أزمة لبنان تخنق العمالة الأجنبية | | صحيفة العرب

  • 6/25/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ألقت الأزمة الاقتصادية في لبنان بظلالها لا فقط على الشارع المحتج على سياسات دولة تتهم بالفساد وبالمحاصصة الطائفية، بل أيضا تجلى عمق الأزمة بعدما طالت العمالة الأجنبية خاصة من الدول الأفريقية. وبسبب شح السيولة وجدت شريحة واسعة من اللبنانيين الذين يستقدمون عمالا أجانب للخدمات المنزلية أو لمؤسساتهم، نفسها عاجزة عن دفع رواتبهم ما انجر عنه تسريحهم. بيروت - مع تواصل الأزمة الاقتصادية والمالية الأسوأ في لبنان من الحرب الأهلية في ثمانينات القرن الماضي، برزت العديد من المظاهر التي تؤكد صعوبة الوضع ومن أبرزها المعاناة التي تعيش على وقعها العمالة الأجنبية خاصة الأفريقية التي تمثل فيها الجالية الإثيوبية النصيب الأوفر. أكدت العديد من الجمعيات والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان أن تزامن وباء كورونا مع الأزمة المالية الخانقة في لبنان أدى إلى إقدام الكثير من العائلات والمؤسسات على تسريح العاملات بعدما عجزت عن دفع رواتبهن حتى بالعملة المحلية أي الليرة. تضرر أديس أبابا يناشد الآلاف من الإثيوبيين حكومة بلادهم للتسريع في إجلاء رعاياها من لبنان بعدما تعقدت أوضاعهم المهنية والمالية في بلد ينتفض فيه الشارع على السلطات المتهمة بغياب الإرادة الحقيقية للإصلاح. وبحسب خبراء الاقتصاد، تعود الأسباب إلى فقدان عشرات الآلاف من اللبنانيين لعملهم أو تمكن بعضهم فقط من جزء من رواتبهم. ودفعت هذه الأزمة لبنان إلى الإعلان عن البدء في رحلات طوعية للعمال الأجانب المتضررين جراء الأزمة إلى بلدانهم بالتنسيق مع سفارات بلادهم. وتنقل أولى الرحلات رعايا إثيوبيين ومصريين. وناشدت منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة الأربعاء الحكومات تقديم الدعم لعشرات الملايين من العمال المهاجرين الذين أجبروا على العودة إلى بلدانهم بسبب جائحة فايروس كورونا ليواجهوا البطالة والفقر. وقالت المنظمة في تقرير إنه ينبغي على الحكومات أن تدرج العمال العائدين، الذين فقد الكثير منهم وظائفهم بين عشية وضحاها، ضمن إجراءاتها الخاصة بالحماية الاجتماعية وإعادة دمجهم في أسواق العمل الوطنية. وقالت مانويلا تومي مديرة قسم ظروف العمل والمساواة في منظمة العمل الدولية خلال مؤتمر صحافي “هذه أزمة محتملة داخل أزمة”. وبحسب المنظمة، هناك ما يقدر بنحو 164 مليون عامل مهاجر في العالم، نصفهم تقريبا من النساء، أي ما يعادل قرابة 4.7 في المئة من قوة العمل العالمية. ويعمل كثيرون منهم في قطاعات الرعاية الصحية والنقل وتقديم الخدمات المنزلية والزراعة. الإثيوبيون يناشدون حكومة بلادهم للتسريع في إجلائهم من لبنان بعدما تعقدت أوضاعهم المهنية والمالية وانعكست التطورات في لبنان على الكثير من الدول الأم للعمال والعاملات ومن بينها إثيوبيا التي تزداد عليها الضغوط من أجل إجلاء رعاياها الذين باتوا يعيشون معاناة يومية ومصيرا مجهولا. وكنموذج على هذه المعاناة تمكنت برتقان ميكوانينت التي قضت ثلاث سنوات في لبنان حيث عملت في الخدمة المنزلية، من العودة إلى أديس أبابا بشكل مفاجئ بعدما طال انتظار إجلائها رفقة الآلاف من العمال الإثيوبيين. ويصف أبيي يفرو والد برتقان ميكوانينت مشاعره بتأثر لدى رؤيته ابنته التي سافرت إلى لبنان في العام 2017. ويقول “تأثرنا للغاية جميعنا عندما جاءت لرؤيتنا”، مضيفا “لم أتمكّن من حبس دموعي، وزوجتي بكت أكثر”. لكن الفرحة باحتضان ابنتهما لم تدم طويلا، بعدما روت لهما تجربتها في خدمة عائلة من ثمانية أفراد في لبنان، حيث ظروف العمل السيئة وعدم دفع مستحقات العاملات باتت ظاهرة شائعة. وانضم والد برتقان إلى عدد من الإثيوبيين الذين يناشدون حكومة بلادهم إعادة الآلاف من العاملات في الخدمة المنزلية والعالقات في لبنان الذي يشهد انهيارا اقتصاديا متسارعا منذ العام الماضي، يُعدّ الأسوأ منذ عقود. ويقول أبيي “الوضع صعب للغاية هناك وبالطبع يجب إعادتهن إلى منازلهن”. ويعيش في لبنان نحو 250 ألفا من عمال الخدمة المنزلية، غالبيتهم العظمى من النساء اللواتي يحملن تصاريح عمل ويتحدر القسم الأكبر منهنّ من إثيوبيا. ولا يشمل قانون العمل عاملات المنازل المهاجرات اللواتي يخضعن لنظام كفالة تندد به منظمات حقوقية وناشطون، يربط إقامتهنّ القانونية بعلاقة تعاقدية مع أرباب العمل، ما يمنحهم سيطرة شبه كاملة على حياة العاملات. ووضعت محنة العاملات في الخدمة المنزلية تحت الضوء مجددا خلال الأسابيع القليلة الماضية، مع وصول العشرات منهن إلى القنصلية الإثيوبية بعد طردهن من أرباب العمل وغالبيتهن من دون جوازات سفرهن أو مستحقاتهن. وتشتغل العاملات في ظل ظروف صعبة، ولا يُسمح لهن بالخروج أو الحصول على يوم راحة. كما وثقت منظمات حقوقية وناشطون تعرضهن لعنف جسدي وجنسي أحيانا. وتعتبر الناشطة بانشي يمير إحدى مؤسسات منظمة “إنيا لينيا” غير الحكومية التي أنشأتها عاملات مهاجرات في لبنان، أن ما زاد الوضع سوءا هو غضّ السلطات الإثيوبية نظرها عن الانتهاكات. وتضيف “أستطيع القول إنها لا تفعل شيئا، لم تقدم الحكومة الإثيوبية على أي خطوة”. فرصة للهروب معاناة لا تنتهي معاناة لا تنتهي على غرار كثيرات من الشابات الإثيوبيات، اعتقدت برتقان أن ذهابها للعمل في بيروت سيشكّل وسيلة سهلة لجمع المال وتحسين ظروف عيش عائلتها، بناء على ما سمعته من الوسطاء الذين وعدوها بترتيب سفرها وتأمين سكنها ومصروفها بالإضافة الى راتب قدره نحو مئتي دولار. لكن بعد وصولها، أدركت أنّ الوسطاء سيحتفظون براتب أول شهرين بعدما قطعوا التواصل معها، فيما رفض رب عملها اللبناني دفع بدل أتعابها. وبموجب نظام الكفالة القائم في لبنان، لا يحقّ للعاملة فسخ عقد العمل من دون موافقة مشغّلها، ما يعني أنها وجدت نفسها بين ليلة وضحاها محاصرة حتى انتهاء مدة العقد. وتروي الشابة تفاصيل ساعات العمل الطويلة في مسح الأرضيات وكي الملابس وتنظيف الحمامات، بينما كانت تحصي أيامها على ورقة خبأتها تحت فراشها. وتقول “لم أر اشخاصا آخرين. حتى لو حاولت التحدث عبر الهاتف، كانوا ليمنعونني”، موضحة أنّها استغلت أول فرصة للهرب بعدما نسي أحد أفراد العائلة مفتاحه في المنزل. وتمكنت برتقان من حجز مقعد للعودة إلى بلدها في رحلة نظمتها الحكومة الإثيوبية الشهر الماضي. وحتى اليوم، تمكّنت 650 عاملة من العودة إلى إثيوبيا عبر هذه الرحلات المنظمة، لكن برتقان تريد من حكومتها بذل جهود إضافية في وقت يشهد فيه لبنان انهيارا اقتصاديا فاقمته تدابير الإغلاق العام مع تفشي فايروس كورونا المستجد. وتشرح “أعتقد أنه على الحكومة أن تعيد جميع النساء من هناك، إنهن ينمن تحت الجسور وليس لديهن ما يكفي من الطعام”. قضية تحتاج إلى حل قضية تحتاج إلى حل ولم تعلق وزارة الخارجية الإثيوبية أو القنصلية الإثيوبية في بيروت على القضية الراهنة رغم المطالب المتكررة لحل ملف العاملات في لبنان. ورغم قصص المعاناة، لا تتردّد إثيوبيات أخريات في التعبير عن سعادتهن بالعمل في لبنان، على غرار ألماز جيزاهينغ (32 عاما) التي سافرت إلى بيروت العام 2008 للعمل لدى عائلة مؤلفة من أربعة أفراد. وبعدما وجدت ظروف العمل مرهقة وبدل أتعابها قليلا، انتقلت للعمل في صالون تجميل، حيث نالت راتبا شهريا بقيمة 400 دولار مقابل تنظيفه. وتمكنت على مدى سنوات من إرسال نصف راتبها إلى عائلتها التي انتقلت من منزل مستأجر في أديس أبابا إلى منزل خاص في مدينة تقع على بعد ثلاثين كيلومترا شمال العاصمة. وتقول ألماز “لا أندم على الذهاب إلى لبنان، على الأقل غيّرت حياة عائلتي حتى لو لم أفعل الكثير لنفسي”. ومع بدء الانهيار الاقتصادي في لبنان وشح الدولار، خسرت ألماز وظيفتها واستنفدت مدخراتها قبل أن تتمكن من العودة على متن رحلة إجلاء الشهر الحالي. وتوضح “أعتقد أنّ المستقبل سيكون صعبا للغاية في لبنان. أنصح الشابات الإثيوبيات بالبقاء هنا وإنشاء عمل خاص بهن بدلا من الذهاب إلى هناك”. وتدعو الحكومة بدورها إلى التدخّل لمساعدة العاملات اليائسات العالقات. وتقول “معظم ربات عملهن يقمن برميهن في الشارع، وقبل أن يحدث أي أمر أسوأ، سيكون من الجيّد على الحكومة أن تعيد جميع فتياتنا من لبنان”. وتؤيدها بانشي في هذا المطلب، بالنظر إلى حجم التقارير الواردة إلى منظمتها عن عاملات مكتبئات يشربن المبيضات أو يحاولن القفز من الشرفات. وتوضح “تقاعس الحكومة الإثيوبية يقود عاملات المنازل إلى الاكتئاب”، مؤكدة أنّ “جميعهن يرغبن بالعودة إلى بلدهن. لا أحد يريد البقاء في لبنان”.

مشاركة :