تحتفي الأوساط الثقافية والفنية، اليوم الثلاثاء، بذكرى ميلاد الشاعر أمل دنقل، أحد أبرز شعراء الفصحى في عصره، فقد استوحى قصائده من رموز التراث العربي، وكان يعتبر والده مصدر إلهام له يستمد منه روح الشعر، نظرا لكونه معلما للغة العربية وناظما للشعر، ما أهله لامتلاك مكتبة كانت تعد مرجعية شاعرنا وزاده منذ الصغر. تأثر "دنقل" بالأجواء السياسية التي أعقبت حرب السادس من أكتوبر 1973، واستشعر ميل الرئيس محمد أنور السادات ناحية مفاوضات معاهدة السلام، فكتب قصيدته المشهورة والممتلئة بالغضب التي تحمل عنوان "لا تصالح".تنشر "البوابة نيوز" قصيدة "لا تصالح" للشاعر أمل دنقل، في ذكرى ميلاده احتفاء به.لا تصالحْ"..ولو منحوك الذهبأترى حين أفقأ عينيكثم أثبت جوهرتين مكانهما..هل ترى..؟هي أشياء لا تشترىذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،حسُّكما فجأةً بالرجولةِ،هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،الصمتُ مبتسمين لتأنيب أمكما.. وكأنكماما تزالان طفلين!تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:أنَّ سيفانِ سيفَكَ..صوتانِ صوتَكَأنك إن متَّ:للبيت ربٌّوللطفل أبْهل يصير دمي بين عينيك ماءً؟أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟إنها الحربُ!قد تثقل القلبَ..لكن خلفك عار العربلا تصالحْ..ولا تتوخَّ الهرب!لا تصالح على الدم.. حتى بدم!لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍأكلُّ الرؤوس سواءٌ؟أقلب الغريب كقلب أخيك؟!أعيناه عينا أخيك؟!وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لكبيدٍ سيفها أثْكَلك؟سيقولون:جئناك كي تحقن الدم..جئناك. كن يا أمير الحكمسيقولون:ها نحن أبناء عم.قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلكواغرس السيفَ في جبهة الصحراءإلى أن يجيب العدمإنني كنت لكفارسًا،وأخًا،وأبًا،ومَلِك!لا تصالح..ولو حرمتك الرقادصرخاتُ الندامةوتذكَّر..إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامةأن بنتَ أخيك "اليمامة"زهرةٌ تتسربل في سنوات الصبابثياب الحدادكنتُ، إن عدتُ:تعدو على دَرَجِ القصر،تمسك ساقيَّ عند نزولي..فأرفعها وهي ضاحكةٌفوق ظهر الجوادها هي الآن.. صامتةٌحرمتها يدُ الغدر:من كلمات أبيها،ارتداءِ الثياب الجديدةِمن أن يكون لها ذات يوم أخٌ!من أبٍ يتبسَّم في عرسها..وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها..وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،لينالوا الهدايا..ويلهوا بلحيته وهو مستسلمٌويشدُّوا العمامة..لا تصالح!فما ذنب تلك اليمامةلترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،وهي تجلس فوق الرماد؟!لا تصالحولو توَّجوك بتاج الإمارةكيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟وكيف تصير المليكَ..على أوجهِ البهجة المستعارة؟كيف تنظر في يد من صافحوك..فلا تبصر الدم..في كل كف؟إن سهمًا أتاني من الخلف..سوف يجيئك من ألف خلففالدم الآن صار وسامًا وشارةلا تصالح،ولو توَّجوك بتاج الإمارةإن عرشَك: سيفٌوسيفك: زيفٌإذا لم تزنْ بذؤابته لحظاتِ الشرفواستطبت الترفلا تصالحولو قال من مال عند الصدامْ".. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام.."عندما يملأ الحق قلبك:تندلع النار إن تتنفَّسْولسانُ الخيانة يخرسلا تصالحولو قيل ما قيل من كلمات السلامكيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟كيف تنظر في عيني امرأة..أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟كيف تصبح فارسها في الغرام؟كيف ترجو غدًا.. لوليد ينامكيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلاموهو يكبر بين يديك بقلب مُنكَّس؟لا تصالحولا تقتسم مع من قتلوك الطعاموارْوِ قلبك بالدم..واروِ التراب المقدَّس..واروِ أسلافَكَ الراقدين..إلى أن تردَّ عليك العظام!لا تصالحولو ناشدتك القبيلةباسم حزن "الجليلة"أن تسوق الدهاءَوتُبدي لمن قصدوك القبولسيقولون:ها أنت تطلب ثأرًا يطولفخذ الآن ما تستطيع:قليلًا من الحق..في هذه السنوات القليلةإنه ليس ثأرك وحدك،لكنه ثأر جيلٍ فجيلوغدًا..سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،يوقد النار شاملةً،يطلب الثأرَ،يستولد الحقَّ،من أَضْلُع المستحيللا تصالحولو قيل إن التصالح حيلةإنه الثأرُتبهتُ شعلته في الضلوع..إذا ما توالت عليها الفصول..ثم تبقى يد العار مرسومة بأصابعها الخمسفوق الجباهِ الذليلة!لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجومورمى لك كهَّانُها بالنبأ..كنت أغفر لو أنني متُّ..ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.لم أكن غازيًا،لم أكن أتسلل قرب مضاربهملم أمد يدًا لثمار الكروملم أمد يدًا لثمار الكرومأرض بستانِهم لم أطألم يصح قاتلي بي: "انتبه"!كان يمشي معي..ثم صافحني..ثم سار قليلًاولكنه في الغصون اختبأ!فجأةً:ثقبتني قشعريرة بين ضلعين..واهتزَّ قلبي كفقاعة وانفثأ!وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّفرأيتُ: ابن عمي الزنيمواقفًا يتشفَّى بوجه لئيملم يكن في يدي حربةٌأو سلاح قديم،لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمألا تصالحُ..إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:النجوم.. لميقاتهاوالطيور.. لأصواتهاوالرمال.. لذراتهاوالقتيل لطفلته الناظرةكل شيء تحطم في لحظة عابرة:الصبا بهجةُ الأهل صوتُ الحصان التعرفُ بالضيف همهمةُ القلب حين يرى برعمًا في الحديقة يذوي الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِوهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرةكلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرةوالذي اغتالني: ليس ربًا..ليقتلني بمشيئتهليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينتهليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرةلا تصالحْفما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..في شرف القلبلا تُنتقَصْوالذي اغتالني مَحضُ لصْسرق الأرض من بين عينيَّوالصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!لا تصالحولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخوالرجال التي ملأتها الشروخهؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهموسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخلا تصالحفليس سوى أن تريدأنت فارسُ هذا الزمان الوحيدوسواك.. المسوخ!لا تصالحْلا تصالحْ.
مشاركة :