فى عيد الميلاد الستين لمجلة نساء الطبقة الوسطى

  • 7/9/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بلغت مجلة حواء عامها الستين، لتكون بذلك أقدم الدوريات النسائية العربية، التى لا تزال تواصل الصدور بانتظام، منذ صدر عددها الأول في يناير 1955، وفي الأسبوع الماضي أصدرت المجلة عددا تذكاريا يحمل رقم 3054 ويقع في حوالي 360 صفحة، يضم دراسات وتحقيقات وحوارات تلقي أضواء على أوضاع المرأة المصرية والعربية السياسية والاجتماعية والفكرية في الماضي والحاضر والمستقبل وتتابع مسيرتها في الدفاع عن حقوقها في التعليم وفي العمل وفي المساواة مع الرجل في التصويت والترشح للانتخابات العامة، ونضالها في الثورات المصرية، منذ ثورة 1919 إلى ثورة 30 يونية 2013، وإسهاماتها في مجالات الأدب والفن والعلوم وكل مجالات الحياة، مزودة بنماذج مما نشرت حواء على صفحاتها خلال هذه الأعوام الستين، وبصور تاريخية نادرة لهذه المسيرة الشاقة والطويلة. ودار الهلال - التي تصدر عنها حواء - هي ثالث الصروح الصحفية العربية التي تحدت الزمن ولا تزال قائمة حتى الآن.. إذ اقترب عمرها من القرن وربع القرن.. ولا يسبقها في الوجود وفي الصمود، سوى الأهرام التي صدرت عام 1876 والاجبشيان جازيت التي تصدر يوميا باللغة الإنجليزية منذ ثمانينات القرن التاسع عشر.. وكانت اللبنة الأولى في تأسيس هذه الدار، هي مجلة الهلال الثقافية نصف الشهرية التي ظل صاحبها ومحررها وناشرها جورجى زيدان يحرر كل موادها وحده لمدة 22 سنة متصلة، اعتمادا على ثقافته الموسوعية التى تشمل طيفا واسعا من العلوم والفنون يجمع بين التاريخ والجغرافية وعلم النفس والأنثروبولوجيا، وبين علم الفراسة وبين دراسات التراث العربي والإسلامي، ومتابعة أحدث النظريات الفلسفية والسياسية والاختراعات العملية في عهده، وهو ما شجعه على اقتحام مجالات جديدة من التأليف بأسلوب عصري لم يسبقه إليها وإليه أحد، مثل التأريخ للتمدن - أى الحضارة - الإسلامية، وآداب اللغة العربية، ليكون بذلك أحد طلائع حركة التنوير العربية التى انطلق روادها من رؤية واضحة، بأن الأوان قد آن لكي يجدد العرب كل وجوه حياتهم، ولكي ينفضوا الغبار الذي تراكم على حضارتهم في عصور الانحطاط والتخلف، وأن يلتحقوا بالعصر الذى يعيشون فيه ويتأثروا به ويؤثروا فيه. وكان ذلك هو الذي دفعه لترك دراسة الطب في بيروت لكي يهاجر إلى مصر فيعمل بالصحافة، بعد أن تنبه إلى أنها الوسيلة الأكثر تأثيرا، التى يستطيع من خلالها أن يحقق مشروعه، وأن يؤدي رسالته، ودفعه لتأهيل ابنيه اميل وشكري لاستكمال دوره، فأرسلهما إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الصحافة، فلم تغلق الهلال أبوابها بعد أن رحل الرجل الذى كان يحررها بقلمه من الغلاف إلى الغلاف، بل واصلت الصدور تحت إشرافهما، لتتنوع الأقلام التى تكتب فيها. وبعد مرور عشر سنوات على رحيله، بدأ الاثنان رحلتهما لتجديد شباب الصحافة المصرية والعربية، فقرر أن يحولا الهلال من مجلة شهرية إلى دار صحفية كبرى، تتخصص فى إصدار المجلات الأسبوعية التى تشبع الاهتمامات الفرعية لقرائها بعيدا عن الجدل الحزبي الذي كان يغلب على الصحف المصرية آنذاك، وأن يجددا أسلوب طباعة وإخراج هذه المجلات، فأدخلا طباعة الروتوغرافور، وأصدرا المصور عام 1924، وتلتها سلسلة من المجلات من بينها الفكاهة التي تخصصت في الأدب الساخر، والدنيا المصورة التي تخصصت في الظواهر الاجتماعية والتاريخية، والأبطال التى توجهت إلى عشاق الرياضة البدنية، والكواكب التى تخصصت فى السينمات.. ولم تصمد بعض هذه المطبوعات، مما اضطرها إلى إدماج بعضها في مجلات تجمع بين الاسمين، أو في مجلة جديدة تحمل اسما مختلفا.. وأغلق بعضها الآخر. وفي نهاية الحرب العالمية الثانية، أضافت دار الهلال إلى نشاطها في إصدار الأسبوعيات، إصدار سلاسل الكتب الشهرية، فأصدرت روايات الهلال وكتاب الهلال، وفي بداية الخمسينات عادت لإصدار الكواكب لتكون شهرية، وفى منتصفها قررت أن تصدر مجلة للمرأة، بعد أن لقيت الصحف النسائية المحدودة التى كانت تصدر مصرعها.. وأصدرت مجلتين للأطفال وسلاسل كتب لهم. وصدرت المجلة الجديدة في البداية شهرية لاختيار مدى الإقبال عليها، ثم تحولت إلى أسبوعية، وتغير اسمها من حواء الجديدة إلى حواء فقط، وتولت رئاسة تحريرها أمينة السعيد وهى واحدة من الكاتبات المصريات التى اكتشفتها دار الهلال منذ كانت طالبة متمردة في الجامعة. وكانت الأوضاع الاجتماعية والسياسية في مصر، قد تهيأت في ظل المناخ المتحرر الذي أشاعته ثورة 1952، لكي تستوعب سوق الصحف مجلة أسبوعية متخصصة في شئون المرأة، بعد أن اختفت الصحف الحزبية التى كانت تستقطب الجانب الأكبر من اهتمام قراء الصحف، وحصلت المرأة المصرية على حقها في الانتخاب والترشح، واتسع صدر المجتمع لاتجاه الدولة للتوسيع فى تعليم المرأة وضمان حقها في العمل، وكان هذا ما أدركته أمينة السعيد بذكاء، فتوجهت بالمجلة إلى قارئها الطبيعى: نساء الطبقة الوسطى الصغيرة، من موظفات الحكومة وطالبات الجامعة وعاملات المصانع اللواتي يقرأن ويكتبن، لتشبع حاجتهن إلى المعرفة بشؤون حياتهن، من كيفية صنع ملابسهن وملابس أطفالهن بأنفسهن عبر باترونات كانت توزعها مع كل عدد، إلى وصفات إعداد وجبات شهية ومغذية وغير مكلفة، وتنفيذ ديكورات بسيطة ورخيصة.. ومن الاستعداد للزفاف إلى مشاغل الحمل والولادة وتربية الأطفال، ومن العقبات التى تواجهها المرأة العاملة فى علاقتها برؤسائها وزملائها، إلى قضايا الأحوال الشخصية ودور المرأة في مختلف المجالات! وكان توجه حواء إلى نساء الطبقة الوسطى، هو الذى رسخ أقدامها في سوق الصحافة وجنبها المصير الذي انتهى إليه معظم الصحف النسائية، وفى عام 1965 حاولت أخبار اليوم، أن تصدر مجلة منافسة لها أسمتها هي ورغم الإمكانيات الضخمة التى سخرت لها إلا أنها أغلقت أبوابها بعد شهور، وكان السبب وراء ذلك هو أنها كانت تتوجه إلى نساء الطبقة العليا، والمجتمع النسائي المخملي، وتقدم نماذج لأزياء غالية الثمن، وأكلات ارستقراطية، وديكورات تحتاج إلى قصور وليس إلى شقق محددة المساحة، من النوع الذى يعيش فيه قارئات حواء! وفيما بعد، ومع الثروة النفطية والانفتاح الاقتصادي، انتشر هذا النوع من المجلات النسائية التى تتوجه إلى نساء المجتمع المخملي في مصر والعالم العربي، في الوقت الذي أخذت الطبقة الوسطى الصغيرة، تترنح تحت ضربات التصاعد المستمر في الأسعار، وكف نساؤها عن قراءة المجلات.. ورغم ذلك فقد واصلت حواء دورها، وظلت صامدة حتى احتفلت بعيد ميلادها الستين فى الأسبوع الماضى.. بهذا العدد التذكاري الجميل، والذي يستحق كل من ساهم في إنجازه تحية وتقديرا، من غالي محمد - رئيس مجلس إدارة دار الهلال، وماجدة محمود - رئيس تحرير حواء - إلى كل من شارك في تحريره وإخراجه وطباعته. وكــل عــام وهـم جـميعـا وحـواء - المجلــة والنــوع - بخير!

مشاركة :