سرّع الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي في الأسابيع الأخيرة من وتيرة تحركاته، للدفاع عن خيارات المحور التركي القطري في الكثير من القضايا الإقليمية وعلى رأسها الملف الليبي. وبعدما أعلن المرزوقي في أواخر العام 2019 عن اعتزاله عالم السياسة، فضّل العودة مجددا للترويج للدعاية الإخوانية بعدما شنّ حملة السبت الماضي ضد النظام المصري الذي يتأهب للتدخل العسكري في ليبيا لإعادة ترتيب موازين القوى بعدما دعمت أنقرة حكومة فايز السراج والميليشيات الداعمة لها. تونس- أثبت المنصف المرزوقي الرئيس التونسي الأسبق مرة أخرى، اصطفافه التام وتجنّده للدفاع بكل ما أوتي من قوة عن المحور التركي – القطري لا فقط في علاقة بما يحصل في جارة تونس ليبيا، بل في كل قضايا المنطقة. اللافت للانتباه، في إطلالات المرزوقي مؤخرا والتي ظلّت حكرا وحصرا على وكالة الأناضول التركية أو على صفحته الرسمية بفيسبوك، أنها تندرج في إطار خطة دعائية كاملة تروج لمشاريع جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا وفي كل الدول العربية الأخرى. حين خرج الرئيس التونسي الأسبق بخسارة مدوية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في موفى عام 2019، أعلن الرجل في نص مطول ومفصّل اعتزاله عالم السياسة. خطوة دفعت آنذاك خصومه قبل أنصاره لأن يكنوا له الاحترام على جرأته واعترافه بالهزيمة. استهداف القاهرة منذ تدخّلت تركيا عسكريا بصفة مباشرة في ليبيا لدعم حكومة فايز السراج بالمرتزقة والسلاح، عاد المرزوقي إلى نفس الخط والخطاب السياسي اللذين يحملهما ليوظف كل تطور يحصل فقط لخدمة أنقرة أو الدوحة. حكم المنصف المرزوقي في تونس مباشرة بعد اندلاع ثورة يناير 2011 وتقلّد منصب رئيس للجمهورية ليس بالانتخاب الشعبي المباشر بل بتوافقات حصلت مع حركة النهضة الإسلامية في فترة حكم الترويكا بين 2011 و2013 وكان توجهه السياسي والدبلوماسي واضحا وهو دعم المشروع القطري – التركي في تونس وليبيا وسوريا ودول أخرى كثيرة. لن يكون شيئا مستغربا في تونس، لو عاد رئيس سابق رغم إعلان اعتزاله السياسة للخوض سياسيا في مسائل تهم الداخل التونسي أو تنتقد من يحكم بعد انتخابات 2019، لكن أن يتم توظيف النفس لفائدة مشروع بعينه وفي ظرفية دقيقة ومعينة أعلنت فيها تركيا علنا من جهة عن مشروعها الاستعماري في ليبيا، ومصر من جهة ثانية التي أعلنت مؤخرا على لسان رئيسها عبدالفتاح السيسي ترك الباب مفتوحا أمام التدخل العسكري المصري في ليبيا، هو ما يثبت أن تحركات المرزوقي ليست اعتباطية بل مسطرة وتمليها أجندة دعائية مترابطة. المنصف المرزوقي تقلّد منصب رئيس للجمهورية ليس بالانتخاب الشعبي المباشر بل بتوافقات حصلت مع حركة النهضة الإسلامية المنصف المرزوقي تقلّد منصب رئيس للجمهورية ليس بالانتخاب الشعبي المباشر بل بتوافقات حصلت مع حركة النهضة الإسلامية وانتهز المرزوقي السبت الماضي حضوره في مؤتمر افتراضي لشخصيات عامة من عدة دول عبر تطبيق زووم، نقلته قناة “وطن” المحسوبة على جماعة الإخوان، ليشن من جديد حملة ضد النظام المصري وذلك بالتزامن مع إعلان السيسي عن تمسك القاهرة بالدفاع عن مصالحها في ليبيا وتشديده على أن سرت والجفرة خط أحمر وذلك في ردّ مباشر على تصريحات تركية قبله بساعات طالبت قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر بالانسحاب من سرت والجفرة. وحاول الرئيس التونسي الأسبق الدخول مرة أخرى من نفس الباب الذي يريد أن ينمقّه بجرعة حقوقية أي ملف الرئيس المصري السابق، الإخواني محمد مرسي وذلك عبر إطلاقه دعوة “لاستقلال مصر وقبول الجميع بالديمقراطية، والعدالة الاجتماعية”. وقال المرزوقي “للأسف الشديد، عندما كنت في الرئاسة (2011 -2014) كنت أعلم أنهم (لم يسمهم) لا يمكن أن يتركوا مرسي وكنت أتوقع اغتياله، لأنه سعى إلى 3 أمور كبرى”. وأضاف “الأمر الأول استقلال مصر، والثاني قضية الديمقراطية للجميع دون استثناء الإسلاميين، والثالث موضوع العدالة الاجتماعية في ظل مواجهة نخبة لا تقبل بإعادة توزيع الثروات”. وشدد المرزوقي “معركة مرسي يجب أن نواصلها، لا يجب أن نبكي على هذا الرجل العظيم، فلقد سقط في معركة عظيمة”. تصريحات بهذه الخطورة تأتي على لسان رئيس سابق للدولة التونسية في وقت ما، لا تثير فقط استهجان المصريين أو الليبيين الرافضين للتدخل التركي في بلادهم، بل تزعج بشكل أكبر التونسيين، الذين تتبنى مؤسسات دولتهم الرسمية خطا دبلوماسيا محايدا وغير مصطف وهو ما أكده في أكثر من مرة الرئيس التونسي قيس سعيد منذ وصوله إلى كرسي الحكم في قصر قرطاج. أهداف شخصية علاقات مصالح علاقات مصالح لقد أعلن المرزوقي قبل تقلده الرئاسة في تونس وخلال فترة حكمه وفي ما بعدها، عن تمسكه الدائم بمدنية الدولة وبالقيم النبيلة والإنسانية للثورات الطامحة لبناء جمهوريات ديمقراطية، لكن إصراره على القول إنه سيواصل معركة مرسي فيه الكثير من الدلالات السياسية والإشارات الأيديولوجية، لأن مرسي ولئن تختلف التقديرات بشأن وفاته في السجن، فإن مشروعه السياسي كان دائما وأبدا يرمي إلى أخونة الدولة المصرية ومن ثمة الشروع في التمكين بمختلف الدول العربية. لم تكن هذه الإطلالة الأخيرة، وحدها عنوانا وحيدا لتجديد المرزوقي لانخراطه في مشروع سياسي يبدو أنه لا يستطيع التخلص منه، مشروع يخوّن كل من يعارضه ويتهمه بأنه يمثل “الثورة المضادة”، فبمجرّد العمل قليلا على تواتر المفردات نفسها التي استعملها الرئيس التونسي الأسبق في فترة وجيزة يتأكد أن الهدف واضح وأن مقاصده لا تخرج عن سياقات وضع النفس تحت لواء أجندة واحدة شعارها سطوة أنقرة وبقية تفريعات الإسلام السياسي في المنطقة. قبل الظهور الأخير السبت، خرج المرزوقي أيضا في تدوينة سابقة نقلتها وكالة الأناضول التركية بتاريخ 6 يونيو 2020 ليهنئ، حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج على الانتصارات العسكرية التي حققتها بدعم من الميليشيات والمرتزقة الذين أرسلتهم أنقرة إلى ليبيا في المنطقة الغربية ضد الجيش الوطني الليبي. وقال المرزوقي “كل التهاني لأهلنا في طرابلس، للشعب الليبي، وكل التمنيات أن تنتهي محنته في أقرب وقت، ويعم السلام غربا وشرقا وجنوبا”. وأضاف “كل التهاني أيضا للأخ فايز السراج وحكومته الشرعية، ولمؤسسات الدولة الليبية، وللأبطال الذين مرغوا أنف الفاشيين الجدد في الرمل، ورحم الله كل الشهداء.. دماؤهم الزكية هي التي تسقي شجرة الحرية العربية”. الغريب أن المرزوقي الذي تقلّد أيضا منصب رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان في عهد الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، يعلل اصطفافه إلى جانب حكومة الوفاق وداعميها الأتراك بأمله في أن تتكوّن في ليبيا دولة مدنية ديمقراطية خالية من الفساد والحال أنه يدرك جيدا وأكثر من غيره أن من يدير خيوط اللعبة في البلد الجار هي ميليشيات تمثل الخط الإخواني الذي يكفر أصلا بمفهوم الديمقراطية. ليس من قبيل الجديد أو الشيء اللافت، ملاحظة استنفار المرزوقي لنصرة إخوان ليبيا وأنقرة وقطر، فقد اتهمه في عام 2018 كل من مستشاره السابق في قصر قرطاج عدنان منصر وكذلك القيادي في حزبه حراك تونس الإرادة طارق الكحلاوي بأنه بالغ في الاصطفاف وراء تركيا وقطر. المرزوقي أعلن سابقا في نص مطول ومفصّل اعتزاله عالم السياسة، لكنه عاد الآن ليدافع بقوة عن تركيا وقطر وفيما قال منصر في نفس الفترة وتحديدا في شهر سبتمبر 2018 لدى استقالته من حزب المرزوقي، إن الرئيس الأسبق أفرط في مواقفه الداعمة لهذين البلدين، أكد الكحلاوي بدوره الأمر ذاته حرفيا قائلا “بينما يرى المرزوقي أن الاصطفاف وراء المحور القطري التركي يخدم مصلحة تونس، نحن كأعضاء في الحزب نرى أنّ الاصطفاف الآلي لا يخدم مصلحة تونس التي بإمكانها أن تتقاطع مع بعض الدول وذلك في إطار الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية” . ومن الرهانات السياسية الأخرى التي تختلج طموحات المرزوقي، ليس فقط إرضاء المحور الذي دعمه في أكثر من محطة منذ اندلاع ثورة يناير 2011، بل تفكيره أيضا بجدية في العودة إلى الحياة السياسية التونسية مستقبلا عبر مغازلة الإسلاميين الذين أوصلوه سابقا أولا، لرئاسة الجمهورية في 2011 وثانيا تمكينه من رصيد شعبي تجاوز المليون ناخب في عام 2014 حين نافس الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي. يدرك المرزوقي جيّدا الآن، خاصة بعدما خسر مساندة الخزان الانتخابي لحركة النهضة في انتخابات 2019، أن العودة من الباب الكبير للسياسة في تونس لن تكون إلا من خلال عنوانين أساسيين، الأول يتعلق بمزيد إرضاء تركيا وقطر والثاني يذهب رأسا لمحاولة احتواء الإسلاميين من داخل حركة النهضة التي تشقها خلافات كبيرة وكثيرة سببها غضب شريحة واسعة من الأنصار على رئيس الحزب الإسلامي راشد الغنوشي. كما يلعب الرجل الطامح للعودة للمشهد على ما يقضيه الغنوشي راهنا لأصعب أيامه سياسيا بعدما تواترت كل عوامل الضغط ضده كرئيس للبرلمان التونسي من قبل خصومه وكذلك من قبل الغاضبين من خطه داخل حركته. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :