حلم مارتن لوثر كينغ

  • 6/27/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

قبل أكثر من نصف قرن كان الزعيم مارتن لوثر كينغ الأمريكي من أصول أفريقية يقف في منصة الخطابة ويلقي خطابه الشهير: (لديَّ حلم)، حين بادره قنَّاص برصاصة اخترقت عنقه ليصمت إلى الأبد دون أن يحقق حلمه، بعد أن أثار أكبر العواصف ضد العنصرية في العصر الحديث. قُتل الزعيم الاستثنائي الذي قاد تظاهرات حاشدة في عدة ولايات أمريكية، وشكَّل حركة مقاومة أهلية منظمة، سلمية ضد الممارسات العنصرية.  وكان ذلك الاغتيال ختامًا أسطوريًا لرجل استثنائي، نال الإعجاب والتأييد من السود والبيض، كما من العالم كله، ليصبح بعدها رمزًا للنضال السلمي ضد التفرقة العنصرية، الذي كانت أول ثماره إعلان الرئيس الأمريكي ليندون جونسون قانون الحماية المدنية للمساواة والعدالة بين الأعراق. كان ذلك في ستينات القرن الماضي، بالتحديد في العام 1963، خلال مسيرة تاريخية إلى واشنطون من أجل الحرية والعدالة.   نال مارتن لوثر كينغ باستحقاق جائزة نوبل للسلام على جهوده الحثيثة اللاعنفية ليكون أصغر من نال هذه الجائزة. وفي خطاب الحلم العظيم قال مارتن لوثر كينغ للأمريكيين: (لا زال لدي حلم داخل الحلم الأمريكي الكبير، ويومًا ما ستصعد هذه الأمة لترتقي إلى عقيدتها المسيحية، ونحن نؤمن أن هذه الحقيقة بديهية: كل الناس خلقوا سواسية). لم يكن هذا الزعيم المتفرد يدعو للعنف ليواجه عنف الرجل الأبيض، وإختار أن يسير على هدي الزعيم الهندي المهاتما غاندي: محاربة العنف باللا عنف، من خلال المنافذ السلمية فحيَّر السلطات العنصرية التي كانت تريد افشال ما يصبو إليه.  في نهاية القرن السادس عشر وما بعده شهدت سواحل أمريكا الشمالية موجات كبيرة من الأفريقيين الذين تم اختطافهم من بلدانهم في شرق أفريقيا، وجيء بهم كعبيد. كانت تلك الوسيلة الدنيئة في التعامل مع البشر هي بداية سلسلة من المآسي والعذابات للسود إستمرت عدة قرون، لم تكن كافية للقضاء على العنصرية حتى العصر الحالي الذي شهد ضحية جديدة.  قُتل جورج فلويد مخنوقًا ولأسباب واهية لا تستحق القتل، وبعد أيام قليلة قتل آخر في أتلانتا.  إنها العنصرية وبشاعتها التي أججت الغضب في كل العالم. اليوم يعيش في الولايات الأمريكية 46 مليون مواطن من أصول إفريقية يشكلون ما نسبته 14،3 في المائة من مجمل سكان الولايات المتحدة الأمريكية. وهم الأكثر فقرًا مقارنة بالأعراق الأخرى، بحسب إحصاءات مكتب التعداد السكاني في الولايات المتحدة. فالقرون الطويلة من التمييز العنصري لم تسمح للسود بتحسين أوضاعهم المعيشية وبشكلٍ خاص أوضاعهم الاقتصادية، ولم يكن التمييز محصورًا في النطاق الاقتصادي والمعيشي، فهناك تمييز في تطبيق القانون، فينال السود عقوبات أكبر، لا ينالها البيض في قضايا متشابهة. وحسب المركز الأمريكي للأبحاث (بيو) يحصل السود على عقوبات أشد قسوة مقارنة بالأجناس الأخرى بنسبة 33 في المائة، وفي الأعمال الإجرامية يحصل السود على عقوبات أعلى من الأجناس الأخرى، بنسبة 21 في المائة. التمييز العنصري الذي استمر عدة قرون دفع الأمريكيين من الأصول الأفريقية إلى تنظيم أنفسهم في جماعات، ومنظمات مدنية تطالب بالمساواة والعدالة ورفع الحيف العنصري، أشهرها منظمة (حياة السود مهمة) التي برزت في الإنتفاضة الأخيرة، التي جاءت بزخمٍ كبير يحمل تراكمات القرون الأربعة فكان الانفجار هائلاً، ومنذرًا بغلاغل قادمة أن لم يوضع لها حد.  إن حلم مارتن لوثر كينغ لا زال حيًا وإن فصلته مسافات وأزمنة، لكنه ليس مستحيلاً. وفي هذه الأيام الأليمة والمظلمة يذكر المنتفضون (بدْرهم الغائب). وفي اليوم 17 من شهر يونيو الحالي جاء قليل من الأمل، ووقَّع الرئيس دونالد ترمب أمره التنفيذي الذي حمل عنوان: (شرطة آمنة لمجتمعات آمنة)، وبحضور قادة الكونغرس ورؤساء نقابات وجمعيات شرطة، وشمل هذا الأمر معايير جديدة لاستخدام القوة من أجل ممارسات أفضل لرجال الشرطة. وشمل هذا الأمر حوافز مالية للشرطة الذين يلتزمون بالمعايير الجديدة ، كما تقرر وقف استخدام الخنق أثناء الاعتقال، وإصدار قاعدة بيانات للضباط المتهمين بسوء السلوك والعنصرية، لمنع إعادتهم في إدارات أخرى، ثم تم في الأمر منع الاقتحام المفاجئ للبيوت، واصطحاب أخصائيين نفسيين في حملات الاعتقال. ووعد ترمب في هذه المناسبة أمام الجميع أنه سيقاتل من أجل تحقيق العدالة، وبالتوازي يعد نواب الحزب الجمهوري لوائح وحلول أخرى، ولا زال الطريق طويلاً والحلم بعيدًا.

مشاركة :