قالت لجنة الفتوى الرئيسة بمجمع البحوث الإسلامية في ردها على سؤال حول حكم الصلاة حال التباعد في صفوف المصلين؟، إنه من المعلوم أن لتسوية الصفوف شأْنًا عظيمًا في إِقامة الصلاة وحُسْنِها وتمامها، وفي ذلك من الفضل والأَجر وائتلاف القلوب واجتماعها؛ ما شهدت به النصوص من السنة النبوية المطهرة، وما أكدته هذه النصوص من أن الأُمة المحمدية قد تميزت بأن صفوفها للصلاة كصفوف الملائكة؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ-رضي الله عنه-، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟ اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ» قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَرَآنَا حَلَقًا فَقَالَ: «مَالِي أَرَاكُمْ عِزِينَ» قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟» فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ». أضافت اللجنة عبر صفحة المجمع الرسمية على فيسبوك، أنه مع انتشار "فيروس كورونا المستجِد" (كوفيد-19) كثرت الدعوات لإيجاد حلول للاحتراز من تفشيه بين التجمعات البشرية، ومن بين هذه التجمعات: جموع المصلِين في المساجد سواء أكان ذلك في الصلوات الخمس أو صلاة الجمعة، وقد كان من هذه الحلول المقترحة: "الصلاة مع تباعد المصلين"؛ حتى خرج علينا مسلمو "إندونسيا وباكستان" وغيرهما في صلاة يوم الجمعة متباعدين في صفوفهم بحيث يكون بين كلٍ مصلٍّ وأخيه نحو متر تقريبًا تاركين بذلك تسوية الصفوف، ومخالفين بذلك هيئة الصلاة المعروفة، ثم ظهرت هذه الهيئة مؤخرًا في الحرم المكي الشريف؛ وذلك تحرزًا من انتقال الفيروس بين المصلين، وقد كثُر السؤال عن حكم الصلاة مع تباعد المصلين وترك تسوية الصفوف.وأوضحت اللجنة أنه للجواب عن ذلك نقول وبالله التوفيق: اتفق الفقهاء على مشروعية تسوية الصفوف في الصلاة، قال الإمام ابن المنذر: "وأما تسوية الصفوف في الصلاة، فالآثار فيها صحاح متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، ولا خلاف فيه بين العلماء"، واختلفوا في صفة هذه المشروعية إلى ثلاثة أقوال: فجمهور الفقهاء على أنه يستحب تسوية الصفوف في الصلاة: وبه قال الحنفية، والمالكية، والشافعية، والصحيح عند الحنابلة، وبه قال الزيدية، والإمامية، واستدلوا على ذلك بما ورد من ألفاظ الأمر بتسوية الصفوف معلَّلة بأنها من تمام الصلاة أو حُسن الصلاة، ومنها: الحديث الأول: ما ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وَأَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلاَةِ، فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاَةِ "، ووجه الدلالة: هذا الحديث يدل أن إقامة الصفوف سنة مندوب إليها، وليست فرضًا؛ لأنها لو كانت فرضًا لم يقل عليه الصلاة السلام: "فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاَةِ"؛ لأن حُسن الشيء زيادة على تمامه، وذلك زيادة على الوجوب. وأشارت اللجنة بعد تأصيلها لهذه المسألة أنه على هذا: فإن الصلاة مع تباعد المصلين وترك تسوية الصفوف صحيحة، كما أن الكراهة ترتفع على مذهب الجمهور، ويرتفع الإثم كذلك على مذهب القائلين بوجوب التسوية؛ لوجود العُذر المُعتبر في حالتنا وهي الحاجة المعتبرة، وهو الاحتراز عن أسباب الإصابة بالفيروس؛ لاسيما وأن المقصد ليس مخالفة السنة في كيفية اصطفاف المصلين ولا تغيير هيئة صلاة الجماعة، بل هي حالة مستثناة لظرف طاريء تزول بزواله، وقد قال الرملي: "إن كان تأخرهم عن سد الفرجة لعذر كوقت الحر بالمسجد الحرام؛ لم يكره لعدم التقصير". وتابعت: إذا كان الشارع الحكيم أباح ترك ركن من أركان الصلاة من أجل العُذر المعتبر كالصلاة قاعدًا لمن عجز عن الصلاة قائمًا في صلاة الفريضة؛ عجزًا عن القيام، أو منعًا من اشتداد المرض؛ فترك تسوية الصفوف مع بقاء إقامتها أولى؛ مراعاةً لقصد الشارع الحكيم في اجتماع المسلمين في الصفوف، مع الأخذ بالأسباب في التباعد وقت انتشار الأوبئة ما أمكن، مع جواز الترخص بالصلاة في البيوت، ولا يقال إن صلاة الجماعة بهذه الصورة لم يذكرها أحد من الأئمة؛ بل إذن تعرضهم لحكم تسوية الصفوف واختلافهم بين الاستحباب والوجوب؛ يستلزم بيان حكم ترك هذه التسوية.وعليه: فإذا أكد الأطباء الثقات أن التباعد في صفوف المصلين وتنظيم الدخول والخروج من المسجد؛ يفيد في عدم انتشار الدعوى؛ فإنه تجوز الصلاة حينئذٍ مع الاقتصار على زمن انتشار الوباء؛ على أن تعود تسوية الصفوف لما كانت عليه بعد ارتفاع البلاء؛ فإنه إذا ضاق الأمر اتسع، وإذا اتسع ضاق كما هو مقرَّر.