لمن هذا الاقتباس؟

  • 7/8/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لا يتوقف الكتاب والباحثون، وهم يقدمون وجهات نظرهم ورؤاهم، عن الرجوع إلى أمّهات الكتّب، والاستناد إليها في تأكيد أطروحاتهم، معززين نصوصهم باقتباسات من هنا وهناك، فيجد القارئ في كل فقرة من تلك النصوص، عبارات من نوع كما يؤكد المفكر، أو كما يورد الفيلسوف، أو وفق ما قدمه الكاتب... وغيرها من العبارات. ما يدعو إلى التوقف في ظل ذلك، هو أن كل تلك الكتابات - أعني المقالات والبحوث والأطروحات الحديثة - تبدو هشة وليست أهلاً للثقة، إن لم تكن قائمة على جملة من المراجع والمؤلفات، وتزداد صحتها ودرجة ثقتها، كلما زاد عدد المراجع والكتب التي عاد إليها الكاتب. قد يكون هذا دقيقاً ونافعاً في الحقول العلمية، إذ كل الفرضيات التي باتت أشبه بحقائق تمّ اختبارها ودراستها على يد أجيال من العلماء، أما في ما يتعلق بالعلوم الإنسانية، فالحقيقة تبدو هلامية ولا يمكن الإمساك بها، أو الجزم في نتائجها، كما هي الحال حين يقول أحد الرياضيين: إن مجموع زوايا المثلث الداخلية يساوي 180 درجة. الأمر في ذلك لا يشبه القول بتعريف مفهوم الحب، أو فكرة الخير، أو الجنون، أو حتى الشعر، فكل هذه المفاهيم تنتمي إلى العلوم الإنسانية، والحديث فيها يتشعّب ويأخذ أشكالاً جديدة بعدد الدارسين لها، ولا يمكن اعتماد مفهوم واحد أو أصيل لواحدة منها. لذلك تضع فكرة المغالاة في الاستناد إلى المراجع، عائقاً كبيراً أمام الكتّاب والمفكرين المتفلتين من الرؤى الجاهزة والعبارات المقننة التي تكبح جماح تأملاتهم، إذ يصبح الكاتب خائفاً إزاء كل جملة يكتبها، فلا تتشكل كتابته إلا في إطار إنتاج علاقات جديدة مع عدد من المؤلفات والمراجع الراسخة. اللافت في هذا هو أن تلك المؤلفات التي باتت مراجع بحكم السلطة الزمنية أو حجم مؤلفيها، لم تكن تضع في الحسبان هذه الآلية في الكتابة، بل كانت تطرح رؤاها وتترك للتاريخ أن يؤكد صحّتها أو يهدمها، فالراجع إلى مؤلفات الجاحظ، والسيوطي، وابن خلدون، والفراهيدي، وغيرهم، لا يجد إشارات اقتباس عن مؤلفات سبقتهم. ورغم أن كل هؤلاء كانوا يهضمون تجارب من سبقوهم، ويعرفون أين وصلت ميادين علومهم، فإن استنادهم إلى المرجع لم يكن ركيزة بقدر ما كانوا يستندون إلى التجربة، والتأمل، واختبار الفرضيات، والاستعانة ببعض الشواهد السابقة، نوعاً من الكشف عن أصول المعرفة التي يخوضون بها. فمثلاً حين يقول ابن خلدون في حديثه عن الخط، إنه صناعةٌ شريفة يتميّز بها الإنسان عن غيره، وبها تتأدّى الأغراض؛ لأنّها المرتبة الثّانية من الدلالة اللغويّة، لا يضع رقماً في آخر العبارة ويكتب في هامش الصفحة، اسم المرجع، ومؤلفه، ورقم الصفحة، وسنة الإصدار. لذلك يحتاج الكاتب اليوم إلى التخلص من سلطة المرجع، وسلطة الزمن المعرفي، وإنتاج رؤاه وأطروحاته القابلة للصواب والخطأ. Abu.arab89@yahoo.com

مشاركة :