ضوء الدكتورة أنيسة فخرو سفيرة المنظمة الأوروبية للتنمية والسلام - صحيفة الوطن نيوز

  • 6/28/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تسمع أنين الحرف حينما يكتب الماغوط، هذا الكاتب الناقد المتمرد الساخر حد الموت، والحزين حد الفجيعة، ولد الكاتب في سوريا 1934 وتوفى عام 2006، من أهم أعماله المسرحية: شقائق النعمان، ضيعة تشرين، غربة، وكأسك يا وطن، ومن أهم إصداراته: سأخون وطني 1987، سياف الزهور 2001، البدوي الأحمر، 2006. يضع إصبعه على جروح الأمة العربية، ويتحدث عن الماضي العربي العريق قائلا: لو كان عندي حفيد من الثالثة من عمره أطوف به أرجاء الوطن العربي، وأطلعه على معالم الحضارة العربية وتراثها الإنساني، ومظاهر الاحتفاء برموزها وروادها، ونبدأ في الشعر، فأقول له: هذا شارع الشنفري وقد قُتل في 510 م، وهذا شارع عنترة العبسي وقد قُتل 615م، وهذا شارع طرفة بن العبد وقد قُتل عام 569م، وهذا عدي بن ربيعة التغلبي المعروف بالزير الذي مات في الأسر 591م، وهذا ابن المقفع الذي عُذب وقُتل عام 759م، وهذا بشار بن برد وقد قُتل في 784م، وهذا الجاحظ الذي مات مفلوجا 868م، وهذا ابن الرومي الذي مات مسموما 896م، وهذا ابن المعتز وقد قُتل 908م، وهذا شارع المتنبي وقد قُتل 965م، وهذا شارع ابوفراس الحمداني الذي قُتل 968م. ويُشخّص الواقع الحالي للأمة قائلا: الأمة العربية تشبه سيارة ريفية هرمة، مخلخلة الدواليب، مرقعة الإطارات، متآكلة الطلاء، مخلعة الأبواب، ممزقة المقاعد، بلا مكابح ولا مصابيح وبلا نمرة، والسائق بلا رخصة، وركابها يتكدسون فوق بعضهم البعض، على المقاعد والأسطح والرفاريف، وعلى غطاء المحرك ومؤخرته، وهم يهزجون ويمرحون ويلوحون للمارة، والسيارة تترنح بهم ذات اليمين وذات الشمال، على طريق وعرة بين الصخور الناتئة، والوديان السحيقة نحو هاوية لا يعلم إلا الله قرارها، ومع ذلك كتب على مقدمة السيارة ومؤخرتها: عين الحسود فيها عود. تهرع إلى بيتك وتغلق الأبواب هربا من اسرائيل وأخبارها، وكل ما يُذّكرك بها، تضع شريطا موسيقيا هادئا، فتكتشف إن العازف يهودي، تشاهد فيلما مسليا فتكتشف أن المخرج وكاتب السيناريو والممثل يهود، تطالع رواية تاريخية فتكتشف أن البطلة يهودية، تأخذ حبوبا مهدئة فتكتشف أن الشركة المنتجة أو الموزعة يهودية، تهرب من كل شيء وتلجأ إلى أقرب الكتب السماوية إلى قلبك فتطالعك أول الكلمات: يا بني اسرائيل. وعن الواقع أيضا يقول: كلما اجتمع عربيان كانت المخابرات ثالثهما، الوحدة العربية الحقيقية في أي بلد عربي هي في المقابر الجماعية، كان الصلح مع اسرائيل عارا قوميا فصار انجازا تاريخيا، فماذا يُقال بعد ذلك سوى أن التضامن العربي الآن أخطر بكثير من الخلافات العربية! معظم الشعوب العربية ضد مسيرة السلام لا لشيء سوى إن الأنظمة معها. أعلن: كل ثورة من الآن فصاعدا وعلى أي شيء هي مشروع فيلم كوميدي. كل رجل معمم أو مقلنس يأتي مستعجلا متحمسا من غياهب المجهول هو مذبحة أو محطة فضائية. كما أعلن إن هذه الأمة منكوبة بحكامها، وعندما أتأملهم على المدرجات وسلالم الطائرات وهم يتبادلون القبل، لا أرى فيهم بشرا من لحم ودم وأعصاب، بل أرى بنوكا تتصافح، سفارات وشركات ومؤسسات تتبادل القبل والأسهم والمعلومات، سجونا ومعتقلات تتعانق، مصالح تتزاوج وتتناسب لتنجب لهذه الأمة مزيد من القهر والذل والانكسار. أما عن المستقبل فهو يتنبأ بما سيؤؤل إليه حال أمتنا في نهاية القرن الواحد والعشرين قائلا: لبنان لم ينتصر على اسرائيل ذلك الانتصار المدوي لأن المواطن اللبناني أكثر شجاعة من غيره من العرب، بل لأن لبنان على رغم ما مر به وعليه، ما زال يتمتع برمق من حرية القول والتعبير، لذلك سيكيد له أخوته من العرب أكثر مما سيكيدون لإسرائيل في المستقبل، لأنه فتح عليهم بابا يحاولون بكل قواهم البلاغية والعضلية إغلاقه منذ سنين، وسيحاولون إلحاق أكثر من هزيمة به، وعلى أكثر من صعيد، والأيام وكامب ديفيد الثالثة والرابعة بيننا. وقبل أن تبدأ مفاوضات السلام لحل الصراع العربي الاسرائيلي، وحل مشكلة فلسطين، كان الغرب قد أنجز صراعا جديدا لهذه المنطقة تجعل حكامه يترحمون على مشكلة فلسطين، فمشروع اسرائيل الكبرى قد شرعوا في تنفيذه بأسرع مما يحلم واضعوه، وليس من النيل إلى الفرات بل وإلى دجلة أيضا، وإذا تلكأ قليلا بناء المستوطنات في داخل الأراضي العربية المحتلة، يستأنف بناء المستوطنات في داخل الأراضي العربية المستقلة، مستوطنة كردية في شمال العراق، ومستوطنة شيعية في جنوبه، وتركمانية، وايزيدية، وهكذا دواليك، حتى لن ينته هذا القرن إلا ويكون لدينا سبعون دولة جديدة. وبسخريته اللاذعة يواصل قائلا: مبنى الأمم المتحدة سيصبح مثل باصات القرى في الأعياد، لأنه ستكون لكل دولة حدودها وجيشها ومخابراتها وأطماعها ومخاوفها، ولأنها ستكون كلها ذات نفس وحدوي، فستظل تدخل في حرب وتخرج من حرب، لاستعادة جاراتها للوطن الأم، وكل دولة ستعتبر نفسها الوطن الأم، لذلك سنكون أمام أغرب حضانة أو روضة أطفال جغرافية في التاريخ! و قال الماغوط نعم العراق سيُقسم، والسعودية ستُقسم، والجزائر سيُقسم، والسودان سيُقسم، والدول التي هي حاصل قسمة ستُقسم، ونضيف سوريا واليمن وليبيا أيضا ستُقسم، فلكي تكبر اسرائيل يجب أن نصغر نحن، وعلى كل بلد عربي أن يبل ذقنه وينتظر دوره في صالون النظام العالمي الجديد. آه ثم آه لكن من يسمع؟

مشاركة :