دبي:عبير أبو شمالة يتمتع القطاع المصرفي للإمارات بملاءة مالية عالية، ومؤشرات مالية صحية ونوعية أصول جيدة. وهو من أكبر القطاعات المصرفية على مستوى الدول العربية من حيث قيمة الأصول، ويمكن القول إن هذه العوامل مجتمعة، إضافة إلى قوة اقتصاد الإمارات، أسهمت في الحد من تأثير كورونا على ملاءة القطاع المالية التي تراجعت بشكل محدود من 17.7% في نهاية العام الماضي إلى 16.9% في مارس الماضي، المعدل الذي يزيد وبفارق كبير عن متطلبات بازل 3 والمتوسطات العالمية.بحسب تقرير وكالة التقييم الائتماني العالمية «موديز» الأخير الذي أثار جدلاً واسعاً، تتمتع بنوك الإمارات الكبرى بملاءة مالية ومستويات سيولة وتمويلات قوية جعلتها تثبت تقييم ثمانية من هذه البنوك في ظل الظروف العصيبة التي انعكست تأثيراتها على الاقتصاد العالمي ككل. لكن مخاوف كورونا ألقت بظلالها على القطاع لا شك، حاله حال القطاعات المصرفية في مختلف أنحاء العالم، مع مخاوف تتعلق بنوعية الأصول في ظل تأثيرات تدابير مواجهة تبعات «كوفيد- 19» وما تطلبه الأمر من إغلاق للأنشطة على مستوى العديد من القطاعات الاقتصادية، ما جعل الوكالة تخفض النظرة المستقبلية المستقلة إلى سلبي لهذه البنوك.ولفتت الوكالة إلى أن الرسملة القوية لبنوك الإمارات توفر قدرة عالية على امتصاص الخسائر، حيث بلغت نسبة حقوق المساهمين إلى الأصول المقيسة بالمخاطرة على مستوى القطاع بحوالي 14.9% في نهاية العام الماضي.وأشارت إلى أن مستويات السيولة والتمويلات كذلك قوية، مع تمويلات سوقية تمثل ما لا يزيد على 18.9% من الأصول الملموسة، وأصول سائلة شكلت في نهاية العام الماضي حوالي 33.5% من الأصول الملموسة. خطة «المركزي» وأكدت الوكالة أن خطة مصرف الإمارات المركزي لدعم عملاء القطاع والتي توازي قيمتها 17% من إجمالي الناتج المحلي للدولة أسهمت في تخفيف حدة وقع الأزمة على القطاع المصرفي وساعدت في تخفيف درجة التراجع في نوعية الأصول الناتجة عن الأزمة. ولفت إلى أن الدعم يسهم في منع تحول حالات التعثر في السداد إلى إعسار كامل لشريحة من المقترضين.ومن المعروف أن القطاع المصرفي هو مرآة الاقتصاد التي تعكس آلامه كما تعكس انتعاشه، ومع توقعات عالمية بانكماش اقتصادي للإمارات ولغالبية اقتصادات العالم نتيجة تدابير ما بات يعرف ب«الإغلاق الكبير» فمن غير المستغرب أن نرى انعكاس الأمر على القطاع المصرفي وعلى ربحيته التي أكد رئيس اتحاد مصارف الإمارات عبد العزيز الغرير أنها ستكون آخر همّ للبنوك في هذه المرحلة التي من المطلوب من الجميع فيها التعاون ومضافرة الجهود للخروج بالاقتصاد بسلام إلى بر الأمان بأقل الخسائر.لكن ومن غير المنطقي أن نتوقع خروج الاقتصاد والبنوك دون خسارة في ظل أزمة عالمية بهذا الحجم غير المسبوق، بيد أن قوة الاقتصاد وضخامة أصول الإمارات بالخارج من جهة إلى جانب السيولة والرسملة القوية لبنوك الدولة تدعم التفاؤل بخروج القطاع سالماً من الأزمة بشهادة من وكالات التقييم الائتماني التي على الرغم من خفضها لنظرتها المستقبلية المستقلة، أي التي تقيم أوضاع البنوك منفردة من دون أخذ الدعم الحكومي بعين الاعتبار، على الرغم من تأكيداتها في التقرير نفسه على أن تاريخ اقتصاد الإمارات أثبت حرصاً كبيراً من الدولة على دعم البنوك ومؤسساتها المالية خلال الأزمات. نمو 4.1 في 2021 وقالت الوكالة في تقريرها إن العوامل التي حدت بها إلى اتخاذ هذه الخطوة تتمثل في صدمة كورونا الاقتصادية وتراجع أسعار النفط بحدة ما أثر في النمو بشكل عام.لكن الوكالة في تقرير أصدرته قبل أيام قليلة حول اقتصاد الإمارات أكدت تفاؤلها حيال النمو الاقتصادي للدولة، ولأن القطاع المصرفي كما قلنا هو مرآة الاقتصاد، فمن المتوقع أن يكون للتعافي الاقتصادي القوي في العام المقبل انعكاساته الإيجابية على القطاع القادر على تجاوز كبوة «كورونا».وقالت الوكالة في تقريرها الشامل حول اقتصاد الدولة إنها تتوقع أن يتعافى اقتصاد الإمارات بقوة من تبعات جائحة «كوفيد-19» ليسجل إجمالي الناتج المحلي الحقيقي نمواً يصل معدله إلى 4.1% في العام المقبل بعد انكماش 5% هذا العام.وترجح الوكالة أن ينكمش الاقتصاد النفطي للإمارات نتيجة الجائحة وتراجع أسعار النفط عالمياً بحوالي 7.2% هذا العام ليحلّق في العام المقبل بنمو يتوقع أن يصل معدله إلى 6.5%.وقالت الوكالة إن عوامل عدة تدعم التقييم الائتماني الممنوح للإمارات وهو Aa3 مستقر، ومن بينها الأصول المالية الضخمة لصناديقها السيادية والدخل المرتفع للغاية للفرد فيها والبنية التحتية المتفوقة واحتياطيات النفط الضخمة، إضافة إلى استقرار الوضع السياسي وعلاقات الدولة القوية عالمياً. ولفتت إلى أن التقييم الائتماني من الممكن أن يكون أعلى في حال كان هناك إفصاح أشمل حول حجم الأصول الخارجية.وتحدثت الوكالة عن تأثيرات الجائحة والتراجع الحاد في أسعار النفط في اقتصاد الإمارات قائلة إن تبعات الوضع ستؤدي إلى تراجع عوائد النفط على المدى القصير، مرجحة أن تكون الانعكاسات محدودة على التقييم الائتماني للدولة. التنافسية العالية وقالت الوكالة إن رفع تقييم أبوظبي الائتماني من شأنه أن يسهم في رفع التقييم الكلي الائتماني للدولة، وأوضحت أنها تقيم القوة الاقتصادية للإمارات عند «aa3»، بما يعكس ارتفاع المداخيل والتنافسية العالية للاقتصاد، واحتياطيات الدولة الضخمة من النفط الذي يمكن استخراجه بتكلفة منخفضة، إضافة إلى قوة الاقتصاد غير النفطي والبنية التحتية المتفوقة.ولفتت الوكالة في تقريرها عن الإمارات إلى أنها عدلت التقييم من «a2» في الفترة الماضية ليعكس ارتفاع مستويات الثروات في الدولة وضخامة مواردها النفطية مع احتياطيات تصل إلى 6% من الاحتياطي العالمي، أو حوالي 97.8 مليار برميل بحسب تقديرات 2018. وقالت إن الدولة في ذلك تتشارك في تقييمها مع اقتصادات متقدمة مثل السويد وهولندا وهي أعلى تقييماً بفارق نقطة عن بقية دول مجلس التعاون الخليجي. وقدرت إجمالي الناتج المحلي الاسمي للدولة بحوالي 421 مليار دولار في 2019.وبالعودة إلى القطاع المصرفي، نرى أن المؤشرات مطمئنة إلى حد كبير وكذلك تأكيدات المسؤولين في القطاع وعلى رأسهم مصرف الإمارات المركزي واتحاد المصارف بأن وضع السيولة صحي والملاءة المالية للبنوك عالية وبفارق كبير عن المتوسطات العالمية، وأن البنوك قادرة على مواجهة تبعات الأزمة بنجاح، كما أكد المركزي استعداده الكامل لدعم القطاع لمساعدة العملاء المتضررين من الأزمة. نقاط القوة من جانبها أكدت وكالة «إس آند بي جلوبال» للتصنيفات الائتمانية أنها قامت بتصنيف القطاع المصرفي في دولة الإمارات ضمن المجموعة «5»، وذلك على مقياس مكون من 1 إلى 10، حيث يمثل 1 أدنى مستوى المخاطر.وتستخدم الوكالة في تقريرها درجات المخاطر القطاعية والمخاطر الاقتصادية لتحديد المستوى الابتدائي للتصنيف الائتماني للمُصْدر (Anchor). والمستوى الابتدائي للتصنيف الائتماني للبنوك العاملة في دولة الإمارات هو «bbb-».وحددت الوكالة في العوامل الرئيسية لوصولها لهذا التقييم ثلاث نقاط قوة تتمتع بها دولة الإمارات وقطاعها المصرفي تمثلت في ارتفاع مستويات الدخل وقوة الوضع المالي والخارجي، وتمتعها باقتصاد أكثر تنوع نسبياً من نظيراتها الخليجية، ووضعها التمويلي الذي يغلب عليه الودائع الأساسية المستقرة. كما حددت الوكالة ثلاث نقاط ضعف تمثلت بزيادة الخسائر الائتمانية نتيجةً لتراجع الظروف الاقتصادية، بالإضافة إلى التنافسية العالية في الأسعار بسبب العدد الكبير من البنوك في القطاع المصرفي الإماراتي، والتركيزات العالية على قطاعات وعملاء محددين. الأصول الحكومية ساعدت على مواجهة التداعيات السلبية قالت الوكالة إن الإمارات تتمتع باقتصاد غني مع أوضاع مالية وخارجية قوية. ولفتت إلى أن قوة صافي الأصول الحكومية ساعدت الدولة على مواجهة التداعيات السلبية على النمو الاقتصادي الناتجة عن انخفاض أسعار النفط منذ أواخر العام 2015. ولكن الانخفاض الحالي الحاد في أسعار النفط وتراجع النشاط الاقتصادي نتيجةً للإجراءات المتخذة لاحتواء وباء كوفيد-19 سيؤديان إلى ارتفاع حجم القروض المتعثرة وتكلفة المخاطر لدى البنوك في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال الأشهر 12-24 القادمة. وبالرغم من أن البنوك الإماراتية تعمل بمقاييس ربحية قوية، إلا أن توجه البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي نحو موقف أكثر تكيفاً سيكون له آثار سلبية على هوامش البنوك الإماراتية. بالإضافة إلى ذلك، نتوقع ارتفاع الخسائر الائتمانية خلال الفترة الممتدة ما بين 2020-2021، مما سيؤدي إلى تراجع الربحية في القطاع.وقالت الوكالة إنها تنظر بإيجابية لخطة الدعم الاقتصادي الموجهة التي أعلن عنها مصرف الإمارات المركزي، والتي من المتوقع أن تخفف من الضغوط على مُصْدري الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إلا أن هذه الخطة لم تؤدِّ إلى شطب المخاطر الائتمانية من ميزانيات النظام المصرفي. وقالت الوكالة إنها لا ترى أي ضغوط مباشرة على السيولة في النظام المصرفي بفضل التدابير الاستباقية التي اتخذها المصرف المركزي لدعم السيولة في النظام المصرفي، بما في ذلك خطة الدعم الاقتصادي الموجهة، وخفض الهوامش المخصصة لحماية رأس المال، وخفض هوامش السيولة لدى البنوك.
مشاركة :