هذيان سياسي وتشريعي يدمر ما تبقى من سمعة مصر

  • 7/7/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أعلن المتحدث العسكري العميد محمد سمير اليوم التقديرات الرسمية للجيش عن عدد قتلى الجماعات الإرهابية في سيناء خلال الأسبوع الأول من يوليو ، وقال أنه تم قتل 241 إرهابيا ، وتدمير 26 عربة استخدموها في اعتداءاتهم ، فإذا حدث أن نشرت أنا أو أي صحفي مصري آخر أمس أو أول أمس أو اليوم أو غدا أن قتلى الإرهابيين كانوا 240 ، أو أن ما تم تدميره من عربات استخدموها هو 25 عربة ، فسأكون معرضا للسجن مدة لا تقل عن عامين بموجب المادة 33 من قانون الإرهاب الجديد : (يُعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية) ، قد يبدو الكلام عبثيا أو أقرب إلى الكوميديا السوداء ، ولكن مع الأسف هذا ما فكر فيه البعض ويتم اعتماده حاليا كتشريع في الدولة المصرية . القانون الجديد يأتي في سياق موجة من الهستريا السياسية والإعلامية لأجهزة رسمية وأبواق إعلامية موالية لها ، لا تنفك عن التحريض على الإعلام كله وأي صوت معارض أيا كانت درجته أو تياره أو منطقه ، وأي مواطن مصري يريد أن يحتفظ بالمسافة الضرورية بين كونه مواطنا يخدم وطنه في إطار الدستور والقانون وما يراه مصلحة الوطن وصلاحه وبين كونه مخبرا يتلقى التعليمات والتوجيهات من المشرف وينفذها كما وصلته ، موجة هستيرية مجنونة تضعك في خانة العمالة والتآمر والخيانة الوطنية إذا حاولت ، مجرد محاولة ، أن تتساءل عما تراه من سياسات أو إجراءات خاطئة أو خارج المنطق فضلا عن حقك الدستوري والفطري في أن تقول : لا . القانون الجديد المزعوم لمحاربة الإرهاب يجعل من الصحافة المصرية ، الرسمية والحزبية والمستقلة ، أقرب لملاحق لمجلة المجاهد التي تصدرها القوات المسلحة ، أو نشرات دورية تصدر عن الشؤون المعنوية للجيش ، وهو أمر يؤدي إلى قتل أي مصداقية لدى تلك الصحف ، أو أي جاذبية إعلامية تضطر المواطن إلى شرائها أو مطالعتها أو تصفح مواقعها لمعرفة الحقيقة ، وفي المحصلة تبدأ هجرة المصريين إلى الإعلام الأجنبي لمعرفة حقيقة ما يدور في البلد ، وعندما يذهب إلى هناك فإنه لن يعبأ بالمعلومة فقط ، وإنما بالكثير الذي كانت تخافه السلطة وتخاف من تأثيره على الوعي العام في البلد ، أي أن نتيجة مثل هذا القانون الأخرق هو خدمة الإعلام المعادي بالفعل ، ودعم نفوذ الإعلام غير المصري وتأثيره في تشكيل الوعي الوطني تجاه الأحداث وحتى تجاه أحداث الإرهاب ، كل ما يمكنك تحقيقه من هذا القانون أن تخرج الإعلام المصري من ساحة المعركة على العقل المصري ، لكي تبقى معركة المتحدث الرسمي للقوات المسلحة مع الإعلام الإقليمي والدولي الذي يغمرك عبر الفضائيات والانترنت وفضاء التواصل الاجتماعي الرهيب ، وبطبيعة الحال المعركة هنا محسومة في نتيجتها ، ولا أحد في العالم ، لا عندك ولا عند غيرك من الدول والحكومات ، يبحث عن معرفة الحقيقة حصريا من المتحدث الرسمي ، عسكريا كان أو سياسيا أو أمنيا ، وهذا يعني بداهة أن يكون أكثر تصديقا للرأي الآخر والمعلومة الأخرى ، باختصار ، مثل هذا القانون لا قيمة له على الإطلاق في منظومة الإعلام والتقنية الحديثة ، فقط هو يشوه سمعة النظام ، ويدمر الإعلام الوطني ، ويصنع فراغا إعلاميا يملأه آخرون بسهولة وخطورة معا . أغلب الصحف المصرية لديها مندوبون معتمدون بالشؤون المعنوية للقوات المسلحة ، والمندوب ينشر كل ما يرسله الجيش من معلومات وتقديرات موقف ونشاطات ، بالكامل وحرفيا ، وجميع تلك الصحف ـ بلا استثناء ـ تصطف مع الجيش في معركته ضد الإرهاب ، ولكن ، لأننا جميعا بشر ، ولا يوجد قديسون ولا ملائكة في عالم السياسة ، فالخطأ وارد ، وبالتالي فمن حق الإعلامي أن يبحث عن الصورة من جميع جوانبها ، وأن ينشر بعض المعلومات التي ترد إليه من مصادره التي يطمئن للموثوقية فيها ، أو من الوكالات الدولية المعتمدة ، وإذا كان الخطأ واردا في تقديراته اللحظية ، فالخطأ وارد أيضا في تقديرات القائد العسكري ، وهي أمور يمكن إدراكها بسهولة بعد ذلك ، بالتواصل المستمر والتوضيحات المنطقية والمعلومات الغزيرة من الإدارة المختصة ، بدون حاجة إلى مثل هذه القوانين المنتمية إلى عصر ما قبل الحرب العالمية الأولى ، وليس عصر السموات المفتوحة أو حروب الجيل الرابع والخامس كما يحلو لبعض القادة أن يرددوا ، والمعلومات عن عدد شهداء الجيش في العمليات الأخيرة ، والتي أغضبت القيادة العسكرية ، كانت تنشرها فضائية اسكاي نيوز عربية وهي فضائية تابعة للحكومة الإماراتية ، ويشرف عليها الوزير سلطان الجابر وهو نفسه الشخص الذي يشرف على أعمال اقتصادية للجيش المصري فيها شراكة مع الجانب الإماراتي ، فإن كان هناك تصور لخطأ ، فهو قطعا غير مقصود به أي معنى سلبي ، هو مجرد سباق إعلامي وراء المعلومة خاصة بعد أن صمتت الجهات الرسمية ساعات طويلة بدون أي معلومات والعالم كله يتابع وينشر، وتلك الأرقام نشرتها وكالات كبرى مثل رويترز ، كما وردت في بيانات عزاء الأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولين دوليين كبار ، بما يعني أنه مستحيل على أي إعلامي عاقل تجاهلها ، مع التزامه بعد ذلك وقبل ذلك ، بنشر البيان الرسمي ، والتأكيد على أن هذا هو البيان الرسمي المعتمد للقوات المسلحة المصرية . أثناء الحرب الأمريكية في أفغانستان ، ثم العراق ، ثم حربها على داعش ، والحرب البريطانية في العراق ، والهجمات الفرنسية في ليبيا ومالي وغيرها وحتى في الكيان الصهيوني وحربه على غزة ، كان دائما هناك أصوات النقد في الإعلام المحلي لجوانب من السلوك العسكري أو السياسي للدولة ، ونقاشات علنية مستفيضة وبعضها له طابع فني وتقني ومعلومات عن المعارك والخسائر والأحداث مغايرة تماما للرواية الرسمية للدولة ، ومع ذلك لم يضق قادة الجيوش ذرعا بالإعلام ولا اتهموه بالخيانة الوطنية أو العمالة أو إضعاف الروح المعنوية للجنود وهم في معركة مع الإرهاب ويتعرضون للمخاطر ، ولا فكرت حكومة واحدة منهم أن تسن قانونا يلزم الإعلاميين بأن لا ينشروا سوى النص أو المعلومات التي يرسلها لهم القائد العسكري على سبيل الحصر وإلا تعرضوا للسجن والتنكيل ، ولو فكر أحدهم في ذلك لاعتبروه هذيانا ، بل إن بعض ما نشره الصحفيون من وقائع ومعلومات مغايره لما كانت تذيعه الجهات الرسمية ألزمت الحكومات بمحاكمة بعض القادة والجنود وسجن بعضهم ، رغم أن الحرب قائمة ومخاطرها قائمة ، بعد أن ثبت أن ما قاله الإعلام كان صحيحا وأن هناك تجاوزات وأخطاء تستحق العقوبة علنا. almesryoongamal@gmail.com المصريون

مشاركة :