نعود اليوم إلى عدد قديم نسبيًا من مجلة «الثقافة الشعبية» التراثية التي تصدر من مملكة البحرين ويرأس تحريرها الأستاذ الشاعر علي عبد الله خليفة، رئيس المنظمة الدولية للفن الشعبي، حيث اشتمل العدد الثاني من المجلة المؤرخ يوليو – سبتمبر 2008 على بحث مهم بعنوان «عادات وتقاليد الزواج في قرى البحرين – قرية النويدرات أنموذجاً» أعدته الأستاذة سوسن إسماعيل عبد الله. ويسرنا أن نقتطف من هذا البحث بعض الفقرات حول دور «الخطّابة» و «السؤال عن الزوج» حتى مرحلة «المواساة» أو الاتفاق على الزواج. دور الخطّابة: قديمًا كان الخطّابة يتحدثون لوالد الفتاة المراد خطبتها بأنهم سوف يأتون إليه الليلة للزيارة فيرحب بهم، وعندما يأتون ليطلبوا يد ابنته للشخص الذي وكّل لهم مهمة البحث له عن زوجة أو والد العريس نظرا لخبرتهم، وبعدها يذهب الأب ليستشير الابنة وهي مجرد شكليات لإبراء الذمة وهذا راجع إلى كونهم متمسكين بكلام الله، فهي لا تبدي رأيها وإنما والدها هو الذي يقول إن كان يصلح لها أو لا. وتقول أم محمد «كنت نائمة عندما أتى والدي ليقول لي إن هذا الرجل جاء ليتقدم لي وعندها لم يكن لي رأي على الرغم من صغر سني وكنت في الثانية عشرة ولم تأتني الدورة الشهرية بعد وعندها انحسم الأمر» وتقول في الخطّابة المثل الشعبي المشهور بينهم في الدعاء على الخطّابة وهو «أدعي على الخطيب والخطيبة واللي قضى واللي سعى بالغيبة أدعي عليه بالريح والتنصيبة إيموت ما عنده جفن يوصي به» هذا يعكس إلى أي درجة تعاني المرأة في زواجها وتقوم بالتعبير عن رأيها بهذا المثل الشعبي، أما أم محمد تحكي معاناتها عندما تزوجت فتقول «أنه جاء الخطّابة لوالدي ليخطبوني إلى الحاج كاظم وعندها جاء أبي لأمي لينقل لها الخبر فقالت له أفعل ما تراه مناسباً» فالرجل بالنسبة للمرأة هو الذي يستطيع أن يتخذ القرار. وهنا نلاحظ أن المرأة هي من تهمش دورها ولهذا فالرجال يستغلون هذه الفرصة على النساء. ولقد كانت تنشئة النساء على طاعة آبائهن وأزواجهن والرضوخ عند أوامرهن دون أن يناقشنهم فيما هو مطلوب منهن، وإلا تعرضن للعقاب البدني وهي الوسيلة التي يتبعها الرجال في السيطرة على النساء في ذلك الوقت وذلك بسبب هيمنة السلطة الأبوية التي يمارسها الأب مع أبنائه وتعويدهم على استماع أوامره والانصياع إليها. وهذا يعكس معاناة المرأة مع الرجل من خلال القهر والتفرقة في المعاملة بينها وبين الرجل. وكما هو ملاحظ في أهم قضية تخص المرأة وهي اختيار شريك الحياة. حيث يجبر كل من الفتى والفتاة على الزواج من دون أن يرى كل منهما الآخر إلا ليلة الزفاف. وكما يقولون «حظك نصيبك هو أصمخ هو أعور أنتين وحظش» وتعليق ضعفهن على الحظ. وهذا يرجع إلى قلة الوعي بين النساء وعدم مقدرتهن على المقاومة، فالرجل هو المسيطر وكما أن الخوف من الضرب عامل مساعد في ضعف المرأة فهي لا تقدر على مواجهة الرجل لا جسمانياً ولا حتى عقلانيًا. أما الفتاة اليتيمة فلها تصرف آخر ومعاملة خاصة في اختيار شريك الحياة حيث كان عندما يريد الخطاب التقدم إليها أول شيء يفعلونه يذهبون إلى رجل الدين (وهذا الذي يجعلهم يتصرفون معها باحترام وخوف من نظرة هذا الرجل لهم بعد أتباعهم شرع الله)، ليعطي وكيلها أي ولي أمرها عصاً ليقيس طولها ويرى إذا كانت تستطيع أن تصل يدها إلى أذنها أيضًا، فإذا كانت طويلة بالنسبة لعمرها فأنها نضجت، ومن خلال هذه التصرفات تعرف إن كانت مؤهلة للزواج أم لا. كما تكون هناك مقابلة للشيخ مع هذه الفتاة لكي يختبرها إن كانت قادرة على تحمل المسؤولية، فيسألها عن الأمور المنزلية إن أجابت بشكل صحيح وافق وإن لم تجب بشكل صحيح رفض أن يعقد عليها، ونظراً لمسئوليته أمام الله فهو يقوم بما وجب عليه على أكمل وجه في نظر أفراد البحث وذلك لقوله تعالى «وأما اليتيم فلا تقهر» وعند إبرام العقد في النهاية يتأكد من رأيها إن كانت موافقة ويكون بحضورها شخصيًا أمام الشيخ في العقد ليسمع رأيها، وذلك خوفاً من كلام الله ورسوله وهنا لوضوح نص الشرع في هذه القضية.
مشاركة :