رغم أن الصين تعتبر من أول الدول التي تعرضت لتفشي فيروس كورونا المستجد، لكن لم أتوقع أن الوباء سيقترب مني في يوم من الأيام. منذ يوم ال11 من يونيو الجاري حتى يوم الثلاثاء (23 يونيو)، تم تسجيل 249حالة مؤكدة محلية جديدة لفيروس كورونا المستجد في مدينة بكين، وحدث ذلك بعد خلو المدينة من حالات مؤكدة محلية لمدة أكثر من 50 يوما متتاليا. وحسب التحقيقات المعنية بهذا الانتشار، أكدت السلطات الصحية المحلية بعد فترة وجيزة من ظهور الوباء أن معظم المصابين كان لديهم صلة وثيقة بسوق شينفادي لبيع المنتجات الزراعية بالجملة. وبناء على ذلك، قررت سلطة بكين المحلية إغلاق السوق في اليوم الثاني من ظهور أول حالة جديدة في بكين وتطبيق الحجر الصحي على 11 حي سكني قريب من السوق، وبما فيها الحي السكني الذي أقيم فيه. ومنذ ذلك اليوم، بدأت حياتي تحت الحجر الصحي. (سعاد في الحي السكني الذي تعيش فيه) جهود بكين في السيطرة على انتشار الوباء تقع سوق شينفادي لبيع المنتجات الزراعية بالجملة في جنوبي بكين، وتعتبر أكبر سوق جملة للخضروات واللحوم والمواد الغذائية بالمدينة، وكانت تتحمل مسؤولية تزويد سكان بكين بكميات كبيرة من إمدادات المواد الغذائية. وتحتل السوق مساحة كبيرة تتجاوز أكثر من 1600 هكتار، والتي تتعدى مساحة 160 ملعب كرة قدم. وكان عدد الزائرين والعاملين في هذه السوق الكبيرة يتراوح عشرات الآلاف من الناس يوميا. وإذا انتشر الوباء بينهم، فستكون النتيجة قاتمة. (سوق شينفادي لبيع المنتجات الزراعية بالجملة بجنوبي بكين) تحركت السلطات المحلية ببكين على الفور، وأغلقت السوق وجمعت أكثر من 5000 عينة من المأكولات البحرية واللحوم والبيئة المحيطة لإجراء اختبار الحمض النووي لفيروس كورونا الجديد. وجاءت نتيجة الاختبار إيجابية لأربعين عينة من البيئة المحيطة بسوق شينفادي. كما خضع كل العاملين في السوق والزائرين الذين ذهبوا إليها منذ نهاية مايو الماضي وكذلك السكان المقيمين بالأحياء السكينة القريبة منها، لاختبارات الحمض النووي. ثم اتسع نطاق الاختبارات إلى العاملين في المطاعم والأسواق المختلفة بأرجاء المدينة والسكان المقيمين بالمناطق التي توجد فيها مخاطر الإصابة بالعدوى الوبائية. وحتى يوم ال20 من يونيو، تم إجراء اختبار الحمض النوي على أكثر من مليون شخص من أبناء بكين. التحقيقات المعنية بأسباب وراء الحالات المؤكدة الجديدة بعد ظهور الحالات المؤكدة الجديدة التي كانت معظمها على صلة وثيقة بسوق الجملة شينفادي، تحركت السلطات الصحية المحلية ببكين بسرعة كبيرة. ووفقا للتحقيقات العلمية المعنية، أشار الخبراء المتخصصين بعلم الأوبئة إلى ان هناك سببين محتملين وراء عودة انتشار فيروس كورونا الجديد في بكين، أحدهما هو دخول الفيروس بكين عبر السلع الملوثة، والآخر هو انتقال كوفيد-19 من خلال مصابين دون أعراض أو مع أعراض خفيفة قادمين من خارج بكين. وما زالت السلطات المعنية تعمل حالياً على جمع المزيد من البيانات لمعرفة أسباب تفشي كوفيد-19 المفاجئ في المدينة. ما هي الصلة بين سمك السلمون وانتشار الفيروس في بكين؟ أجرت السلطات المحلية في بكين عملية البحث عن مصادر العدوى الفيروسية، حيث وجدت 40 عينة بيئية نتيجتها إيجابية للمرض في سوق شينفادي، بما فيها اكتشاف فيروس كورونا الجديد على لوح تقطيع سمك السلمون، الأمر الذي أحدث تساؤلات واسعة حول: ما إذا كان سمك السلمون ناقل لفيروس كورونا الجديد إلى الإنسان؟ وفي هذا الصدد، أشار الخبراء المتخصصين بعلم الأوبئة إلى أنه من الصعب تحديد مصادر العدوى في سوق شينفادي في الوقت الراهن، ولا يمكن اعتبار سمك السلمون كمصدر، بمجرد وجود للفيروس على لوح التقطيع. علما أن الأسماك بصفتها كائنات منخفضة المستوى لنقل الفيروس إلى الانسان و لم يحدث أي انتقال من فيروساتها إلى الإنسان سابقا، كما أنه لا يوجد دليل على أن الفيروس يمكنه التكاثر في الأسماك . الإجراءات المتخذة بخصوص السفر من وإلى بكين في موجة التفشي للوباء أعلنت بكين رفع مستوى الاستجابة لحالة الطوارئ الصحية من المستوى الثالث إلى المستوى الثاني منذ يوم ال16 من يونيو الجاري، وحددت أكثر من 30 حي سكني من فئة متوسطة المخاطر وحيين إثنين من فئة عالية المخاطر في المدينة. وبذلك، اتخذت بكين بعض الإجراءات بخصوص السفر من وإلى المدينة من أجل السيطرة على الوباء. وعلى سبيل المثال: إن الأشخاص الذين يقطنون الأحياء متوسطة وعالية المخاطر، والأشخاص ذوي الصلة مع سوق المنتجات الزراعية في شينفادي، لا يُسمح لهم بمغادرة بكين. وإن الأشخاص الآخرين الذين يحتاجون إلى مغادرة المدينة، يجب أن يسجلوا نتائج سلبية في اختبار الحمض النووي يكون تم إجراؤه خلال مدة لا تتجاوز سبعة أيام. وإن الأشخاص الذين يدخلون المدينة من الخارج سيخضعون لملاحظة طبية في أماكن محددة، وسيخضعون لاختبارات الحمض النووي. كما أعلنت بكين تعليق الرحلات الجماعية بينها وبين المقاطعات. كيف هي حياة سكان المدينة؟ في ظل رفع بكين مستواها للاستجابة الطارئة ضد فيروس كورونا المستجد، لا تحتاج المدينة إلى توقيف العمل والإنتاج. لكن، يجب على المؤسسات تخفيض نسبة التشغيل فيها، وتشجيع العاملين بها على العمل عن بعد. وفي الوقت الحالي، ما زالت حياة أبناء المدينة تسير بطريقة منظمة كما كانت في السابق، لكن بإلتزام تعليمات الأمن والوقاية بصرامة أكثر من السابق للوقاية من الوباء. تجربتي في فحص الحمض النوي لفيروس كورونا المستجد تبعد سوق الجملة شينفادي عن الحي السكني الذي أعيش فيه بأكثر من 500 متر، ويستغرق المشي من بيتي إليها خمس دقائق فقط. أصبح حينا السكني من أول الأحياء السكنية التي تم إغلاقها فور ظهور الحالات المؤكدة بسوق الجملة. وفي يوم ال13، وذلك بعد يومين من ظهور الحالات المؤكدة الجديدة ببكين، خضع كل سكان الحي لاختبارات الحمض النووي في الموقع المؤقت للفحص داخل الحي، حيث كان العاملون الطبيون يعملون بدون توقف وحتى منتصف الليل، لإنهاء فحص كل سكان الحي في وقت قصير. (يعمل العاملون الطبيون على إجراء فحص الحمض النوي لسكان الحي السكني ) (اصطفت مجموعة من السكان لانتظار اختبار الحمض النووي في الحي السكني) كان الاختبار يجري بصورة منظمة وسريعة جدا، حيث تنتظر كل عائلة في المنزل، وعندما يأتي دورها، يتصل موظفو لجنة التنظيم بأحد أفراد العائلة هاتفيا لإخبارهم بالتوجه إلى موقع الفحص. كنت أظن أن الاختبار سيكون تجربة مؤلمة، ويحتاج إلى وقت طويل، بسبب وجود عدد كبير من سكان الحي. لكن تجربتي كانت عكس ذلك تماما. لقد كان العاملون الطبيون يقومون بفحصنا بكل صبر، وكانت تحركاتهم سريعة جدا. وبفضل التنظيم السليم من قبل عاملي لجنة إدارة الحي، لم يكن وقت الانتظار بطويل. واستغرق فحصي دقيقتين فقط. في النهاية، كانت نتيجة فحصي للفيروس سلبية، ومن المتوقع أن نخضع لاختبار جديد للحمض النووي بعد 14 يوما منذ إجراء الفحص الأول. وإذا كانت النتيجة سلبية، فيمكننا أن ننهي الحجر الصحي في المنزل. المساعدات المتبادلة بين سكان الحي خلال فترة الحجر الصحي المنزلي (يعمل عاملو التنظيف على تطهير الحي السكني) في اليوم الأول من الحجر الصحي، كنت قلقة فيما يخص التزود بالمأكولات ومستلزمات الحياة، بسبب إجراء الإغلاق على الحي السكني. لكن، سرعان ما، وجدت أنني لا أحتاج إلى القلق على مثل هذه الأشياء. فمنذ بداية فترة الحجر، اتصل عاملو لجنة إدارة الحي بجميع السكان، وأنشؤوا مجموعة لتطبيق ويتشات على الهاتف المحمول لكل السكان، وأرسلوا في المجموعة موقعا إلكترونيا لمنصة التسوق الخاصة بسكان الحي. ويمكننا أن نطلب عبره خضروات وفواكه ومستلزمات ضرورية. كما طلبت لجنة الإدارة متطوعين من بين سكان الحي لتقديم الخدمات الضرورية للسكان الآخرين. وعندما تنقل البضائع المطلوبة عبر التوصيل السريع إلى أمام الحي، يعمل المتطوعون وعاملوا لجنة الإدارة على نقل البضائع إلى داخل الحي ووضعها أمام أبواب الشقق المعنية. وتعيش بكين حاليا صيفا حارا، ويعمل العاملون والمتطوعون من الساعة التاسعة صباحا حتى الساعة السابعة مساء كل يوم وبدون توقف. وبفضل جهودهم الدؤوبة، لم تتأثر حياتنا ولو تأثرا بسيطا بسبب الحجر المنزلي. ويعبر سكان الحي في المجموعة على تطبيق ويشات عن شكرهم العميق للعمل الجاد والنبيل للمتطوعين والعاملين بالحي. ومن أجل تخفيف مهامهم، يفضل السكان عدم طلب البضائع غير الضرورية، وهذا هو ما اتفق عليه الجميع، رغم أن لا أحد يطلبهم بفعل ذلك. كما وفرت لجنة إدارة الحي وبعض السكان دفعات من الخضروات والفواكه، ووزعوها إلى السكان المسنين والمتقاعدين مجانيا، للتعبير عن رعايتهم لجيرانهم المسنين. (مجموعة سكان الحي لطلب الخضروات والفواكه لتطبيق ويشات على الهاتف المحمول ) (المتطوعون في الحي السكني) (يعمل المتطوعون والعاملون بالحي على نقل وتوزيع البضائع إلى السكان) (كتبت إحدى المقيمات في مجموعة ويتشات على الهاتف : شكرا لعاملي لجنة إدارة الحي وكل المتطوعين على توزيع الخضروات والفواكه إلينا، ووضعها أمام باب البيت، إنهم يعملون في هذا الجو الحار للغاية. وتؤثر فينا خدماتكم الممتازة كثيرا، وكل الشكر الجزيل لكم!") (تسوقت سيدة مقيمة بالحي السكني دفعة من الخضروات والفواكه، وعمل المتطوعون على توزيعها إلى أكياس، وتوزيعها إلى المسنين المقيمين بالحي، لمساعدتهم على توفير مستلزمات الحياة خلال هذه الأيام.) (كتب أحد المقيمين بالحي في مجموعة ويتشات بالهاتف بعد حصوله على الخضروات والفواكه المقدمة من الحي مجانيا: شكرا للمتطوعين المجتهدين والسلطات المعنية، إن مساهماتكم ومساعداتكم ورعايتكم توفر لحياتنا دفء كبيرا في فترة الحجر الصحي المنزلي. شكرا لكم!) قد مضت سبعة أيام منذ بدء حجري الصحي في المنزل، ولم أواجه أية مشكلة في الحياة خلال هذه الفترة. ورغم أنني أقطن وسط بؤرة بكين، لكني لم أشعر بخوف كبير وقلق شديد، بسبب وجود الرعاية والدفء حولنا وكذلك الإجراءات والتدابير الفورية المتخذة من قبل سلطة بكين المحلية للسيطرة على الوباء. أعلنت بكين في الأسبوع الماضي أنها قد سيطرت على الوباء، رغم أن حالات مؤكدة جديدة ربما ستظهر على التوالي خلال الأيام المقبلة. لكننا نثق بأن بكين تملك القدرات والتجارب أكثر من أي وقت مضى للتغلب على هذه الموجة من الوباء.
مشاركة :