«دوتشيه فيليه»: رحلة مسبار الأمل لبناء وتطوير قدرات الإمارات الفضائية

  • 6/22/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يؤكد فريق مسبار الأمل، الذي ينطلق إلى المريخ الشهر المقبل، أن السبب الرئيس لمهمته هو العلم، ولذلك، كانت الرحلة لهذا الكوكب، لا إلى القمر مثلاً، كما أن الموضوع لا يتعلق بالوصول إلى الفضاء وحسب، إنما بمهمة مصممة لبناء وتطوير قدرات الإمارات الفضائية، وتشجيع الابتكار المحلي، وإلهام الأجيال الجديدة المقبلة من العلماء، مع أفق وظيفي رحب، ومستقبل مستدام. موقع «دوتشيه فيليه» الألماني، يقول إنه كل 18 إلى 23 شهراً، يتراصف كوكبا الأرض والمريخ، على نحو يجعل الذهاب إلى عمق الفضاء أيسر قليلاً، أو أسرع نوعاً ما على الأقل، ويقلص ذلك الواقع، مسار الرحلة إلى الكوكب الأحمر، من حوالي تسعة أشهر إلى سبعة. ويعني بالتالي، أن شهر يوليو المقبل، سيكون حافلاً بالمهمات إلى شهر مارس. ثلاث مهمات تنطلق بفَرْق أيام، أحدها عن الآخر، فلدينا مهمة مسبار الأمل الإماراتية لاستكشاف المريخ، ومهمة «مارس 2020» للوكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»، مع مركبة «المثابرة»، ومهمة «تيانوين 1» الصينية، مع مجموعة من الروبوتات والمسبارات، علماً بأنه كانت توجد مهمة رابعة في أوروبا باسم «إكسومارس 2020». تأجيل أما بالنسبة لمهمة «مسبار الأمل» الإماراتية، فإن أي تأجيل لموعد الإطلاق اليوم، يعني تأخر مخطط الـ 100 عام للتحول الوطني، ورحلات الفضاء بين الكواكب، وعليه، فإنه بعد جولة من التفكير السريع، تنبأت الإمارات بحدوث الإقفال العام، وإغلاق الحدود الدولية، فسارع الفريق بإرسال مسبار الأمل وطاقم من المهندسين الإماراتيين، لموعد الانطلاق من اليابان، قبل فوات الأوان. هناك شعور بالإلحاح والمثابرة في الإمارات، يعود إلى زمن تأسيس الدولة عام 1971، انطلاقاً من ورشة البنى التحتية من مواصلات وتعليم، وتقول معالي سارة الأميري وزيرة دولة للعلوم المتقدمة، قائد الفريق العلمي لمشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل»، في مقابلة مع موقع «دويتشه فيليه» الألماني: «كان جلياً مدى أهمية إنجاز الأمور سريعاً، لتسير بشكل متكافئ مع العالم من حولنا». يمكن ملاحظة ذلك في طريقة نمو وازدهار مهمة مسبار الأمل، حيث إن دولة الإمارات العربية المتحدة، تعمل على تطوير القمر الصناعي لرصد الأرض منذ عام 2006، وهي فترة قصيرة بحدّ ذاتها. إلا أن مهمة مارس انطلقت من مرحلة دراسة الجدوى في عام 2013، إلى موعد الإعلان بعد عام واحد فقط، وصولاً إلى موعد الإطلاق في العام الحالي 2020، أي بمعدل ست سنوات. «لا نملك مئة عام لنتطور بشكل عضوي ونتقدم، ولطالما كان الأمر كذلك على شكل قفزات سريعة»، تقول سارة الأميري: «هناك توجه إلى التنويع، والسبيل نحو القيام بذلك، يكمن في استعمال نفط اليوم، أي المعرفة والخبرة الموجّهتين بالعلم والتكنولوجيا»، علماً بأن رؤية قطاع الفضاء يزدهر، يمثل شغفاً قديماً بالنسبة لكل من الأميري، والمهندس عمران شرف مدير مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ. جرأة تشير الأميري في هذا الإطار، إلى أنها لم «تجرؤ قط على أن تحلم بالفضاء لغياب الفرص»، علماً بأنها بدأت مشوار البرمجة في الصف الخامس في المدرسة، ودرست هندسة الكمبيوتر، وتشغل اليوم منصب وزيرة الدولة للعلوم المتقدمة. أما شرف فيقول إنه لطالما كان يشعر بالفضول إزاء الأقمار الصناعية، ويتمنى لو أنه يستطيع العمل على برنامج للفضاء، وقد درس شرف الهندسة الكهربائية، وعاد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، لينضم إلى فريق من الشباب الإماراتي المكلف بإعداد برنامج فضائي، حيث بدؤوا بجمع الخبرات في كوريا الجنوبية، والعمل على الأقمار الصناعية لرصد الأرض «دبي سات 1 و2». لا يتعلق الأمر بالوصول إلى الفضاء وحسب، إنما بمهمة مصممة لبناء وتطوير قدرات الإمارات الفضائية، وتشجيع الابتكار المحلي وإلهام الأجيال الجديدة المقبلة من العلماء، مع أفق وظيفي رحب ومستقبل مستدام. وإن كان السؤال المنطقي الذي يفرض نفسه «لماذا ليست المهمة إلى القمر؟ فهو أقرب إلينا، في نهاية المطاف، يقال لك إن الإجابة تكمن في العلم». يشير شرف في سياق الحديث إلى «دوتشيه فيليه»: «إننا لا نقلل من قيمة القمر، فتلك مهمة ليست بالسهلة أيضاً، حيث إن الوصول إلى هناك صعب، إلا أن المريخ يقبع في المرحلة التالية، وحين يتعلق الأمر بالأسئلة العلمية، والغاية من استكشاف المريخ، فإنه يسعنا تكوين أساس منطقي، فالمريخ كوكب يعتقد العلماء أنه كان يتمتع بالحياة يوماً، وأصبح ميتاً، وإن فهم ما حصل هناك، ولماذا خسر الغلاف الجوي، يساعدنا على فهم كوكبنا بشكل أفضل». بحث يشكل الكوكب الأحمر مساحةً ناشطة للبحث القائم على البيانات التي يتم جمعها «على الكوكب»، تقول الأميري، بدلاً من التلسكوبات وبقية أنواع المراقبة والرصد، وعليه، تضيف بأن مهمة استكشاف المريخ ستقدم المعطيات التي يحتاجها المجتمع العلمي العالمي فعلياً، وقد تعاون الفريق الإماراتي مع جامعات أمريكية وبريطانية، واستعان بمشورة مجموعة تحليل برنامج استكشاف المريخ (MEPAG)، التابع لـ «ناسا»، وهو عبارة عن منتدى من الخبراء، ينشر «دراسات رؤية» علمية، تفصّل الغايات والأسئلة العلمية التي نحتاج الإجابة عنها، والمتعلقة بالكوكب. أهداف ولمسبار الأمل مجموعة أهداف علمية أساسية، حيث يأمل أن يكون الأول الذي يقدم صورة متكاملة حول الغلاف الجوي للمريخ، وسيحاول شرح أسباب وكيفية خسارة الكوكب الأحمر لعنصري الهيدروجين والأكسيجين في الفضاء، على امتداد سنة «مريخية» كاملة، والأهم أن المسبار سيقوم باستكشاف الدورة النهارية للمريخ، وهو أمر غير مسبوق، مستعيناً بأدوات ثلاث، هي مطياف للأشعة ما فوق البنفسجية، وكاميرا رقمية ومطياف للأشعة ما دون الحمراء، سيقوم الفريق بتركيب الصور لخلق صورة للغلاف الجوي السفلي، صعوداً نحو العلوي، إلا أن مدار مسبار الأمل، سيلعب الدور المركزي في جمع البيانات المطلوبة. ويعتبر فرنسوا فورغيت من مختبر الأرصاد الديناميكية في باريس، الضالع في مهمة مسبار الأمل، أن «الأدوات ليست ثورية، إنما المدار جديد بالكامل»، ويقول مضيفاً: «يدور المريخ كما كوكب الأرض في مدة تستغرق 24 ساعة و38 دقيقة، وسيكون للمركبة الفضائية مدار إهليلجي يمتد مسافة تقارب 20 ألف كيلومتر عند أدنى نقطة، و43 ألفاً عند المستوى الأعلى، وحين يكون «المسبار» عند مستوى الـ 20 ألف كلم، فإنه سيبقى فوق الموقع نفسه على المريخ، ويدور مع الكوكب لمدة ثماني ساعات، وسيمنحنا ذلك إمكانية أن نراقب ما يجري على امتداد فترة النهار، لذا، سنرى، على سبيل المثال، الضباب الصباحي يختفي هنا، وعاصفة تهب هناك، ومن ثم سيرتفع مجدداً، وحين تكون المركبة الفضائية في موقع أكثر ارتفاعاً، فإنها تتحرك ببطء أكبر، في حين أن الكوكب يستمر بالدوران تحتها، وحين تعود لمستواها الأدنى، فإنها ستدور مع الكوكب مجدداً، لذا، فإننا سنرى ما يحصل طوال الوقت». ومع كل انتقالة للمدار، سيتمكن مسبار الأمل من تعقب المواقع المختلفة من مداريه الأسفل والأعلى، وسيتم في نهاية المطاف، جمع البيانات لتكوين صورة متكاملة لتلك المواقع على امتداد 24 ساعة نهاراً وليلاً، إلا أن الأمر قد يتطلب ثلاث دورات مدارية لموقع محدد لتكديس معطيات الدورة النهارية الكاملة، حسب ما يقول فورغيت. معلومات ستكون المعلومات والبيانات بمتناول المجتمع العلمي، بما يسمح بربطها بالبيانات الأخرى، كالمعلومات السيزمية، التي جمعها مسبار «إنسايت»، أو المعطيات الأخرى المتعلقة بالغلاف الجوي، الآتية من مسبار «مافن». هناك الكثير من الأسئلة المطروحة التي لا يمكن لمهمة وحيدة الإجابة عنها جميعاً، إلا أن العلماء يرغبون في النهاية بأن يعرفوا كيف أصبح المريخ كوكباً غير صالح لإقامة البشر عليه، ولماذا لا يمكن لغلافه الجوي حمايتنا، كما على كوكب الأرض. يعتبر الغلاف الجوي للمريخ رقيقاً، يشبه غلاف الأرض، إلا أنه يتكون بشكل أساسي من غاز ثاني أكسيد الكربون، مع كمية قليلة فقط من الأكسجين وبخار المياه، لذا، فإن معرفة المزيد عن سبب تلاشي الأكسجين الذي يحتاجه البشر للعيش والتنفس، عن المريخ، يشكل عنصراً جوهرياً لفهمنا لكوكب الأرض. «لقد طرحت مجموعة تحليل برنامج استكشاف المريخ، مجموعة من الأسئلة على المجتمع العلمي، وأشياء نحتاج لأن نتعلمها كي نفهم سرّ تطوّر المريخ، وأحد تلك الأمور، يتعلق بتغير الغلاف الجوي تاريخياً، أي فهم نظام المناخ، ودورة الليل والنهار، والديناميات ذات العلاقة، وما التغيرات الموسمية»، تقول الأميري: «لماذا تحصل عواصف الغبار الكونية على المريخ، فنحن نشهد على عواصف محلية إقليمية، لكنه يشهد على عواصف غبار كونية. لذا، ما العوامل التي تسمح لكوكب بأن تبتلعه عاصفة غبار وحيدة». أما بالنسبة للسؤال المحدد، المتعلق بسبب خسارة المريخ للغلاف الجوي، فقد بحث العلماء في إمكانية أن يكون الأمر عائداً للفضاء نفسه، أن يكون الغلاف الجوي، مثلاً، قد «جرّد» بفعل العواصف الشمسية، تلك التيارات من الجزيئات المشحونة التي تقذفها الشمس بسرعات قد تصل إلى 900 كيلومتر في الثانية. وتقترح بعض النظريات الأخرى، أن يكون الأمر متعلقاً بكوكب المريخ بحدّ ذاته «هناك عواصف غبار وتشكّلات غيوم ودورات بخار الماء، وإننا نتساءل عن مدى تأثير ذلك في خسارة الهيدروجين والأوكسجين من المريخ في الغلاف الجوي الخارجي»، كما تقول الأميري. وستقوم مهمة مسبار الأمل، بالإجابة عن السؤال، عبر أخذ قياسات متزامنة بواسطة تكنولوجيا الأشعة ما دون الحمراء في الغلاف الجوي الدنيوي، حيث سيعمد المسبار إلى دراسة درجات الحرارة والغيوم الجليدية، وتقنية الأشعة ما فوق البنفسجية، لاستطلاع طبقة الأوزون المريخية في الغلاف الجوي الأدنى، وفقدان الهيدروجين والأكسيجين في الغلاف الجوي العلوي. وستكون هناك كاميرا بسيطة، ستمكن مسبار الأمل من التقاط «صور حلقية» للكوكب، قد تعكس «ظواهر مثيرة للاهتمام»، وفق فورغيت، الذي يقول: «على سبيل المثال، وقبل بضع سنوات، وجدنا تلك الغيوم المتطاولة، التي تتشكل بالقرب من جبل أوليمبوس (البركان الأضخم على المريخ)، وقد وصل امتدادها إلى 2000 كيلومترٍ، وهذه ظاهرة لم نرَ مثيلاً لها مسبقاً، لأننا كنا ننظر إلى المريخ على شكل شرائط من منطلق الفترة المحلية ذاتها، لذا، فإن الصورة الحلقية، قد تكون مميزة وممتعة، وعلمية في آن». هل ستتكلل مهمة الإمارات إلى المريخ بالنجاح؟ قال مالكوم ماكدونالد بروفسور تكنولوجيا الفضاء في جامعة ستراثكلايدد بغلاسكو، في حديث لموقع «دوتشيه فيليه» الألماني، إن هذه المهمات العالمية للمريخ، إذا لم تذهب الآن، سيكون عليهم الانتظار طويلاً، ولهذا السبب، قام الأمريكيون مثلاً بإعطاء الأولوية، خلال «كورونا» لـ (ديمو-2)، ضمن مهمة «سبايس إكس» المأهولة، بطاقم إلى محطة الفضاء الدولية، ومهمة مارس. لقد قيل الكثير حول انطلاق المهمة من اليابان، إلا أن وكالة الفضاء اليابانية «جاكسا»، تشير إلى أن المهمة «برنامج مستقل خاص بالإمارات»، وذلك على الرغم من أن الإطلاق عن منصة صاروخ (H-IIA)، من مركز تانيغاشيما الفضائي، سيتم، ليس عبر الوكالة، بل باستخدام منصة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة، ويشكل ارتباط اليابان بالعملية، محطة تجدر الإشارة لها، باعتبار أن لليابان مصالحها الخاصة في المريخ. وقد أكد نوبويوشي فوجيموتو من وكالة «جاكسا»، أن مهمة «إم إم إكس» اليابانية في عام 2024، ستعمل على استكشاف قمري المريخ، وجمع عينات من أحدهما وجلبها للأرض. السؤال الوحيد المتبقي الآن، يتمحور حول ما إذا كانت مهمة الإمارات إلى المريخ، ستتكلل بالنجاح، ويقول ماكدونالد في هذا الإطار: «الذهاب إلى المريخ مهمة صعبة، حيث لم يحقق الكثيرون النجاح، فالأمريكيون والأوروبيون وروسيا والهند، قد داروا حوله، علماً بأنه كان لروسيا العديد من الإخفاقات أثناء محاولات الهبوط على المريخ، تماماً كما اليابان»، أما عن حظوظ الإمارات، فيعتبر ماكدونالد أن مركبة الإطلاق، تعتبر كتلةً ضخمةً نوعاً ما، إلا أن لليابانيين إرث معتبر في المجال، لذا، يمكن توقّع نجاح عملية الإطلاق، ووصول المركبة إلى المريخ، وطالما أنها تستيقظ وتدخل في مسارها الصحيح، فإن الأمور بخير، لكن لا يمكن توقع النجاح بشكل حاسم، لأن الفضاء مجال بغاية الصعوبة». تابعوا أخبار الإمارات من البيان عبر غوغل نيوز طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App

مشاركة :