نشرت وحدة اللغة العربية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف اليوم تقريرا، بعنوان: "مظاهر الاستعلاء في خطاب الجماعات المتطرفة"، موضحًا أنه يتعامل المسلم مع النَّاس من منطلق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم لآدم، وآدم من تراب»، أما صاحب الفكر المتطرف فتظهر على فَلتات لسانه نبرة الاستعلاء، وتتجلّى في تصرفاته وأقواله مظاهر الكِبر والخُيلاء، ومن ثمَّ كلُّ من لم يوافقه في فكره فهو في درجة من الإيمان أقل بكثير من تلك الدرجة التي حصَّلها صاحب الفكر المتطرف، هذا إن اعترف بإيمان مخالفيه أصلًا!وأضاف: المتابع لحديث المتطرف في خطاباته المكتوبة وفيديوهاته المنثورة عبر الشبكات العنكبوتية، تتجلى له صورٌ متعددةٌ من مظاهر الاستعلاء لدى الجماعات المتطرفة، وفي هذا المقال نتعرف على بعض تلك المظاهر:الاستعلاء بالإيمان المزعوم:وقالت الوحدة في تقريرها: يستعلي المتطرفون بإيمانهم، وكأنهم اتخذوا عند الله عهدًا أنهم من المصطفَينَ الأخيار، وقد بدا هذا في الإصدار الأول الذي أعلن فيه زعيم "تنظيم داعش" الإرهابي "أبو بكر البغدادي" عن خلافته المزعومة من خلال عَنونة التنظيم لذلك الإصدار بقولهم: {ولو كَرِه الكافرون}، فمن هذا العنوان تتضح نبرة الاستعلاء الإيماني عندهم؛ حيث حكموا على كل مخالف لهم بالكفر، ثم بدأ تطبيق تلك الصيحة على يد أتباعه، فقد وضعوا العالم كلَّه من غير أتباعهم بين كافر ومُرتدّ، وكان هدفهم جعل أتباعهم في برج عُلوي تُزينه أحكامهم المغلوطة، أما غيرهم من الناس فلا يستحقون إلا الموت، فالمؤمن عند التنظيم من كان على هواهم ولا يخالفهم مطلقًا، فإذا خالفهم أصبح مرتدًا يستحق القتل وإهدار دمه.وبينت: مما يؤكد على نظرية الاستعلاء بالإيمان لدى الجماعات المتطرفة، ما حدث بين تنظيم "داعش" الإرهابي وغيره من التنظيمات المتطرفة، حين اختلفوا على الزعامة فيما بينهم، فأخذ يُكفّر بعضُهم بعضًا، ويقتل أتباعُ كلِّ زعيمٍ غيرَهم ممن كانوا يحكمون بعلوّ إيمانهم، ولعل أوجه الصراع تلك كانت خير دليل على استعلاء كل فريق بنفسه فقط.وأكملت:من الزعامة الاستعلائيّة، ما ذكر على لسان بعض قادتهم، أنهم كانوا يدعون الناس إلى التوحيد ليعينوهم عليه! فالمتطرف يلبس نفسه ثوب الوصيِّ على التوحيد، مع أن المسلم الموحِّد لا يحتاج إلى من يعينه على ذلك، لقد ظنَّت التنظيمات المختلفة أنها فوق المسلمين بما ادَّعوا، مع أنهم خالفوا صريح قول النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي»؛ فجعلوا أنفسهم أخوف على الأمة من النبي صلى الله عليه وسلم.الاستعلاء بالجهاد المزعوم:وأردفت: كثيرًا ما يحكي المتطرفون عن الجهاد؛ محاولين تنزيل أفعالهم الإجراميّة تحت باب الجهاد ليستتروا خلفه، متفاخرين بذبح الأبرياء ممن لا حول لهم ولا قوة، فالمتابع لحديث تلك التنظيمات الذي يبثّونه للناس يرى أن جلَّها لا تترك مقالًا إلا وتُقحم فيه الحديث عن جهادهم المزعوم، وترفع من شأن مجاهديهم! فتارة يسمونهم "أولياء الله وخاصته"، وتارةً "خواص الله ونوره"، فمنْ يحاربهم أراد أن يطفئ نور الله. لقد وصل حال الاستعلاء بالجهاد الذي لا يوجهون فيه أسلحتهم إلا إلى صدور المسالمين، وصل استعلاؤهم بتلك الأفعال أن أطلقوا سلسلة فيديوهات تحت عنوان "عيد المجاهدين!".وأشارت إلى أنهم قد وضعوا مجاهديهم المزعومين في منزلة إيمانية عالية، يلوون أعناق النصوص؛ ليخصّوا بها أنفسهم وكأنها فيهم نزلت، والسؤال لأتباع هذه التنظيمات المتطرفة: لماذا خصصتم أنفسكم الفضل دون غيركم؟لقد خرجتم فقتلتم الإنسان، ودمَّرتم الأوطان، وأهلكتم الحرث والنّسل. كما أن إطلاقهم فيديوهات "عيد المجاهدين" مع إنكارهم أيَّ مسمى في الإسلام بالعيد لغير "الفطر والأضحى" دليل على فساد منهجهم، ولأجل رفع أتباعهم خالفوا أنفسهم، أي تخبط هذا بل أي لغط؟الاستعلاء بالأماكن التي في حوزتهم:ولفتت: من مظاهر الاستعلاء لدى الجماعات المتطرفة استعلاؤهم بالأماكن التي في حوزتهم وتحت سيطرتهم، حيث جعلوا تلك الأماكن دار هجرة! وكتبوا سلسلة مقالات بعنوان "ملمّات الدولة النبويّة الأولى تعيد نفسها في الدولة الإسلاميّة الحديثة" واعتبروا الأماكن التي يسيطرون عليها بمنزلة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم التي هاجر إليها المسلمون الأوائل لمّا اضطّرهم أذى قريش إلى أن يتركوا بيوتهم وأموالهم.وقالت إنه افتراء على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليساووا بين إجرامهم وإفسادهم بذبح وسَفك لدّماء طاهرة، وبين بيئة صالحة قامت على أرضها دعائم الدولة التي تحمل السلام والأمان للدنيا كلها، فمدينة النبي صلى الله عليه وسلم صَلُح حالها بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ونزوله فيها، فأين هذا من تلك الصراعات التي وقعت في البقاع التي حكمتموها والتي تفوق في جرمها صراعات الجاهليّة نفسها؟الاستعلاء بالألقاب والمصطلحات الدينيّة:وأكدت الوحدة لقد أراد أتباع التنظيمات الإرهابية، لا سيّما الدواعش، إظهار أنفسهم كأنهم من عصر النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الأبرار، من خلال اختيار الألقاب الرنَّانة، والكنى البرَّاقة، فبداية من زعيم التنظيم المقتول الذي يحمل اسم "إبراهيم عواد السامرائي" إلا أنه أراد أن يصبغ نفسه صِبغة الخليفة الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطلق على نفسه لقب "أبوبكر" وما ذلك إلا ليُصدِّر للناس فكرة أنه يشبه الخليفة الأول، وقد كانت هذه الحيلة الخبيثة عاملًا قويًّا لاستقطاب الشباب. ثم انتشر المرض في التنظيم، فأخذ كل عضو من أعضائه يطلق على نفسه لقبًا من ألقاب الصحابة، زعمًا وادعاءً أنهم يشبهون صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يدرون أنهم بذلك يوجهون سهام الطعن إلى صحابة النبي حين غضَّ المتطرفون الطرف - بقصد أو بغير قصد- عن تحذير النبي من إيذاء أصحابه وتنبيه حضرته إلى فضل الصحب الكرام على من سواهم في قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تسبُّوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه».إن مرض الكِبر جعل المتطرفين حريصين على تنزيل أنفسهم في مكان غير مكاننا، وزمان غير زماننا؛ فوقعوا في مخالفات شرعيّة كثيرة، وسرقوا مصطلحات خاصة بعصر النبوة ليستتروا خلفها بجرائمهم، ويظهروا إفكهم في صورة حقائق ثابتة. إن مصطلح الغزوات خاص بزمن الرسول – صلى الله عليه وسلم-، أما تنزيلها على إجرامهم فلا يدل إلا على جهلهم وغيابهم عن المنهج الإسلاميّ الصحيح.كما قالت إن التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم "داعش" الإرهابي قد مرَّت بمراحل مختلفة، وفي كل مرحلة نرى مظهرًا من مظاهر الاستعلاء يبدو في حديثهم وأفعالهم. فبعد الاستعلاء بالإيمان الذي كان غاية حديثهم في مرحلة التكوين والبداية، نرى انصباب الحديث نحو الرفع من شأن المقاتلين أتباعهم في مرحلة القتال، وما أن استولوا على بقعة من البقاع أخذوا في تفضيلها على غيرها من بقاع الأرض، ثم بعد انهيار حكمهم الزائف وانتهاء دولتهم المزعومة، يستمرون في النبرة الاستعلائيّة نفسها في حديث التنظيم الآن رافعًا شعارًا جديدًا تحت عنوان "باقية وتتمدّد" فلا هي باقية ولا هي تتمدّد، وسيسقط هذا القناع قريبًا إن شاء الله.ورأى مرصد الأزهر أن دراسة النفسيّة المتطرفة، وسَبر أغوارها، خطوة جادة في محاربة هذا الفكر المتطرف لا ينبغي إهمالها على أهل الاختصاص.
مشاركة :