د. جوزيف رامز أمين يكتب: مغزى التعثر فى مفاوضات سد النهضة

  • 6/22/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لم يكن من المفاجئ أو المستغرب أن تتعثر المفاوضات الأخيرة بين الأطراف الثلاثة:مصر والسودان وإثيوبيا حول الجوانب الفنية والقانونية الخاصة بمفاوضات سد النهضة,فى ظل وجود مراقبين من:الولايات المتحدة,الاتحاد الأوروبى,وجنوب أفريقيا "الرئيس الحالى للاتحاد الأفريقى"... وذلك بعد أن حدث تقدم فى الجوانب الفنية بشكل كبير...عبر عنه المسؤلون السودانيون بالتفاؤل الحذر لكن التعثر الأخيرالذى رافق المفاوضات بالأمس "الثلاثاء 17 يونية" والذى عبرت عنه تصريحات وزيرى الخارجية والرى فى مصر والذى ربما قد يمهد لمسار مختلف نسبيا قد يكون عبر مجلس الامن الدولى أومحكمة العدل الدولية:خاصة بعد أن استوفت المفاوضات كل مراحلها بداية من عام 2011 وحتى أهم مراحلها عبر مفاوضات "واشنطن الأخيرة مع بداية العام الجارى"وحيث غاب الوفد الاثيوبى عن الحضور والتوقيع ...لنعود دائما الى نقطة الصفر ,وهو ماقد يوضح لنا اننا ماضون فى طريق غير مفرووش بالورود ويحتاج الى يقظة وحذرمن المفاوض المصرى...خاصة وأن مسار التفاوض القادم قد يكون عبر المؤسسات الدولية كما سبق وأرفقنا.                              ولعل التعثر المستمر والمتكرر الحادث هذا يعود إلى الجانب الاثيوبى الذى هو بلا شك يسيس القضية بحجج كثيرة لا تعترف بالاتفاقيات القانونية الثابتة والموثقة أو الحقوق التاريخية المكتسبة  أو الانتفاع المنصف والعادل بمياه النهر وما جرى العمل به خلال القرون السابقة.. وإنما الواضح للعيان أنه يفكر كثيرا فى تخزين المياه خلف السد "من خلال منظومة جديدة "وربما بيعها أو التحكم فى الكميات الواردة لمصر والسودان بإرادته وليس وفقا لاتفاقيات دولية قنن بعضها خاصة اتفاقية 1959 نصيب كل من :دولتى المصب بشكل واضح لكن فى المقابل لا يعطيها  الجانب الاثيوبى أى اهتمام أو شرعية,وهو ما يعد مخالفا لأبسط قواعد القانون الدولى وللاتفاقية الدولية للأنهار.                                                                                                  خبرات من العمل فى اثيوبيا:أتذكر انى كنت على وشك الذهاب لاثيوبيا لأتولى منصب المستشار الإعلامى لبلادى فيها سبتمبر عام ٢٠٠٣ وذهبت قبل سفرى وقتها لأخذ بركة المتنيح البابا شنودة الثالث فى المقر البابوى ..ووقتها كانت العلاقات تقريبا مقطوعة بين الكنيستين والنى تعود لأكثر من 16 قرنا من الزمان ,وتعد أحد أهم أعمدة العلاقات بين البلدين .. فحذزنى قداسته وقتها كثيرا وقال لى بوضوح لا تصدق الاثيوبيين مشيرا الى المسافة بين أقرب اصبعين فى كف يده ,وهو يقول لى"لا تصدقهم من هنا لهنا"..ورغم هذا التحذيرالهام من قامة كنسية رفيعة بل وشخصية عامة كبيرة فى مصر ,فقد ذهبت متفائلا  وأحببت البلد الذى عشت فيه قرابة ٦ سنوات..واعتبرته بلدى الثانى وتقربت كثيرا من المسؤلين السياسيين والاعلاميين والصحفيين والأدباء والفنانين والمفكريين  والنخبة المثقفة ورجال الكنيسة حتى عاد التقارب بين الكنيستين فى يوليو ٢٠٠٧ بعد سنوات طويلة من الخصام والفراق منذ سبعينيات القرن الماضى,ولقد زار البابا/شنودة اثيوبيا بنفسه مرة ثانية فى أبريل عام 2008 وهو قد سيق وزارها 1972,وعادت العلاقات بين الكنيستين فى أواخر عهده ,هو والأنبا/باولس "البطريرك الاثيوبى السابق والراحل أيضا".وبحكم انى عاصرت بنفسى أيضا زيارة البابا"تاوضروس الثانى"لاثيوبيا فى سبتمبر 2015",ونجاح تلك الزيارة بشكل ملحوظ ,فانى أرى ضرورة استمرار التواصل بين الكنيستين كوسيلة هامة للتقارب بين البلدين خاصة وأنها لازالت أحد أركان جوانب العلاقات الهامة بين  الشعبين,وذلك رغم التوتر الحادث بين الكنيستين العام الماضى والمرتبط "بدير السلطان"والذى تؤول ملكيته للكنيسة القبطية  .. كما أننا لاننسى وجود جالية كبيرة تقدر بآلاف من الاثيوبيين بمصر يحظون بدعم واحتواء من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية "والتى تعد الكنيسة الأم لهم"....لذا فان هذا الجانب يجب استثماره وتوظيفه لخدمة المصالح المصرية قدر الامكان ,بجانب ضرورة زيادة الاستثمارات المصرية باثيوبيا ,والاستمرار فى سياسة "ارسال القوافل الطبية" ودعم النواحى الصحية والتعليمية فى اثيوبيا دعما ملحوظا وراسخا وكذا مساعدتها فى مواجهة"وباء كورونا"...وامدادها بالأجهزة والأدوات الطبية اللازمة...والابقاء دائما على الخيط الرفيع  وأدوات السياسة المصرية  الناعمة فى التعامل مع الأشقاء وامتلاكك دائما قدرة التأثير عليهم...وعدم البعد او التباعد تأثرا بسياستهم تجاه سد النهضة.         ويهمنى أن اسجل عدة ملاحظات::ملاحظات عامة-أن  الرئيس السيسى قد تصرف ولايزال يتصرف بعقلانية كبيرة فى موضوع العلاقات مع اثيوبيا وقضية سد النهضة منذ توليه دفة الحكم فى يونية 2014 ولعل اتفاق المبادىء الموقع بالخرطوم فى مارس ٢٠١٥ والذى أصبح أهم لبنات  التفاوض بشأن سد النهضة ثم إدارته الحكيمة للملف منذ توليه يعد ثمرة لجهده المتواصل بهذا الشأن...ولقد التقى الرئيس السيسى مع رئيس الوزراء الاثيوبى السابق/هيلا ماريام دسالين قرابة 10 مرات فى عواصم متنوعة لهذا الغرض,كما التقى أيضا برئيس الوزراء الحالى"أبى أحمد"مرات عديدة ,وهو لايتوانى بجهده الواضح عن متابعة قضية مياه النيل وأزمة سد النهضة بشكل دائم ومستمر,ويحرص على حقوق مصر التاريخية والثابتة أيضا...بل ويستدعى القامات الرفيعة والمسئولين المتخصصين عبر "المجلس القومى للمياه".                                                                                                     -رغم ان د.بطرس غالى قد سبق وذكر أن الحروب القادمة فى المنطقة هى "حروب المياه"وأن الرئيس السادات قد سبق له واستخدم الحل العسكرى من قبل فى شأن مماثل ,لكن الأمر لايحتمل هذا الحل الآن الا اذا استوفينا جميع الحلول ووصلنا لنقطة "اللا عودة" وهو مالم يحدث حتى تاريخه , فبداية "نحن أشقاء ,ويربطنا تاريخ كنسى طويل,وعلاقات دبلوماسية وشعبية ممتدة ,بل وعلاقات اخوة ورحم ,وعلاقتنا الدينية سواء المسيحية أو الاسلامية راسخة وعميقة ,كماأن الاقليم "والذى يعج بالصراعات والمشاكل" والقارة "التى تعانى أيضا صراعات وحروب ومشكلات وأوبئة " قد تخسرها بأكملها اذا اقدمت على هذا الحل...من ثم فليس من المستغرب  استبعاد اللجوء للحل العسكرى منذ عهد الخديوي إسماعيل,والحملة التى شنها على منابع نهر النيل,وتركت ذكرى غير طيبة لدى الأشقاء رغم فشلها...خاصة وأنك ستستمر فى الاحتياج لهم والارتباط بهم ,لاسيما وهم دولة المنبع الرئيسية وحيث تمد الهضبة الاثيوبية منابع النيل بما يقدر بـ 86% من ايراد نهر النيل عند أسوان.                                                                                                  -ولعلى أرى ضرورة استخدام مقتربات وأساليب جديدة فى التعامل مع الجانب الاثيوبى أو البحث عن سياسة أخرى قد تتبناها تراعى الأبعاد النفسية لدى الاثيوبيين "ساكنى الجبال ...والشك والتوجس الموجود لديهم تجاه الآخرين كما درسنا وتعلمنا ",وذلك بعد أن تجاوزنا عقدة سيكولوجية التعامل مع الجانب الاثيوبى ,وفشل سياسة  الرجل الثانى فى التعامل معهم منذ السنوات الأخيرة فى عهد مبارك وحادثة"أديس أبابا"الشهيرة 1995".وهو ماتلاشى مع سياسة الرئيس السيسى والقاءه خطابا أمام البرلمان الاثيوبى فى مارس 2015.واعترافه بحق اثيوبيا فى التنمية وبحق مصر فى الحياة ...وبالطبع أشيد بحرص المفاوض المصرى أيا كان موقعه على طاولة التفاوض وتفانيه فى الدفاع عن حقوق بلده ...لكنى أرى أهمية دعم فريق التفاوض من خلال امكانية الاستعانة بأحد أوببعض الشخصيات أو القامات المتنوعة التى تركت بصمات فى مجال العلاقات بين البلدين,سواء فى مجال الرى أو الدبلوماسية أو القبطيات أو الاثيوبيات وغيرها وقد اكتسبت ثقة الجانب الاثيوبى ,ومن الممكن أن يكون لها تأثيرها خلال الفترة المقبلة على الأقل فى الخروج من الدائرة المغلقة الحالية بمعطيات ومفاهيم جديدة قد تنقلنا الى مرحلة  أهم وأكثر قدرة على التحرك...وفقط أشير الى الحراك الهام الذى حدث جراء الزيارات المتبادلة لوفد الدبلوماسية الشعبية خاصة بين الدول الثلاث:مصر واثيوبيا والسودان ,وحتى رغم الانتقادات التى وجهت له.

مشاركة :