أصدرت وحدة الرصد باللغة الفرنسية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، تقريرا بعنوان "تصاعد حدة العمليات الإرهابية في ظل "كورونا" على الأراضي الفرنسية".وأشارت إلى ما شهدته الأراضي الفرنسيّة من عمليات إرهابيّة خلال فترة الحجر الصحيّ المفروضة في البلاد بسبب تفشّي فيروس "كورونا"، يؤكد على أنَ فرنسا لا تزال هدفًا رئيسًا للعمليات الإرهابيّة، وهو ما أكده مؤخرًا "نيكولا ليرنر"، المدير العام للأمن الداخلي (DGSI)، قائلًا: "إن التهديد الإرهابيّ الذي كان سائدًا في فرنسا قبل بداية الأزمة الصحيّة، والذي كان في الأساس تهديدًا داخليًا، لم يختفِ مع الحجر المنزليّ، ولا يزال على مستواه السابق. فالدعاية المتطرفة ما زالت مستمرة، لاسيّما في إنتاجها، ونشرها ومشاركتها عبر شبكات التواصل الاجتماعيّ".وقالت إن المتأمل في السياق الفرنسيّ خلال الفترة الأخيرة، لاسيّما خلال شهر أبريل 2020، والذي يشهد بوضوح وقوع عمليات إرهابيّة رغم حالة الطوارئ الصحيّة، وجهود مكافحة جائحة "كورونا" حيث وقع حادثان إرهابيان خلال شهر أبريل 2020. ففي يوم السبت الموافق 3 من أبريل 2020، قام رجلًا في الثلاثين من عمره بالهجوم بسكين على المارة في شارع "رومان سيريزير" الرئيسيّ، وسط مدينة "ليون" بجنوب شرق فرنسا، ما أسفر عن مقتل اثنين، وجُرح خمسة أشخاص آخرين. وقد أثار هذا الحادث خشية فرنسا من تجدّد الهجمات الإرهابيّة غير المسبوقة التي بدأت في 2015.وفي مساء الاثنين الموافق 27 من أبريل 2020، قام سائق سيارة يبلغ من العمر 29 عامًا، ومن قاطني بلديّة "كولومب" الفرنسيّة، وهو من مواليد "لونفيل" التابعة لـ "مورت وموزيل" - بدهس رجال شرطة في بلديّة "كولومب"، التابعة لإقليم "أو- دو – سين" في "إيل – دو – فرانس"، شمال فرنسا، مما أسفر عن إصابة اثنين من أفراد الشرطة الوطنيّة، حالتهما خطيرة. وذلك عند حاجز تفتيش نصبته الشرطة الوطنيّة الفرنسيّة بالقرب من استاد "إيف – دومانوار". وأكدت بهذا يثبت الإرهاب - بما لا يدع مجالًا للشك - أنه لا يحترم الظرف الإنساني الذي يعاني منه العالم جراء فيروس كورونا، وأن هذه الحوادث الإرهابيّة ليست من قبيل المصادفة. ومن هنا نتساءل: هل نجحت التّنظيمات الإرهابيّة والمتطرفة في تنفيذ أجنداتها الدمويّة رغم الجائحة الصحيّة التي تفتّك بالعالم بأسره؟، فنرى الإرهاب يستمر في الانتشار في أجزاء كثيرة من العالم، حيث اعتبر التنظيمان الإرهابيان "داعش والقاعدة" أن فيروس "كورونا" ليس سوى عقاب من الله، كما يرونه وسيلة لتعزيز نفوذهم وكسب المزيد من المؤيدين، حسبما أفادت وكالة "أسوشيتد برس"، يوم 2 من أبريل 2020.وأردفت على سبيل المثال، دعا تنظيم "القاعدة" في بيان له غير المسلمين إلى استغلال فترة الحجر المنزليّ في الإقدام على دراسة الإسلام والقرآن. بينما حثَّ تنظيم "داعش" من جانبه المؤمنين على التخطيط لهجمات جديدة.من جانبها، حذَّرت "مجموعة الأزمات الدولية" (INTERNATIONAL CRISIS GROUP) المتخصّصة في منع حدوث وتسوية النزاعات الدوليّة حول العالم، من الخطر الذي تمثله هذه الأزمة الصحيّة العالميّة على جهود مكافحة التطرف. كما حذَّرت أيضًا من خطر نقص التواصل والتماسك والتنسيق بين الدول في مكافحة الإرهاب، مما قد يسمح "للإرهابيين بإعداد هجمات إرهابيّة بشكل أفضل". علاوة على أنه في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بمكافحة انتشار "فيروس كورونا"، يأمل تنظيم "داعش" في الاستفادة من انخفاض اليقظة في التعاون الدوليّ في مجال مكافحة الإرهاب.ومن جهة أخرى، أشار "هوجو ميكرون" الباحث في المركز الوطنيّ الفرنسيّ للبحث العلميّ (CNRS)، إلى وجود صلة بين السجون وبعض المناطق من جهة وبين تنامي نشاط الجماعات الإرهابيّة من جهة أخرى. جدير بالذكر أن "ميكرون" كان قد أجرى العديد من المقابلات داخل السجون مع المتطرفين، والبالغ عددهم نحو الثمانين، كما قام بزيارة عدة مناطق رئيسيّة في فرنسا وبلجيكا، مثل "تولوز" و"باريس" و"ضاحية مولينبيك" الشهيرة في بروكسل، ووجد العديد من الصلات ونقاط التلاقى بين تلك الحركات المتطرفة التي تقطن تلك المناطق. كما رأى أن فكرة "الخلافة" ساعدت على توطيد العلاقات بين الجماعات المتطرفة، ودفعتهم للمشاركة في أعمال العنف داخل وخارج فرنسا.بينما دعت دراسة أجراها "توماس رونارد"، الباحث بالمعهد الملكيّ للعلاقات الدوليّة "إيغمونت" (EGMONT) ببروكسل، الحكومات إلى عدم الاستسلام للخوف في خياراتها، حيث يلوح في الأفق إطلاق سراح مئات الأشخاص المحكوم عليهم في قضايا تتعلق بالإرهاب في أوروبا. وأشارت الدراسة إلى أن هناك نحو (4000) شخص تمَّ اعتقالهم في دول أوروبيّة بتهمة الإرهاب، ومن المتوقع إطلاق سراح عدد كبير منهم بعد انقضاء مدة عقوبتهم خلال العامين المقبلين. ففي فرنسا بحلول عام 2025، ينبغي الإفراج عن (90%) من نحو (1700) سجين بتهمة الإرهاب أو التطرف، موضحًا أن الشاغل الرئيس للأجهزة الأمنيّة هو تحديد مدى خطورة هؤلاء على الأمن القوميّ للبلاد. ومنذ عام 2018، أثار متخصصون من الشبكة الأوروبيّة للتوعية بمخاطر التطرف (RAN)، ووزراء العدل، وخبراء الأمم المتحدة مسألة "التهديد الرئيسيّ"، والذي ازداد بشكل أكبر منذ ظهور قضية عودة مقاتلي "داعش" من سوريا والعراق بعد هزيمة التنظيم الإرهابي في معاقله الرئيسيّة.وفي هذا الصدد، أكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف في أكثر من تقرير له على ضرورة وضع برامج فكريّة ودينيّة ونفسيّة واجتماعيّة لتنفيذها داخل السجون؛ بهدف تقويم فكر هؤلاء المتطرفين قبل إطلاق سراحهم؛ لضمان عدم عودتهم مجددًا إلى هذا الفكر الظلاميّ ولكي لا يكونوا غنيمة للتّنظيمات الإرهابيّة لاستقطابهم وتحويلهم إلى ذئاب تُنفذ ما تؤمر به من عمليات إرهابيّة.ومما سبق يتضح أنَ تنظيم "داعش" الإرهابي، رغم الجائحة الصحيّة التي تعصف بالعالم بأسره، ما زال لديه القدرة على الاستهداف، بفضل "الخلافة السيبرانيّة"، التي يستغلها في نشر خطاباته المتطرفة للسيطرة على عقول "ذئابه المنفردة"، وعقول المتعاطفين معه، لشنِّ المزيد من الهجمات الإرهابيّة. الأمر الذي يؤكد لنا بأن "الشبكة العنكبوتيّة" لا تزال تُستغل من قبل الجماعات والحركات المتطرفة، لتكون ذراعًا فتاكًا للتطرف والاستقطاب. وهو ما يدعو مرصد الأزهر لمواصلة جهوده في فضح هذا الفكر المنحرف وكذلك هو الأمر الذي يدعو كافة المؤسسات الدوليّة إلى ضرورة التصدى للدعاية المتطرفة، عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعيّ.
مشاركة :