اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين يصحح أخطاءها في وعد بلفور

  • 6/24/2020
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

إذا كان هناك وقت ينبغي فيه إعادة تقييم الإرث الاستعماري ومسؤولياته، فإنه هذا الوقت الحالي، وتعتبر سرقة فلسطين من الفلسطينيين من ضمن هذا الإرث، ففي الثاني من نوفمبر 1917 أصدر وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور، وعد بلفور لدعم «إنشاء وطن قومي لليهود» في فلسطين، وفي عام 1917 كان اليهود يشكلون 10% من السكان، أما البقية فكانوا من العرب الفلسطينيين، ومع ذلك اعترفت بريطانيا بالحقوق الوطنية لهذه الأقلية الصغيرة وأنكرتها على الغالبية. وعندما كتب رئيس الحكومة البريطانية الحالي بوريس جونسون سيرة حياة رئيس حكومة بريطانيا السابق، ونستون تشرشل، عام 2014 وصف جونسون وعد بلفور بأنه «غريب»، و«غير مترابط على نحو مأساوي» و«قطعة متقنة التركيب من بشاعات وزارة الخارجية». وهذا مثال نادر على حكم صائب، ودقة تاريخية من جونسون. لقد مكن وعد بلفور الحركة الصهيونية من الشروع في سيطرة ممنهجة على فلسطين، وهي عملية وصفتها الصهيونية في البداية بأنها استعمار استيطاني، وهذه العملية لاتزال مستمرة حتى الآن. وفي عام 1917 كان اليهود يملكون 2% من أراضي فلسطين، وفي عام 1947 اقترحت الأمم المتحدة تقسيم أراضي فلسطين الواقعة تحت الانتداب البريطاني إلى دولتين: واحدة للعرب والثانية لليهود، وبموجب هذه الخطة تم تخصيص 55% من أراضي فلسطين لليهود على الرغم من أنهم كانوا لايزالون يمتلكون 7% منها فقط. وفي سياق حرب عام 1948، تمددت دولة إسرائيل المتشكلة حديثاً على 78% من أراضي فلسطين تحت الانتداب، وتم تأكيد هذا الوضع الراهن في مرحلة ما بعد الحرب عن طريق اتفاقات الهدنة التي أبرمتها إسرائيل مع جيرانها العرب عام 1949، وهي الحدود الدولية الوحيدة المعترف بها لدى إسرائيل. وفي حرب عام 1967 أكملت إسرائيل السيطرة على فلسطين عن طريق احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، وبعد إبرام اتفاقية أوسلو مع إسرائيل عام 1993، تنازلت منظمة التحرير الفلسطينية عن 78% من أراضي فلسطين. وبالمقابل كان الفلسطينيون يأملون إنجاز دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، ولكن ذلك لم يحدث. فشل أوسلو كان هناك أسباب عدة لفشل عملية أوسلو، ولكن السبب الرئيس كان التوسع الاستيطاني الإسرائيلي المتواصل على الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد حرب عام 1967، وعن طريق توسيع هذه المستوطنات أظهرت جميع الحكومات الإسرائيلية، سواء العمل أو الليكود، أنها مهتمة بالأرض أكثر من اهتمامها بالسلام. وبعد تشكيل حكومة ائتلاف جديدة إثر ثلاث عمليات انتخابات لم تؤد الى نتائج حاسمة خلال عام واحد، أعلن زعيم الليكود بنيامين نتنياهو عن خططه ضم نحو 30% من أراضي الضفة رسمياً، بما فيها الكتل الاستيطانية ووادي الأردن، وهناك غالبية في الكنيست الإسرائيلي تؤيد هذا الضم، الذي إن حدث فعلاً فسيترك للفلسطينيين نحو 15% من أراضي فلسطين التاريخية، وستكون هذه العملية بمثابة المسمار الأخير في نعش عملية السلام وحل الدولتين، التي لايزال المجتمع الدولي متمسكاً بها حتى الآن. ويأتي الدعم لعملية الضم هذه من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، صديق نتنياهو وحليفه السياسي المقرب، وفي يناير 2019 كشف ترامب عن «صفقة القرن» التي تباهى بها كثيراً، وهي ليست خطة سلام وإنما مصادقة أميركية على كل رغبات نتنياهو. ومما لا يبعث على الدهشة، أن نتنياهو أشاد بها، وكذلك أتباعه من اليمين المتطرف باعتبارها وعد بلفور ثانياً، فهي تمنح إسرائيل الحرية لضم ثلث أراضي الضفة الغربية تقريباً، دون التفاوض مع الفلسطينيين، ناهيك عن تقديم أي تنازلات. وتقدم خطة ترامب للفلسطينيين 50 مليار دولار على مدى خمس سنوات، إذا قبلوا بـ«دولة» تتألف من مجموعة من الجيوب التي تحيط بها المستوطنات، والقواعد العسكرية الإسرائيلية، دون أن يكون هناك تواصل جغرافي بين أراضيها، ودون عاصمة في القدس الشرقية، وبلا جيش، ولا حدود مع العالم الخارجي، ولا سيطرة على السماء ولا على الموارد الطبيعية. وسيكون مسموحاً لهم فقط بأن يسموها دولة إذا التزموا بشروط عدة تحددها إسرائيل. وبكل المعايير، فإن هذا الاقتراح ينطوي على ظلم ومهانة. ويواجه نتنياهو احتجاجات واسعة ضد الضم من الأحزاب السياسية الإسرائيلية اليسارية، ومن شبكة منظمات اليهود في الشتات، ومن مجموعة مؤلفة من 220 جنرالاً إسرائيلياً سابقين وقادة المنظمات الأمنية الإسرائيلية، الذين يسمون أنفسهم «قادة من أجل أمن إسرائيل»، وتتمثل المحاججة الرئيسة لهذه المجموعة المتنوعة من الشخصيات في أن الضم سيكون ضاراً بأمن إسرائيل، لأنه سيكون من الصعب والمكلف حماية هذه الحدود الطويلة، إذ إن ثمة مخاطرة بحدوث انتفاضة فلسطينية ثالثة، تشكل تهديداً لاتفاقيات السلام مع مصر والأردن، وتلغي احتمالات التطبيع مع بقية العالم العربي، وتحول إسرائيل «رسمياً إلى دولة أبارتهايد». وفي الحقيقة فإن جميع هذه الحجج تهتم بازدهار إسرائيل وسمعتها أكثر من اهتمامها بالحقوق الفلسطينية. ويمكن قول الأمر ذاته عن مجموعة من اليهود البريطانيين البارزين الذين يصفون أنفسهم بأنهم «صهاينة ملتزمين وأصدقاء إسرائيل الصريحين»، وفي رسالة تم إرسالها إلى سفير إسرائيل في لندن، مارك ريغيف، حذر هؤلاء من أن الضم من جانب واحد من شأنه أن «يشكل تهديداً وجودياً على تقاليد الصهيونية في بريطانيا، وعلى إسرائيل التي نعرفها». والحقيقة فإن القلق على رفاهية الظالم، وليس على المظلوم، هو تعبير بالٍ للخطاب الاستعماري. وانضمت الحكومة البريطانية إلى 10 دول أوروبية أخرى لتحذير إسرائيل من عملية الضم في حين أن 130 عضواً في البرلمان وقعوا على رسالة مفتوحة تحث جونسون على فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل، إذا أمعنت في غيها وقامت بعملية الضم. وهؤلاء الأعضاء على صواب، لذلك فإن هذا التحرك لابد منه لأن التعابير الفاترة للرفض، لم تساعد يوماً على ردع الحكومة الإسرائيلية. ولابد من القول إن الاعتراف بفلسطين كدولة ضمن حدود عام 1967 هي طريقة أخرى يمكن أن تقوم بها بريطانيا لتصويب أخطاء وعد بلفور، وتجعلها في الجانب الصائب من التاريخ. واعترفت العديد من البرلمانات الأوروبية بفلسطين، ولكن حكومة واحدة فقط اعترفت بها كدولة هي السويد. وفي عام 2017، رفض جونسون الذي كان في حينه وزيراً للخارجية، دعوة حزب العمال للمملكة المتحدة أن تحتفل بالذكرى المئوية لوعد بلفور عن طريق الاعتراف بدولة فلسطين، وقال في حينه «هذه اللحظة ليست الوقت المناسب للعب هذه الورقة»، وبالتأكيد فإن هذه اللحظة قد أزفت الآن. آفي شلايم  أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد كان هناك أسباب عدة لفشل عملية أوسلو، ولكن السبب الرئيس كان التوسع الاستيطاني الإسرائيلي المتواصل على الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد حرب عام 1967. وعن طريق توسيع هذه المستوطنات أظهرت جميع الحكومات الإسرائيلية، سواء العمل أو الليكود، أنها مهتمة بالأرض أكثر من اهتمامها بالسلام. عام 1917 كان اليهود يملكون 2% من أراضي فلسطين، وفي عام 1947 اقترحت الأمم المتحدة تقسيم أراضي فلسطين الواقعة تحت الانتداب البريطاني إلى دولتين: واحدة للعرب والثانية لليهود، وبموجب هذه الخطة تم تخصيص 55% من أراضي فلسطين لليهود على الرغم من أنهم كانوا لايزالون يمتلكون 7% منها فقط. تقدم خطة ترامب للفلسطينيين 50 مليار دولار على مدى خمس سنوات، إذا قبلوا بـ«دولة» تتألف من مجموعة من الجيوب التي تحيط بها المستوطنات، والقواعد العسكرية الإسرائيلية، دون أن يكون هناك تواصل جغرافي بين أراضيها، ودون عاصمة في القدس الشرقية، وبلا جيش، ولا حدود مع العالم الخارجي، ولا سيطرة على السماء ولا على الموارد الطبيعية. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App

مشاركة :