخيلة على البحث عن دلالاتها، وتعبر عن المألوف بشكل مكثّف قوى الدلالة عبر التقاط مشهد حسي طبيعي أو إنساني ينطلق عن حدس ورؤية مفتوحة تتسع لمخاطبة الإنسان في كل مكان، من خلال ومضة تأملية صوفية هاربة من عالم مادي ثقيل محدود ضاق بأهله حتى تركهم باقتتال ومعاناة، بسبب هيمنة حضارة مادية استغلت الإنسان وداست على كرامة روحه وحرمته الأمن والسلام، مما جذب انتباه الشعراء العرب الذين ساعدهم الفيسبوك على التواصل وتبادل الرؤى ونشر إبداعاتهم بسهولة ويسر، ومن أبرزهم: عبدالله الأسمري (السعودية)، محمود الرجبي (الأردن)، سامر زكريا (سوريا)، أبو الفوارس عبدالعزيز (المغرب)، جمعة الفاخوري (ليبيا)، لميس حسون (لبنان)، ولا بد أن نشير هنا إلى أن شعر الهايكو لن يكون بديلاً لأشكال الشعر العربي أو إنكاراً لأهميتها، بل هو إثراء للشعر العربي وتنويع لأشكاله ومنظوماته التعبيرية، وسوف نلقى الضوء على إبداعات عبدالله الأسمري فى شعر الهايكو كنموذج لتفاعل الشعراء العرب مع هذا اللون من الشعر الذي انتشر وأصبح له محبيه فى بقاع مختلفة من العالم، فهذه نماذج من ديوان: «أناشيد مرتلة فى رحاب الهايكو» للشاعر عبد الله أحمد الأسمري، يقع الديوان في ثمانين صفحة، ويحتوي على مائتي نص، ويقدم تجربة تعتمد على بناء الومضة أو نص اللقطة واختيار مفردات قوية الدلالة ومكثفة المعنى مع التزام واضح بالقالب المميز لشعر الهايكو من حيث التقسيم إلى مقاطع صوتية تكتب فى ثلاثة سطور ولا تتجاوز معادلة (خمسة / سبعة /خمسة) التي أشرنا إليها من قبل، وإن كان يواجه صعوبة فى ذلك نظراً لاختلاف مفردات وحروف اللغة العربية عن اللغة اليابانية ولذلك نجده في بعض القصائد لا يلتزم بالمساحة الصوتية للقصيدة فتتجاوز الثلاثة أسطر إلى أربعة وتخرج عن معادلة (خمسة/ سبعة / خمسة)، لكن هذا لا يقلِّل أبداً من الجهد الإبداعي والخيال الخصب في رسم صور معبرة وإجراء قطع سريع ومقابلات صورية (ثنائيات) تفجر المعاني والدلالات الشعرية التي يريد توصيلها، وتأملوا كيف يستدرجنا لنفكر فى مآسي وكوارث عالمنا العربي فى براءة كبراءة الأطفال فيقول: الموت والغراب يحلقان فوقها حلب الشهباء بأقل كلمات منتقاة بعناية رسم لنا حالة مدينة حلب السورية وكيف تحالف الموت مع الغراب نذير الشؤم وراحا يحلقان فوقها دلالة على ما أصابها من دمار وخراب، وفى قصيدة أخرى يقول: باسم الثورة تبادلوا الزهور والابتسامات عزاء قاسي تأملوا التناقض والمفارقة التي يرسمها والصور التي يضعها بجانب بعضها (ثنائيات) من تبادل زهور وإبتسامات ترتبت على قيام الثورة ليصدمنا فى الصورة الأخيرة بأنها كانت زهور وابتسامات ضمن مراسم عزاء قاس لأسر وأهالي من ماتوا باسم الثورة، وفى قصيدة أخرى يقول: بين زهرة مقطوفة وأخرى مهداة حب لا يوصف بطريقة غير تقليدية وصف تأجج حالة الحب بأنه ما يدفعنا لقطف زهرة لنهديها لمن نحب تعبيراً عن مشاعرنا نحوه ورغبتنا فى منحه السعادة والبهجة، وهكذا يب دع الشاعر عبد الله الأسمري قصائده في شعر الهايكو ليس هروباً من شعر التفعيلة وما يتطلبه من جهد فى ضبط البحور والأوزان للحصول على إيقاع موسيقى يعزِّز أثره ذلك الجرس الموسيقى النابع من حسن اختيار المفردات الشعرية، لأن عبدالله أحمد الأسمري سبق له أن كتب الشعر الحر (ديوان: حوراء، وديوان: ما لم أقله للبنفسج) وهو قادر على الاستمرار فيه ولكنه اختار أن يكون أحد المجددين في الشعر العربي بإضافة روافد وإمكانيات شعر الهايكو وهي تجربة تستحق المحاولة وإلقاء الضوء عليها لتقييم أثرها فى نفوس القراء. ** **

مشاركة :