الاتحاد الخليجي.. طوق النجاة المفقود

  • 7/7/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تأسَّس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في (25 مايو 1981م)، أي منذ أربعة وثلاثين عاماً، واجه خلالها أحداثاً جساماً وتأثر بالحروب المدمرة في دول الجوار، إلا أنه بذل جهوداً جبَّارة للحفاظ على سيادته واستقلاله وذلك باتباعه سياسة ملتزمة تقوم على ركائز راسخة ومبادئ ثابتة وعلاقات صداقة واسعة مع دول العالم كافة، قائمة على الاحترام المتبادل والانفتاح وبناء جسور الثقة والتعاون والمصالح المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. إلا أنه وعلى قدر اهتمام دول المجلس بتوسيع علاقاتها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية مع كافة دول العالم ظَـلَّ الهاجس الأمني والقلق من المخاطر المحيطة قائماً، خصوصاً في ظل التهديدات والتداعيات الجسيمة للحروب الدائرة في العراق وسوريا واليمن وبؤر التوتر والتطرف والإرهاب والعنف في المنطقة، وبروز تنظيمات إرهابية دموية متطرفة حرَّكتها نزاعات عرقية أو دوافع عنصرية أو طائفية، وتزايد تدخل الحلفاء والأصدقاء التاريخيين في الشأن الداخلي لدول المجلس بشعارات حماية حقوق الإنسان، وخَلق حالة من الفوضى في المنطقة باستغلال موجة (الربيع العربي) كفرصة ذهبية لإحداث التغيير في الأنظمة العربية القائمة وإقامة أنظمة جديدة مكانها تقوم اسماً على الديموقراطية والتعددية، في الوقت الذي مازالت تعاني من الصراعات والدماء والضحايا الأبرياء كما هو الحال في العراق وسوريا وتونس وليبيا ومصر. وإذا اضفنا لكل ذلك الاتفاق النووي الذي سيتم التوقيع عليه بين دول 5+1 وإيران تصبح صورة المؤامرة على دول مجلس التعاون اكثر وضوحا. كل ذلك يجعل من هذه المرحلة وتداعياتها، تشكل تهديداً مباشراً لكيان دول مجلس التعاون يفوق خطر الحروب الثلاثة التي تعرَّضت لها المنطقة في العقود الثلاثة الماضية، ما يستدعيها البحث عن رؤى جادة من أجل الحفاظ على سيادتها واستقلالها وأمنها واستقرارها، خصوصاً بعد التفجيرات الإرهابية الانتحارية التي تعرَّضت لها المملكة العربية السعودية ودولة الكويت مؤخراً وذهب ضحيتها العشرات من الشهداء الأبرياء بسبب الإرهاب الأسود الذي يقوده تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة. إن تفاقم الأوضاع إلى الحد الذي يهدد كيان دول المجلس ووجودها، لم يعد ممكناً التهاون فيه، ولا يحتمل المجاملة أو التعايش معه خاصة وهو يسعى لتقويض الأنظمة العائلية القائمة بالانقلاب عليها، ما يتطلب وبصورة عاجلة ان تضع الأمانة العامة لمجلس التعاون بالتنسيق مع الدول الأعضاء الاستراتيجية المناسبة لدرء ومواجهة مايحيط بدول مجلس التعاون من تهديدات والتي اقترح مراعاتها للمرتكزات التالية: * المراجعة الشاملة للمناهج الدينية وتأصيل مبادئ الاسلام التي تدعو الى التعايش والاعتدال والوسطية والبحث المجرد والدقيق في كيفية التعامل مع المنظمات الإرهابية التي اختطفت الاسلام واستغلالها السياسي له بالتشجيع على تكريس الطائفية التي تشوش على القيم المشتركة وتكريس مبدأ التصلب والمغالبة والمحاصصات السياسية بدلا من التسامح والتعاون والولاء المشترك للوطن وجَـره قروناً إلى الوراء. * إيجاد صيغة مقبولة للتعاون والأمن الإقليمي لجميع دول المنطقة، هذا الأمن الذي يجب أن يتفاعل مع محيطه الدولي كأداة إيجابية للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ويفتح الطريق إلى تحقيق السلام والأمن في جميع أنحاء العالم، سيما وأن دول مجلس التعاون تسيطر على أكثر من ثلث الإنتاج العالمي للطاقة. * حل النزاعات الإقليمية من خلال دبلوماسية التفاهم، ونبذ استخدام القوة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وإيجاد حلول فورية لقضايا الحدود العالقة بين دول المجلس ذاتها، وخلافات الحدود البحرية بين دول المجلس وإيران، وإنهاء الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث بالتفاوض المباشر أو إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية. * تطوير التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري وحرية التنقل بين دول المنطقة بتشجيع الاستثمارات؛ للوصول إلى شراكة استراتيجية كاملة تعزِّز المصالح المشتركة بينها. * التواصل والتفاعل الثقافي والاجتماعي بين شعوب المنطقة؛ لتعميق القيم والمفاهيم الإنسانية السمحة بالحوار الحضاري المفتوح الذي يغرس البذور الطيبة لروح التفاهم والتعايش والتسامح والاعتدال؛ لمواجهة خطاب الكراهية والتطرف وأعمال العنف والإرهاب وإن تباينت الثقافات واختلفت النظرات إلى الإنسان. ومهما اختلفت الرؤى وتباينت الآراء بين قادة دول المجلس المؤسسيين لمجلس التعاون كمنظمة إقليمية قاسمها المشترك أنظمة حكم عائلي وراثي مستقر، تسعى لتطوير مجتمعاتها ومواطنيها بما يحقق لهم أعلى درجات التنمية والمشاركة الشعبية في الحكم والممارسة الديموقراطية بإنشاء المجالس البرلمانية والبلديات المنتخبة انتخاباً مباشراً ومجالس الشورى ومحاربة الفساد واحترام مبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير، يظل أمنها الإقليمي الهاجس الأهم لارتباطه بوجودها واستمرارها كدول مستقلة ذات سيادة، وهذا ما أدركه القادة التاريخيون المؤسسون قبل (34 عاماً) عندما وقَّعوا على النظام الأساسي لإنشاء مجلس التعاون في أبوظبي عام (1981م). ومن هذا الهاجس الأمني الملحّ، وفي هذه المرحلة الدقيقة، يصبح مقترح المغفور له خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بــ (الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد) الذي أعلنه في القمة الخليجية (32) التي عُقدت في الرياض في (ديسمبر 2011م)، حاجة أمنية وسياسية واقتصادية ضرورية في ظل التطورات الخطيرة والأوضاع الأمنية الراهنة التي تشهدها دول الجوار الإقليمي، وتهديدات التنظيمات الإرهابية للأمن في دول المجلس، وما يتطلبه ذلك من اتخاذ قرار قيام الاتحاد الخليجي لإرساء قواعد جديدة للتعاون السياسي والأمني والاقتصادي، وزيادة الاندماج الشعبي لمواطني دول المجلس، بما يحقق نمواً في المنافع والمصالح المشتركة ودرء الأخطار والتهديدات المحيطة والمتوقعة إلى حين التوصل إلى الصيغة المناسبة للأمن الإقليمي في المنطقة وفقاً للمرتكزات التي ذكرتها أعلاه. صحيح أن هناك تحفظات من قبل بعض دول المجلس على تنفيذ مقترح (الانتقال الى الاتحاد) عندما طُرح للمرة الأولى في ديسمبر (2011م)؛ إلا أن الظروف الحالية والتطورات الراهنة تتطلَّب منها أن تُعيد النظر في مواقفها، خصوصاً وأن الأهداف التي تُحاك ضدها أصبحت واضحة جداً، وتتلخَّص في أن كل ما يجري في المنطقة هدفه إحداث عملية تغيير جذرية وشاملة لجميع الأنظمة الخليجية القائمة. الا انه في حالة استمرار هذه التحفظات من بعض دول المجلس فلا ارى ما يمنع من قيام الاتحاد بمن هو موافق وعلى استعداد للدخول فيه، على ان يبقى باب الدخول في عضوية الاتحاد الخليجي مفتوحا لمن يرغب بعد ذلك، على غرار ما هو جار في نظام عضوية الاتحاد الاوروبي الذي لم تدخله بريطانيا الا عام ١٩٧٣ اي بعد مضي حوالي ستة عشر عاما على قيامه في عام ١٩٥٧.

مشاركة :