كم مرة تختم القرآن في رمضان؟

  • 7/7/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يكاد يكون هذا السؤال مكررا جدا وحاضرا في كثير من اللقاءات والحوارات خلال رمضان المبارك، بل هو حاضر في نية الكثير من الناس، ويحث عليه البعض نفسه وأقاربه ويحرص عليه، حتى إننا نجد هناك من يقول إنه يختم القرآن الكريم أكثر من أربع أو خمس مرات خلال ثلاثين يوما، وهناك أيضا من الأئمة ممن يختم تلاوته خلال صلاة التراويح والقيام في رمضان عدة مرات. كل هذه الأمور من إنجاز "للختمة" أو محاولة تكرارها لا شك أنها عمل له أجره وأثره في الروح، وعبادة وتقرب لله في رمضان وغيره، وهي ما اعتدنا عليه منذ عرفنا رمضان الذي يأتي مُطعما بالذكر والتلاوة وما يتصل بالله وحده، ولكن هل أثمر هذا الانهماك والانغماس اليومي خلال رمضان في تلاوة كتاب الله في حياة الفرد المسلم وتصرفاته على أقل تقدير؟ ولو أردنا إعادة طرح السؤال بشكل مغاير ونظرنا قبله بطريقة "بانورامية" قليلا على بعض الأمور لدينا؛ لوجدنا دون شك أن الدولة تحرص على "تعليم وتحفيظ القرآن الكريم"، سواء عبر وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد أو وزارة التعليم, حيث توجد إدارة عامة للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن تتبع وزارة الشؤون الإسلامية تشرف على قرابة 13 جمعية خاصة لتحفيظ القرآن في مختلف محافظات المملكة، وقدر عدد حلقات تحفيظ القرآن بقرابة 24 ألف حلقة تحفيظ يدرس فيها حوالي 91 ألف طالب وطالبة، منها حلقات تحفيظ خاصة في السجون ودور الملاحظة وبعض الجهات الحكومية غير تلك التابعة للمساجد. كما أن عدد مدارس تحفيظ القرآن التابعة لوزارة التعليم في تزايد منذ بداية تأسيس أول مدرسة لتحفيظ القرآن في عهد الملك خالد عام 1977 ويستفيد منها الآن حوالي 38 ألف طالب وطالبة. وكل عام يزف مئات الحافظين والحافظات لكتاب الله الكريم في مختلف المدن، وفي غير حلقات التحفيظ ومدارسه يعد تدريس القرآن مادة أساسية في التعليم العام في جميع المراحل الدراسية بواقع عدد كبير من الحصص الدراسية لتلاوته أو حفظ أجزاء منه. مع هذا الاهتمام الكبير من الأفراد بالقرآن في رمضان وغيره، والحرص الذي تتبناه الدولة والأسر لإلحاق أبنائهم بحلقات التحفيظ أو مدارسه، وتهافت الناس على ختمه في مواسم خاصة كرمضان، نعود للتساؤل: إلى أي مدى يتضح تأثير القرآن في تهذيب سلوك الإنسان، وفي فتح آفاق المعرفة والعلم والتساؤل والبحث لديه؟ هل أصبحت قراءة القرآن رهينة بعدد ختماته أو بمجرد تلاوته بصوت حسن دون إدراك لعمق كونه معجزة النبي محمد عليه الصلاة والسلام في أمته؟ هذا الإعجاز ألا يجب أن يكون جليا وواضحا على أبناء مجتمع يتلوه آناء الليل والنهار وقد يكون يحفظه عن ظهر قلب، وتُسخر من الإمكانات أعظمها لخدمته وتعليمه والحفاظ عليه حتى جعل هدفا أساسيا في أحد مواد وثيقة التعليم لدينا، أن يكون واضحا في سلوكهم وآدابهم وعلمهم ووعيهم. بالنظر في قضايا الساعة التي يسيطر عليها ما يواجهه الوطن من حرب شرسة ضد الإرهاب المتمثل بشدة هذه الأيام في داعش وحزبه، نجد حسب آخر إحصائية للمركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي أن عدد المنتمين لـ(داعش) الذين يقاتلون في صفوفه من حول العالم قرابة الـ20000 ألف مهاجر، من بينهم على الأقل 2500 سعودي. وهناك عدد كبير من الموقوفين والمطلوبين للجهات الأمنية السعودية من المؤيدين والمتعاونين مع هذا التنظيم الإرهابي في الداخل، من ضمنهم سيدات، والذين تسبب بعض منهم في الفترة الأخيرة في تفجيرات لبيوت الله من دون مراعاة لحرمة المكان ولا الزمان ولا الوطن. ما يؤسف أن الرابط الذي يجمع كل هؤلاء هو ادعاؤهم للتدين، وبالتالي تحدثهم باسم الله وتكرارهم في أحاديثهم وتسجيلاتهم آيات من القرآن تبرر مقاصدهم وتشرح وجهات نظرهم الخاطئة، التي بلا شك كانت طريقة شرح وتفسير وتناول هذه الآيات التي تلقفوها من أسيادهم ومشايخهم هي السبب في اقتناعهم بمثل هذه الأعمال الإرهابية وانتمائهم بالتالي لداعش وغيره، ومحاربتهم للدولة وإساءتهم للإسلام. إن هذا القرآن جاء للعالم أجمع حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهو مصدر التشريع الأول للمسلمين، هذه العالمية التي تميز القرآن تمنحه صفة الاستمرار والقدرة على تقديم المعرفة والعلم والطمأنينة واليقين لنفوس المسلمين بشكل دائم، وعليه ينبغي أن لا يتم تقييده بشرح ثابت وبفكرة أن يكون فقط قرآنا يتلى دون تعمق في دراسته على أسس علمية حديثة تناسب الوقت الحالي وتطوره ومتغيراته وتقدم تفسيرات دائمة وواضحة للمسلمين، وتساعد الأجيال على معرفة أن القرآن يدعو للسلام وليس للاقتتال والحروب وإرهاب الآخرين، وينادي بتبني الحياة وما يؤدي إليها لا الموت وأسبابه، وأنه حين قراءته يجب أن نمتثل لقوله تعالى (لا تحرك به لسانك لتعجل به) وأن تكون قراءته للتعبد والتدبر في آن واحد: (أفلا يتدبرون القرآن). الاهتمام بالقرآن في الوقت الحاضر يجب أن يكون بتعويد النشء على قيمة التدبر والتساؤل الدائم والتأمل في آيات الله المكتوبة والمادية أمامه والإيمان المطلق أن: (الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وليس بالبحث عن إجابة لسؤال هذه المقال.

مشاركة :